ذاكرة

محمد فكري يروي يوميات معتقل سياسي بمعتقل التعذيب درب مولاي الشريف (الحلقة7)

سئل أصحاب الكهف كم لبثتم، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم.. وإذا سئلنا نحن كم لبثنا في جهنم درب مولاي الشريف، منقطعين عن العالم والحياة العادية، سنجيب، لقد لبثنا سنة أو بعض أشهر. وإن كان الزمن قد توقف منذ الساعات الأولى التي دخلنا فيها دهاليز هذا الجحيم.

صورة جماعية للمعتقليين السياسيين بالسجن المركزي بالقنيطرة

بعض طاقم حراسة هذا الدهليز، يتكون من أشخاص ينحدرون من قبيلة الجنرال سيء الصيت، محمد أفقير، البعض منهم لا يزال على الفطرة لا يعرف من المغرب أو العالم كله سوى قريته (عين الشعير) ولا من الشخصيات المسؤولة سوى الجنرال أفقير، ولاءهم الكامل له به يسبحون ويهللون، وقد كانوا هم أيضا في وضعية احتجاز بطريقة ما.

من الطرائف التي كانت تقع مع أحد هؤلاء، في أحد المرات إشتكى أحد الرفاق المحتجزين من إصابته بمرض البواسير لأحد هؤلاء عله ينادي كبيرهم ـ الشاف ـ ليحضر له ما يسكن ألمه، وحين سمع هذا الحارس، كلمة البواسر بدأ يصيح بأعلى صوته وينادي أصحابه، “أجيوْ تسمعو ولد الحرام تيكول البواسير”، استغرب من كلمة بواسير واعتبرها ربما شتيمة، ورغم أن أصحابه حاولوا تهدئته وشرحوا له ما معنى كلمة بواسير، لم يقتنع وبقي يردد هذه الكلمة لأيام.

وفي إحدى المرات أيضا، طلب من رفيق أن يقوم لحلاقة شعررأسه، فقال له الرفيق، “واش ضروري”، فبدأ بالصياح، “واسمعوا ولد الحرام كال ليا واش ضروري”، كلمات يسمعها لأول مرة ويجهل معناها. كثيرة هي الطرائف المسلية التي كانت تحدث في هذا الجحيم نتسلى بها ونضحك، رغم كل ما نحن فيه وما نعانيه من عذاب أليم. إنها إرادة الحياة التي لم يستطيعوا قتلها فينا.
بعد أن مكثنا ما يقرب من السنة، بدأوا في فبركة المحاضر وصكوك الاتهام، فأخذوا كل واحد منا إلى مكان ما في هذا الدهليز، وسلموه ورقة وقلما وقالوا له أكتب عن شخصك منذ ولدت إلى اليوم واذكر الأعمال التي قمت بها، يتركونك وحدك لبعض الوقت. طبعا ما ستكتبه أنت لن يعتدوا به أو يأخذوه بالاعتبار.

بالسجن المركزي بالقنيطرة

مع بدء كتابة المحاضر بدأ بصيص من الأمل يتسرب لنفوسنا، معتقدين أو متوهمين، أن وقت خروجنا من هذا الجحيم وذهابنا للسجن، بات يقترب.

ولكننا كنا واهمين، فمسألة بقائنا أو خروجنا، مرتبط بتطور الأوضاع السياسية في البلاد وبضغط المنظمات والجمعيات الحقوقية والشخصيات العالمية في الخارج وخاصة فرنسا وببعض الدول الأوربية، وكذلك نضال عائلات المختطتفين، التي لم تترك بابا إلا طرقته.

في إحدى الصباحات، تفاجأنا بسماع أصوات تختلف عن الأصوات التي ألفنا سماعها، وتفاجأنا أيضا باختلاف في المعاملة، كنا حين نطلب من الحارس الذهاب للمرحاض، وننادي “الحاج نوض نبول” يجيب بكلمة “نوض” وهو جالس على مقعده، في ذلك الصباح، لم نكن نسمع كلمة نوض بل نحس بشخص يأخذنا ويذهب بنا للمراحض دون أن ينبس ببنة شفة. استغربنا من هذا التبدل المفاجئ، ومن غياب صوت “القوادة” و”القرد” و”نوض تبول” وغيرهم، كأن الأرض انشقت وبلعتهم وغابوا عن الوجود، إلى أن تقدم النهار وعلمنا بطرقنا الخاصة، أن طاقم الحراسة قد تم تغييره على إثر هروب بعض الضباط الذين شاركوا في محاولة انقلاب الصخيرات ومعهم المناضل المختطف، الحسين المانوزي، من معتقل بضواحي مدينة عين عاودة.

//*//
مرة أخرى، تحية للعزيزات والأعزاء، صديقات وأصدقاء، رفيقات ورفاق، ممن تفاعلوا مع هذه الخربشات وأغنوها بملاحظاتهم وتقيمهم الإيجابي أو تصحيح بعض التواريخ أو الوقائع، أو التعبير عن رأي مخالف.

تحية محبة لكل من مروا من دهاليز درب مولاي الشريف.. وسلاما لأرواح من غادرونا للعالم الآخر وما أكثرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى