ميديا و أونلاينميديا وإعلام

مسيرة شموع نساء لبنان..نحن نساء هذا البلد لم تعنِنا يوماً الصورة النمطية التي تروّج عنّا في الخارج

تحصل اليوم لحظات تغيير في السّاحة، لن يفهمها أحد سوى النساء. لحظات اختراق، تفتّت لمفاهيم فُرضت علينا. ندرك اليوم في وسط تلك الساحات، أنها ليست من قوانين الطبيعة، وأنها يمكن أن تتلاشى.

“مسيرة شموع نساء لبنان” وسط بيروت

نحن، نساء هذا البلد لم تعنِنا يوماً الصورة النمطية التي تروّج عنّا في الخارج، والمرتبطة بـ”أسلوب حياتنا”، المصنف “متحرّراَ” مقارنة بمحيطه. فطريقة لباسنا، وحديثنا، وأننا نسهر، لا تلغي المعاناة المستندة الى “الشرع”، وتلك الإجتماعية والعائلية القابعة فوق رؤوسنا. ولكنها وعلى الرغم من ذلك لا تكبلنا: يمكن أن نرتدي ما يحلو لنا وأن نسهر…

 

قبل عامين، بكيتُ أثناء وقوفي على زاوية الطريق في “شارع الحمراء” بسبب كثافة “التلطيش” والدعوات الفجة الى “المشوار”.. أدركتُ كم تقبض المنظومة التي أعيش فيها على جسدي وخياراتي، أدركت سلطتها، وأن ما تقوم به الجمعيات والمجموعات النسويّة على الأرض يخفف من وطأتها وقد ينقذنا أحياناً. بكيتُ مرّة أخرى العام الماضي خلال دوام العمل حين إكتشفتُ كيف يتم إبتزاز فتاة ب”إبلاغ” عائلتها، بعد تعرضها للضرب. أن تكوني إمرأة في هذا البلد يعني أن تتحمّلي قوانين متحكّمة بك من زاوية تصنيفك البيولوجي، ومتحكمة بكل ما تنتجينه من آراء، وخيارات، وأطفال.. في مجتمع لا يرحم، بقوانينه وأعرافه.

لكن لحظات تغيير تحصل في السّاحة لن يفهمها أحد سوى النساء. لحظات اختراق، تفتّت لمفاهيم فُرضت علينا. وندرك اليوم في وسط تلك الساحات أنها ليست من قوانين الطبيعة، وأنها يمكن أن تتلاشى… ويُتداول أنه لم تسجل أي حالة تحرش في ساحات الانتفاضات في العراق أو في لبنان، على الرغم من مشاركة آلاف النساء في المظاهرات وذلك منذ بدايتها.

في الساحات، تطلب النساء من الرجال التراجع ليقفن هنّ في الصفوف الأمامية، كحاجز بشري بينهم وبين الشرطة. وينفّذ الرجال الطلب دون أية معارضة. هذا ليس عادياً، فهو يحوّل ضعفنا الجسدي مقارنة بأجسادهم – والذي بسببه خسرت نساء حياتهن، وأخريات إغتصبن وضربن – إلى فعل مواجهة مع سلطة أعلى. يتحّول “ضعفنا” الذي ربّونا عليه منذ صغرنا الى مصدر قوّة كاسحة.

في مثل هذه اللّحظة يتساوى الرجل مع المرأة ضمن فعل إجتماعي مشترك، عبر تقديم كلّ منهما قدراته الخاصة التي يملكها، فينسف الرجال مفهوم “الرّجولة” الذي تشربوه منذ الصغر، ويعترفون أنّ المرأة الآن هي التي تؤمِّن الحماية وليس العكس. المرأة تقف في الأمام، ووجودها ضروري وأساسي.

النساء وضمن حروبهن الخاصة التي يخضنها يعرفن كل هذه التفاصيل ويصرخن منذ سنوات بحقوقهن لكن منذ الشهر الماضي بدأن بإنجازها على الأرض لأن الذكورية لم تعد مسيطرة في الساحات لم يعد أغلب الشبان يقفون كحاجز جسدي أمامهن “حمائي” و/ أو ساخر أدركوا وتقبّلوا أن للمراة دورٌ تتميز بهوهذا بعيداًعن رواسبهم الإجتماعية الخاصة صار جزء كبير منهم ينتبه اليها ويحاول تخطيها

نحن نزلنا إلى الشارع وأرينا العالم كيف تحمي فتيات البلد رجالها، كيف يردّد المتظاهرون شعارات تصرخها فتاة بأعلى حنجرتها، يرددونها أثناء سيرهم خلفها. تختفي الجندرية الإجتماعية في وسط الأحداث. ولا ينعكس ذلك فقط في ساحات لبنان الثائرة فحسب، بل في البلدان العربية أيضاً. هذا الذي يتجسد الآن ويحصل هو نتيجة نضال سنوات، ونتيجة تطور حدث لدى الرجال أيضاً، من فوق المنظومة الأبوية.

ليلة أمس أضيئت كل آمالنا ضمن “مسيرة شموع نساء لبنان” وسط بيروت. وقفتُ ضمن الحشود وشعرت أنني اختبر واحدة من أجمل لحظات حياتي. رأيت الأيادي التي تطبخ وتربّينا تقرع على الطناجر، كن أمهات الطلبة الذين انقذوا الاحتجاجات من التبعثر ومن التردد، وشقوّا بثورتهم طريقاً جديدة في النهار. أصبحنّ أمّهاتنا جميعاً في المساء. نساء لبنان يرقصن، يسهرن، يطبخّن، يحاورن ويصنعن ثورة تشبههن وتفرض إحترامها.

المصدر: السفير العربي الإلكتزوني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى