العوفي يكتب: نوازل الشيطان في التفاصيل.. ما وقع لهاجر لايستسيغه القانون..بل الأخلاق!!
نازلة أخرى كان ينبغي ألا تحدث في بلادنا، تحولت بسرعة البرق إلى قضية مجتمعية اهتزت، لها القوى الحية، الحقوقية، والمدنية، والثقافية. ما وقع للصحفية هاجر الريسونى شيئ لا يستسيغه القانون، بلْهَ الأخلاق. القانون في كُنْهِه، في مقاصده، في تنزيله، يقول إميل دوركايم، لا يُقيِّدُ حرية الأفراد بقدر ما يحميها ويزكيها، يرقى بها ويُجَوِّدُها، في علاقة تفاعلية، وتصاعدية مع تحولات المجتمع. يأتي القانون، أولاً، لضبط الحدود، ولترسيم الفواصل بين الخاص والخاص من جهة، وبين الخاص والعام من جهة أخرى.
كي لا يستقوي الفرد، بالحرية، على المجتمع؛ وكي لا يُطْبِق المجتمع على الأفراد، ويكتم في الناس الأنفاس. مواضعة، وموازنة بين الإثنين، لا ضرر ولا ضرار. يأتي القانون، ثانياً، لتكريس الوضع السائد، لتقنين الأمر الواقع، لمطابقة الحال، ولمواكبة التطور.
كي لا يكون المجتمع في واد، والقانون صيحة في واد. يأتي القانون، ثالثاً، بغاية الاستباق، والنشوء، والارتقاء بالمجتمع إلى الأفضل، كي لا يَنْقَعَ المجتمع كما ينقع الماء في المستنقع. في كل الحالات، القانون هو الخاضع للمجتمع، لديناميته المضطردة، وليس العكس. قضية هاجر تجتمع فيها التناقضات الصارخة، الكابحة، المُخِلَّة بصدقية المدونة التشريعية، في تفاصيلها يربض الشيطان المتربص. محنة هاجر ناجمة من جراء البون الشاسع بين حركية المجتمع، وحيويته من جانب، وبين سكون القانون، وجموده من جانب آخر، بين المنطوق والمفهوم، بين القصد والإجراء، بين التقدير وسوء التقدير.
بين سوء التقدير وسوء سلطة التقدير. في رواية “الزيني بركات” لجمال الغيطاني تتورَّم سلطة التقدير، وتجنح إلى لعبة جنونية، مُدمِّرة، تُمْسي فيها مهنة “البصاصة” وسيلة لإحقاق العدل بين الناس.