الرئسيةسياسة

التسول المنظم في شوارع مدن المملكة، بين الاستغلال الاجتماعي والتقصير المؤسساتي

تحرير: جيهان مشكور

أثار مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً كبيراً بين المواطنين، حيث أظهر لحظة قيام سيارة خاصة بإنزال مجموعة من الأشخاص في أماكن متفرقة، يُشتبه في كونهم يمارسون التسول، وتُظهر لقطات الفيديو المركبة وهي تتوقف عند نقاط محددة، حيث ينزل كل شخص في موقعه المخصص قبل أن تتابع السيارة سيرها إلى وجهتها التالية.

هذا المشهد، الذي يكتنفه الغموض حول دوافعه، أثار تساؤلات عدة بشأن حقيقة ما يجري في بعض الأحياء والشوارع، خاصة مع الشكوك المتزايدة حول وجود شبكات منظمة تعمل خلف هذه الظاهرة.

لقد أسفر هذا الفيديو عن موجة استياء واسعة في صفوف المواطنين، الذين اعتبروا أن الظاهرة قد تجاوزت حدود العشوائية، وأن بعض ممارسات التسول قد أصبحت أشبه بنشاط منظم تديره شبكات تسعى لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة على حساب الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.

فالتسول، الذي كان في الماضي مجرد حالة فردية تعكس الفقر والحاجة، أصبح اليوم يشير إلى منظومة من الاستغلال الاجتماعي، حيث تُستخدم مشاعر التعاطف تجاه المتسولين كوسيلة لاستغلال المجتمع، سواء كان ذلك عبر استغلال الأطفال أو المسنين أو حتى الفئات التي تواجه ظروفاً معيشية صعبة.

وقد طالب العديد من النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بتحرك عاجل من قبل السلطات المعنية، لضبط هذه الظاهرة والتحقيق في الفيديو المنشور، ورأى البعض أن مثل هذه الحالات قد تكون جزءًا من شبكة منظمة تروج للتسول بشكل ممنهج، وهو ما يثير قلقاً كبيراً بشأن استغلال الفئات الضعيفة لتحقيق مصالح شخصية على حساب استغلال المجتمع، فقد تكررت في الآونة الأخيرة، في عدد من المدن المغربية، تقارير تفيد بوجود عمليات استغلال للأطفال والمسنين في ظاهرة التسول، مما يعزز من فرضية وجود شبكات منظمّة.

في هذا السياق، دعت الجمعيات المهتمة بالشأن الاجتماعي إلى ضرورة معالجة ظاهرة التسول بشكل شامل وجذري، وأكدت هذه الجمعيات على أهمية توفير بدائل اقتصادية للفئات الأكثر هشاشة من خلال برامج تهدف إلى تحسين ظروف حياتهم، مثل تعزيز الرعاية الاجتماعية وتقديم الدعم النفسي والاقتصادي، كما و أوضحت أنه لا يمكن الاكتفاء بالإجراءات الأمنية أو الملاحقات التي تقتصر على الجانب الظاهري للمشكلة، بل لابد من معالجة الأسباب العميقة التي تساهم في استفحال هذه الظاهرة، مثل الفقر المدقع، البطالة، والافتقار إلى فرص تعليمية أو صحية.

إن تساؤلات كثيرة تطرح نفسها حول مستقبل هذه الظاهرة في شوارع المدن المغربية، فهل ستظل التساؤلات حول التسول المنظم تتزايد دون تدخل فعلي من الجهات المسؤولة؟ وهل ستتحرك السلطات لمواجهة هذه الممارسات التي تلوث صورة المجال العام وتستغل تعاطف المواطنين بشكل غير أخلاقي؟ الوقت كفيل بالإجابة على هذه الأسئلة، لكن من المؤكد أن معالجة هذه المشكلة تتطلب التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف المعنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى