سياسة

20 سنة من حكم محمد6 بعيون دراسة أمريكية:صلاحيات الملك..الريف..تراجع الحريات ورغبة المغاربة في التغيير4/2

في تقرير مطول، أو مرصد سياسي في جزئيين، نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تقييما للتطورات الرئيسية في عهد الملك محمد السادس، الجزء الأول بحث في السياسة المحلية، فيما الجزء الثاني تعرض بالبحث في قضايا السياسة الخارجية.

بدأت الدراسة، المنجزة من طرف، سارة فوير  مساعدة في معهد واشنطن، و رضا عيادي، الذي عمل مساعداً باحثاً في الفترة 2018-2019، بتقديم جاء فيه أن الملك محمد السادس، الذي يحتفل بعيد ميلاده  خمسة وخمسين عاماً، و بمرور عشرين عاماً على توليه العرش، بأنه ورث في عام 1999 مملكة من ثمانية وعشرين مليون مواطن كانوا يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة.

تدرُّج أم جمود

في هذا المحور من الدراسة التقييم، انطلق الباحثان، من الهجوم الذي تعرضت إليه  مدينة الدار البيضاء، وقالت الدراسة، إنه أعطى دفعاً للتصدي للتطرف الديني، لكنه في نفس الوقت أدى أيضاً إلى تباطؤ الزخم نحو التحرر السياسي الوارد ضمناً في تعهد محمد السادس الذي التزم بأن يحكم بشكل مختلف عن والده.

وضحت الدراسة،  أن سلسلة من المبادرات المبكرة انتهت إلى توزيع ما يقرب من 185 مليون دولار على أكثر من 16 ألف ضحية لما يسمى بـ “سنوات الجمر والرصاص” التي عرفتها فترة حكم الملك الحسن الثاني، كانت تقول الدراسة  توقعات الكثيرين، تذهب إلى أنه سيجري توسيع الحريات المدنية تحت حكم محمد السادس. ولكن تفجيرات عام 2003، حثّت على سن قانون كاسح لمكافحة الإرهاب أدانته جماعات حقوق الإنسان بسبب تضمّنه تعريفاً واسعاً للغاية للإرهاب ولأنه يُمكّن الحكومة من عرقلة النشاط السياسي السلمي ظاهرياً.

 واليوم تؤكد الدراسة التقيمية، ما تزال حرية الصحافة وغيرها من الحريات المدنية مقيّدة كما أن ترتيب منظمة “فريدوم هاوس” (دار الحرية) للمغرب فيما يخص “الحرية الجزئية” لم يتزحزح منذ عشرين عاماً

في نفس السياق، يشير المصدر نفسه،إلى  تفاقم الإحباط من وتيرة الإصلاحات في عام 2011، على خلفية انتفاضات “الربيع العربي” ، التي نشبت في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي رد مباشر على الاحتجاجات التي عمّت جميع أنحاء البلاد وطالبت بمزيد من الحقوق السياسية ووضع حد للفساد والبطالة المرتفعة، نظّم محمد السادس استفتاءً دستورياً ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة. وتمثّلت النتائج الرئيسية لهذه المبادرات في التمكين الجزئي للسلطة التشريعية، والاعتراف الرسمي بهويات الأقليات العرقية، وإنشاء برلمان جديد يهيمن عليه «حزب العدالة والتنمية».

تقول الدراسة الأمريكية، إن هذا الحزب الإسلامي المعتدل، الذي يستمد جذوره من جماعة «الإخوان المسلمين»، كان نشطاً في المشهد السياسي المغربي منذ عقود، وقد تخلى منذ فترة طويلة عن معارضته الرسمية للنظام الملكي. (فيما تقول الدراسة: تدعو «جماعة العدل والإحسان» – المنظمة الإسلامية الرئيسية الأخرى في البلاد – إلى القضاء على الملكية، وبالتالي تم حظرها).

تتحدث الدراسة أنه في الوقت نفسه، خصص دستور عام 2011 صلاحيات واسعة للملك، ومنذ ذلك الحين أنشأ حلفاؤه أحزاباً جديدة لمواجهة «حزب العدالة والتنمية». أما الديناميكية الناتجة فقد كرّرت إلى حد كبير معالم نظام سياسي مألوف لدى المغاربة منذ زمن طويل، ومفاده: أنّ النظام الملكي الذي لا يرغب في التنازل عن قدر من سلطاته يحكم إلى جانب (أو بالأحرى فوق) الأحزاب السياسية غير القادرة على تنفيذ الأهداف التشريعية المشتركة.

في السياق نفسه، قالت الدراسة إنه إلى جانب كل ذلك جرى  “إطلاق برنامج اللامركزية لمنح المزيد من حرية التصرف والمسؤولية للحكومات الإقليمية، ولكن العملية تعطّلت إلى حد كبير

ومن ناحية أخرى، تبرز الدراسة، لا يزال الفساد متفشياً. وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب، التي كانت عامل رئيسي وراء احتجاجات عام 2011، 22٪ على الصعيد الوطني و43٪ في المناطق الحضرية، وهو رقم مثير للقلق بالنظر إلى أن ما يقرب من نصف المواطنين المغاربة البالغ عددهم 34 مليون نسمة هم دون سن الرابعة والعشرين. ولا يزال التفاوت الاقتصادي على المستوى الذي كان عليه قبل عام 1999 أو أسوأ، كما يتضح من القياسات السنوية لمعامل “جيني” في المغرب، كما أنّ [إمكانية] الوصول إلى الرعاية الصحية اللائقة والتعليم تُعد أمراً محدوداً.

