من أجل الحق في الإبداع والاستمناء
سأتخلى عن الكتابة الإبداعية،
ولأن النقد أصبح سهلا وسلاما وهياما…
ولأن النقد جالب للحظوظ والخدود والنهود…
ولأن النقد له جبهة حبر وجلد سرير…
ولأن النقد له حوافر اللغة وصهيل المواخير…
ذاك النقد الذي كل شيء فيه مقتدر قدير استثنائي مائز متميز… طلاسم غنائم… فيء وغثيان وقيء وغواية….
ذاك النقد الذي يرضي كل شيء حتى رائحة العفن في أسرة الليل…
ولأن النقد غير متعب… ولا مرهق..
يكفي قول أي شيء…
واجعل كل إعاقة لغوية إضاءة..
وكل ركاكة سباكة…
وكل هدر شعرا…
وكل ملوح بمقص حلاقا
وكل حامل دف مطربا
وكل منضددة كلمات مقتدرة قاهرة الاستعارات…
لكل هذا…
وذاك… ومن أجل رضا آلهة التفاهة والفراغ والقدح والصواغ…
من أجل عيون امرأة الطريق إليها ورقة نقدية… ومنصة علية…
من أجل حضور موسم التفاهة… وحولي الغثاء والعويل ورائحة عرق الخنازير…
من أجل لغة ” ماتع ” و ” بادخ” سأحط الرحال في مزابل الأوهام وأحول الاستمناء اللغوي رحلة صوفية في الحيوانات المنوية لنبع الإبداع…
من أجل… هذا وذاك…
قررت أن أصير ناقدا، لي جوقتي ومريدي وشيعتي وأتباعي ممن يقتاتون من حبري في فضاءاتي المألوفة، سأتخصص في أي شيء… من الشعر والسرد، إلى التشكيل والنحت والرقص والتمثيل والباليه، ولما لا فن السينما، سأقرأ بعض أبجدياتها خلال نهاية الأسبوع، وسأحشو عقلي بالأسماء الرنانة والمصطلحات الرهيبة، كلمت انتهت كلماتي ب “جيا” زادت أسهمي، سأضيف المسرح وفن الطبخ والعطور والماكياج أيضا إلى سيرتي، وسأكتب أيضا في بطاقة الزيارة… باحث ومحلل ومفكر، لم أحدد بعد مجال البحث والتحليل، سأرى سوق الفكر والتحليل، فالسوق تعج بالبضائع المغرية المطلوبة في البلاتوهات و الاستديوهات، من الرياضة إلى السياسة الدولية والأمنية والحركات الإسلامية والتطرف والإرهاب، والديمقراطية وحقوق الإنسان والبحر والشجر والمناخ والعنف والماء والغابات والتصحر، سأختار مجالا خطابه ملتبس ومصطلحاته سمينة ولغته عاهرة، لكن قضاياه سعرها مرتفع، ومطلوبة لدى الفضائيات وفي اللقاءات والمناسبات.
نعم… سأختار التحليل والتبرير والتطبيل والتسنطيح…
سأكتب من حين لآخر مقالة تغضب الكثيرين، أول الشهرة الاستفزاز و الخروج عن المألوف، نعم كتابة الصدمة تجلب الغنيمة والحظوة…ولأكن حداثيا جدا لدرجة استعمال ورق المراحيض في الكتابة و العازل الطبي في الاستعارة..
سأكون تنويريا جدا… أجيد التشكيك في حامضي النووي، وفي أصل كل شيء…
سأكتب مقالات فقط لأختلف عن الكل، عن السائد، لأكون بطلا في أعين السادة و الغرب والناسا أو لانازا… سأكون صادما لأحظى برعاية الغرب والشرق والغجر والغفر.
يكفي أن أكتب مقالا غبيا سطحيا بلا عمق ولا رؤية، لكن أمجد فيه العمل وصاحبه أو صاحبته، لأغدو قبلة كل المهرحانات، سأكون على كل المنصات، يقدمني تافه مثلي بالكبير والمقتدر، سيعلمون أنني لا أغتال نصا ولا أحفر قبرا لجيفة لغوية أو بصرية، سيعلمون أنني قادر أن أزين القبح وأرمم الأعطاب وأخفي العلل والأسقام، كل اختلال سيكون فتحا وحداثة وما بعد حداثة، وتجريبا وجرأة، الرذاءة سأكسوها بمشروعية التجديد وقلب المعايير، سأقول كلاما يصلح لكل نص، كبرامج الأحزاب، وحين سأكون في الحانات ستصلني الجعات من كل صوب، ويؤدي عني بفرح فاتورة عشاء أحد ما، وستكون لي خليلات شاعرات مزيفات، كاتبات من جوقة الكتبة، سيحبني الجميع… ستتكدس على مكتبي دعوات المهرجانات واللقاءات، سأسافر إلى حيث يضمنون لي المبيت والأكل والخمر والغواية وتعويضا عن سهري وحبري.. النقد مثمر يا صاحبي… ! تعال نطلع على أبجديات فن السفر والحياة…! تعال نتعلم من أي تؤكل الكتف…!