بين التوهج الأدبي والانطفاء الشخصي… هل يصنع الفشل الحياة أُم الإبداع؟
تدعو السينما أحياناً إلى إلقاء نظرة عميقة على العلاقة المتوترة بين الإبداع والحياة الشخصية للكاتب، كما يفعل فيلم “Lonely Planet”، حيث يتخذ المخرج سوزانا جرانت المغرب كمنصة لتأمل عالمي الأدب والاستثمار من منظور غير مألوف.
يدور الفيلم حول تجمع أدبي في فندق مغربي بسيط بعيداً عن صخب التراث السياحي المعتاد، ما يثير تساؤلات حول التداخلات النفسية والاجتماعية التي يمر بها الكتاب وهم يسعون لتحقيق توازن بين حياتهم الشخصية وتطلعاتهم الإبداعية.
فعبر عدسة سينمائية بسيطة ومباشرة، يعرض الفيلم قصص شخصيات متباينة تتقاطع في هذا المكان المنزل،
حيث تؤدي لورا ديرن دور كاتبة ناضجة تجمع بين العمق والحكمة، تقابل المستثمر أوين بروفي، الذي يجسده ليام هيمسورث، في ثنائية تبدو للوهلة الأولى غريبة وغير منسجمة، أوين، القادم من عالم المال والاستثمار، لا يحمل أي اهتمام بالأدب، ولكنه يجد نفسه منجذباً إلى الكاتبة بطريقة تعكس احتياجه إلى ما يفتقر إليه في حياته: العمق والحنان . و بين هذه الثنائية، تظهر كاتبة شابة تبحث عن اهتمامه بكتاباتها، ما يخلق صراعات متعددة الطبقات تتعلق بالحب، الإبداع، واختلاف وجهات النظر بين الأجيال.
من جهة أخرى، يقدم الفيلم شخصية رافي، الكاتب الذي يعيش لحظات عبثية بعيداً عن التزامات الكتابة الجادة، ما يطرح تساؤلاً حول كيفية تأثير البيئات المختلفة على نفسية الكاتب وقدرته على الإبداع، هل السفر والانفصال عن العالم المعتاد يعيد تشكيل رؤيته الأدبية؟ أم أن هذه البيئة الجديدة مجرد هروب مؤقت من الفشل الذاتي؟
ورغم البساطة الظاهرة في التصوير والموسيقى، يختزن الفيلم مستويات أعمق من التحليل، فاختيار المغرب، ببيئته العفوية وبساطته الساحرة، يبدو محاولة لإضفاء بعد تأملي على الشخصيات، لكنه يثير أسئلة حول جدوى هذا القرار، فلماذا اختار المخرج أماكن معزولة وغير تقليدية لتصوير فيلم عن الأدباء؟ هل كان الهدف التركيز على عزلة الكاتب وابتعاده عن النمطية؟ أم أن القرار كان محاولة للتأكيد على أهمية المكان في تشكيل تجربة الكاتب وتجديد أفكاره؟
يعكس الفيلم الصراعات الداخلية للكاتب عبر لحظات دقيقة، مثل سرقة الكمبيوتر المحمول للكاتبة، الذي يحتوي على مسودتها الجديدة، هذا الحدث البسيط يمثل، في عالم الكاتب، فقداناً أكبر من مجرد أداة إلكترونية. إنه فقدان للذات وللأفكار التي تشكل جوهر حياته الإبداعية، هذه التفاصيل تبرز كيف تتحول اللحظات اليومية إلى نقطة انطلاق لأعمال أدبية تعكس تجربة الكاتب الداخلية.
من خلال العلاقة بين الكاتبة الناضجة والشاب المستثمر، يكشف الفيلم جانباً آخر من حياة الكاتب والتي تتمثل في الحاجة إلى تجديد مشاعره واختبار عوالم جديدة من أجل تغذية إبداعه، لكنها علاقة معقدة تحمل معاني مجازية أعمق من مجرد ارتباط عاطفي، يما يمثل الشاب الحيوية والطاقة التي تفتقدها الكاتبة، بينما هي تعكس الحكمة والعمق الذي يحتاجه ليجد توازنه.
هذا و يطرح الفيلم نقاشاً فلسفياً حول صورة الكاتب ككائن معزول، يعاني من تناقضات دائمة بين العالم الخارجي واحتياجاته الداخلية، الواقعية التي طغت على العمل تتناقض مع الرومانسية التقليدية المرتبطة بالكتابة، ما يجعل المشاهد يتساءل عما إذا كان الفيلم يسعى فعلاً لتصوير برودة حياة الكاتب أم أنه مجرد محاولة للاستفادة من قصص الكتّاب كموضوع تجاري.
في النهاية، يبقى التساؤل معلقاً: هل يمكن للكاتب أن ينجح في الإبداع دون حياة متوازنة؟ وهل يمثل الفشل الشخصي دافعاً للكتابة أم عائقاً أمامها؟ الفيلم لا يقدم إجابات قاطعة، لكنه يفتح الباب أمام تأملات عميقة حول طبيعة الكتابة ودورها كعملية ذاتية تتأرجح بين المعاناة والإلهام، وبين الواقعية الحياتية والخيال الأدبي.