تنامي الاحتجاجات

تفيد الدراسة، أن العوامل والظروف أعلاه، “أزكت نيران سلسلة من الحركات الاحتجاجية في السنوات التي أعقبت “ربيع” المغرب. ففي الفترة 2016-2017، اندلعت مظاهرات حاشدة في منطقة “الريف” التي عادة ما تكون مضطربة بعد مقتل بائع سمك سحقاً بواسطة شاحنة نفايات، بينما كان يسعى لاستعادة صيده المُصادر، وأُلقي القبض على أكثر من 150 متظاهراً أثناء حملة القمع التي تلت ذلك، وطالت حركة “الحراك الشعبي” التي يقضي قادتها حالياً أحكاماً بالسجن لمدة عشرين عاماً.

تتحدث الدراسة أنه وفي عام 2018، استَهدَفت مقاطعة غير مسبوقة ثلاث شركات رائدة في المملكة احتجاجاً على الروابط الطويلة الأمد بين رجال الأعمال والنخب السياسية والجدير بالذكر أنّ اثنين من الشركات يديرهما أفراد لهم صلات معروفة بالقصر

تورد الدراسة، استطلاع رأي أجراه “البارومتر العربي”، يريد 49٪ من المغاربة حدوث تغييرات داخلية سريعة (وهي أعلى نسبة من أي دولة عربية أُجرى فيها استطلاع للرأي)، ويرغب 70٪ من البالغين تحت سن الثلاثين في الهجرة من البلاد. إن المعالجة بشكل ملائم لمشاعر الإحباط الكامنة وراء مثل هذه الأرقام ستشكل تحدياً رئيسياً لمحمد السادس مع بداية العقد الثالث لولايته.

اعتبارات لواشنطن

نؤكد الدراسة الأمريكية، أن “للولايات المتحدة مصلحة واضحة في مساعدة المغرب على الحفاظ على استقراره النسبي، لا سيّما بالنظر إلى الغموض الذي يجتاح الجزائر المجاورة. ويعتمد هذا الاستقرار إلى حد كبير على قدرة الرباط على مواصلة تنفيذ الإصلاحات بطريقة تقلل من دوافع الاضطراب الاجتماعي مع تجنب الفوضى والانحدار السلطوي الذي شوهد في أجزاء أخرى من المنطقة. كما يمكن لواشنطن تعزيز فرص نجاح المملكة من خلال إشراكها بفعالية أكبر في مجال التنمية”.

تنتهي هذه الملاحظة للدراسة الأمريكية، للتأكيد أن المساعدات الأمريكية المستهدفة من وجهة نظرها، حققت نتائج باهرة في عهد محمد السادس. على سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن منحة من “مؤسسة التصدي لتحديات الألفية” أمدها خمس سنوات بقيمة 697 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 2008 و2013 قد سهّلت جهود المغرب للحد من الفقر. كما أن اتفاقية أخرى أبرمتها “مؤسسة التصدي لتحديات الألفية”، بلغت قيمتها 450 مليون دولار، قد دخلت حيّز التنفيذ في عام 2017، بهدف توفير فرص العمل ودعم إنتاجية الأراضي. بيد، سعت إدارة ترامب مراراً وتكراراً إلى تقليص حزمة المساعدات السنوية، وربما يعود ذلك إلى أن الهدوء النسبي الذي يسود المغرب يغني عن الحاجة إلى المساعدة. غير أنه نظراً للمشاكل الاقتصادية المستمرة التي تعاني منها المملكة والمؤشرات المتزايدة للإحباط الاجتماعي، تنبه الدراسة، أنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في هذا الموقف.

تنبه الدراسة أيضا الإدارة الأمريكية، أنه ومن المجالات التي تستدعي مزيداً من الاهتمام – والتي قد تلقى تجاوباً كبيراً من الرباط بشكل خاص، تذكر  –  الاستثمار في القطاع الخاص في المغرب. وعلى وجه التحديد، ينبغي أن تنظر إدارة ترامب في إنشاء صندوق للمشاريع المغربية-الأمريكية، بناءً على النموذج الناجح للغاية الذي وضعته الإدارات الأمريكية السابقة مع مختلف الحلفاء  في أوروبا الشرقية. ومن شأن هذا الصندوق أن يحفز نمو القطاع الخاص الذي تَمُسّ الحاجة إليه في المملكة، ويمكن أن يوفّر فرصاً لإقامة مشاريع تجارية مشتركة مع شركات أمريكية.

وبالطبع، سيتعثّر أي تعاطي مع المغرب طالما يكون وجود واشنطن الدبلوماسي محدوداً. لذلك، فإن إرسال سفير إلى الرباط لا يزال يشكل أولوية عاجلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى