جبهة: مشروع قانون الإضراب محاولة لتكبيل وتجريم حق من حقوق العمال وتصفية للعمل النقابي
يثير مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بالمغرب نقاشًا واسعًا بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. فبينما تعتبره الحكومة خطوة ضرورية لتنظيم ممارسة هذا الحق، يرى العديد من النقابيين والخبراء القانونيين أنه يتناقض مع روح ومضامين الدستور المغربي، خاصة فيما يتعلق بضمان الحريات النقابية والحقوق الأساسية للعمال.
و أكدت الجبهة المغربية لمناهضة قانوني الإضراب والتقاعد، خلال ندوة صحفية نظمتها في الرباط صبيحة يوم الاثنين 16دجنبر 2024، أن مشروع قانون الإضراب يحمل طابعا “تكبيليا وتجريميا”، حيث يفرض قيودا مشددة تجعل ممارسة هذا الحق الدستوري شبه مستحيلة.
واعتبرت الجبهة أن التعديلات التي أدخلت على المشروع داخل مجلس النواب شكلية وغير جوهرية، إذ حافظت على نفس المضامين التي تعيق حرية الإضراب وتنص على عقوبات قد تصل إلى المحاكمة بموجب القانون الجنائي.
وفيما يتعلق بشروط تنظيم الإضراب، نبهت الجبهة إلى أن المشروع يضع عراقيل تعجيزية، من بينها إلزامية الانتماء إلى نقابات “الأكثر تمثيلية” التي تتوفر على وضعية قانونية سليمة، وأشارت إلى أن هذه الشروط تعني فعليا أن الهيئات النقابية التي تواجه عراقيل إدارية، مثل عدم تسليمها وصولات الإيداع من السلطات، ستكون محرومة من ممارسة هذا الحق، مما يضع سلطة اتخاذ قرار الإضراب فعليا في يد مسؤولي وزارة الداخلية.
ووفق تمثيليات نقابية مشاركة في الجبهة،المشروع لا يكتفي بتقييد الإضراب فحسب، بل يهدد أيضا بملاحقة النقابيين قضائيا إذا لم يتم استيفاء الشروط المنصوص عليها، والتي غالبا ما تكون شبه مستحيلة التحقيق، وأضافت الجبهة أن حصر الإضراب في النقابات يؤدي إلى إقصاء شريحة كبيرة من الأجراء والموظفين، خاصة أن نسبة الانتماء للنقابات في المغرب لا تتجاوز 5%.
كما أشارت إلى أن هذا المشروع يبدو وكأنه محاولة لتحجيم دور التنسيقيات التي لعبت دورا بارزا في الإضرابات الأخيرة، خصوصا في قطاع التعليم.
الجبهة نبهت أيضا إلى أن هذا المشروع يحرم العمال غير المنتمين إلى نقابات من حقهم في الإضراب، بينما يضع قيودا أخرى مثل إلزامية ضمان الحد الأدنى من الخدمة، هذا المقتضى، رغم تقديمه كإجراء لضمان استمرارية السوق، يُفرغ الإضراب من محتواه كوسيلة ضغط، ويعرض الأجراء المختارين لتنفيذ هذه الخدمة لمخاطر قانونية، قد تصل إلى عقوبات جنائية.
في سياق آخر، اعتبرت الجبهة أن الحكومة تسعى من خلال هذا المشروع إلى خدمة مصالح الرأسمال والأقلية المستفيدة، على حساب العمال والفئات الشعبية، كما شككت في تصريحات الوزير التي تفيد بإشراك مختلف الفاعلين في النقاش حول القانون، ووصفتها بأنها مجرد “بروباغاندا” كاذبة، مؤكدة أن إقرار هذا المشروع سيؤدي إلى تقويض العمل النقابي وإعادته إلى مستويات متدنية أشبه بما كان سائدا في القرن التاسع عشر.
الجبهة دعت إلى توحيد الصفوف لمواجهة هذا المشروع وممارسة الضغط على الحكومة لسحبه، كما شددت على أهمية التصعيد النضالي، معلنة عن تنظيم مسيرة وطنية يوم 29 دجنبر بالرباط، إلى جانب مراسلة منظمة العمل الدولية لتسليط الضوء على هذا الملف.
واختتمت بتأكيدها أن المعركة مستمرة لإسقاط هذا القانون، مطالبة بتشريعات تحترم الحقوق الأساسية للعمال وتكفل حمايتهم بدلاً من تقييدهم وتجريمهم.
يشار في هذا الصدد، أن الإضراب يعد حقًا دستوريًا مكفولاً بموجب الفصل 29 من دستور 2011، الذي ينص على أن “حريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، كما يُضمن حق الإضراب”. ويُناط بتنظيم هذا الحق إصدار قانون تنظيمي وفق ما ورد في الفصل 71.
إلا أن صياغة مشروع القانون التنظيمي للإضراب أثارت تساؤلات حول مدى احترامه لهذه الضمانات الدستورية، حيث يرى منتقدوه أنه يضع قيودًا مبالغًا فيها تجعل ممارسة الإضراب شبه مستحيلة.
رى معارضو المشروع أن هذه البنود تتناقض مع مضمون الفصل 29 من الدستور الذي يضمن الحق في الإضراب دون قيود تُفرغه من محتواه. كما يُتهم المشروع بعدم احترام الفصل 19 الذي يُقر بالمساواة بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين، إذ يعطي الأفضلية للمشغلين على حساب العمال.
إلى جانب ذلك، يرى الحقوقيون أن المشروع يتجاهل المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تؤكد أن الحق في الإضراب جزء لا يتجزأ من الحرية النقابية.
ودعت النقابات العمالية والهيئات الحقوقية إلى إعادة صياغة مشروع القانون التنظيمي بما يتماشى مع الدستور والالتزامات الدولية. ومن أبرز مطالبها:
إلغاء الشروط التقييدية مثل الإشعار المسبق المبالغ فيه والتفاوض الإجباري.
ضمان استقلالية العمل النقابي وحمايته من التدخلات الإدارية أو العقوبات التعسفية.
اعتماد مقاربة تشاركية في صياغة القانون عبر حوار حقيقي بين الحكومة والنقابات.