اقتصاد الريع يُعد من أبرز الإشكالات التي تعيق تحقيق العدالة الضريبية في المغرب وتعميق الفوارق الاجتماعية، و يرتكز هذا النمط الاقتصادي على استغلال الامتيازات الاقتصادية دون تقديم مساهمة حقيقية للإنتاج الوطني، وهو ما يتجلى في عدة قطاعات مثل المقالع والصيد البحري والعقارات والصفقات العمومية.
هذه الامتيازات التي غالباً ما تُمنح دون شفافية تُكرس الفجوة بين الفئات الاجتماعية وتُضعف منظومة العدالة الضريبية.
يتسبب اقتصاد الريع في تعزيز التهرب الضريبي، حيث يستفيد أصحاب النفوذ والامتيازات من إعفاءات ضريبية أو تسهيلات لا تتوفر للشرائح الأخرى، مما يؤدي إلى تحميل الطبقات المتوسطة والفقيرة العبء الضريبي الأكبر.
هذا الوضع يُفقد النظام الضريبي المغربي كفاءته ويُضعف الإيرادات العامة الموجهة لتمويل القطاعات الحيوية التي يحتاجها المواطنون بشدة، مثل التعليم الجيد، والرعاية الصحية، وتعزيز الأمن، وتطوير البنية التحتية.
يرتبط الريع بشكل وثيق بالفساد، حيث تُوزع الامتيازات بناءً على المحسوبية والولاءات بدلاً من معايير الكفاءة والاستحقاق. هذه الممارسات لا تُضعف الاقتصاد فقط، بل تعمق أيضاً شعور المواطنين بالظلم والإحباط، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات العامة.
إن مواجهة اقتصاد الريع تتطلب إصلاحات جذرية وشجاعة. إذ من الضروري تعزيز الشفافية في منح الامتيازات الاقتصادية والضريبية، إلى جانب مراجعة شاملة للنظام الضريبي تهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وإلغاء الامتيازات غير المبررة.
كما يجب استثمار المداخيل الضريبية بشكل عادل في تحسين الخدمات الأساسية التي تلامس حياة المواطنين اليومية، عبر توفير تعليم عالي الجودة، وتوسيع نطاق التغطية الصحية، وضمان الأمن للجميع، وتطوير البنية التحتية التي تساهم في تحسين جودة الحياة ودعم التنمية الاقتصادية.
تحقيق العدالة الضريبية يمر أيضاً عبر توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، بدلاً من التركيز على الامتيازات الريعية التي لا تساهم في التنمية الحقيقية، و يتطلب هذا توجهاً اقتصادياً جديداً يعطي الأولوية للإنتاج والاستحقاق على حساب المصالح الفردية الضيقة.
إن القضاء على اقتصاد الريع ليس مهمة سهلة، لكنه شرط أساسي لتحقيق التنمية الشاملة وضمان توزيع عادل للثروات، ومع توفر الإرادة السياسية وتضافر الجهود بين مختلف الفاعلين، يمكن للمغرب تجاوز هذه العقبة وبناء نموذج اقتصادي أكثر عدالة وشفافية، يُعزز ثقة المواطنين في مؤسساته ويُقلص من الفوارق الاجتماعية التي تهدد استقراره وتقدمه، ويضمن استثمار موارد الدولة في تحسين معيشة المواطنين بمختلف المجالات الأساسية.