رأي/ كرونيك

في تفاعلات مع قضية أستاذ تارودانت… بونيت يكتب: حضرة الأستاذ المحترم…

عزالدين بونيت

من خلال بعض الردود التي اعقبت منشوري بعنوان: العنف المبجل (والذي نشرته “دابا بريس”) ظهر لي أن ادلي ببعض التوضيحات الإضافية؛ علها تساعد على فهم مدار النقاش. وقبل ذلك، لا بد من إبداء هذه الملاحظة:

وجدت أن بعض التعقيبات على منشور العنف المبجل، بلغت حدا من التشنج لا يليق بمن ينتسبون إلى مهنة التعليم، ولا سيما إذا كانوا يزعمون أنهم يدافعون عن صورة إيجابية للأستاذ المربي. والحال ان تلك التعقيبات، تنطوي بذاتها على عنف لفظي لا مبرر له، سوى الانفعال غير المتحكم فيه. وهذا يعطينا صورة دالة عن حالة التشنج التي تطبع علاقة بعض المنتسبين لمهنتي التي أعتز بها، بالنقاش والتفكير المشترك.. لا أستطيع أن أصدق أن من يكون على تلك الدرجة من التشنج، تكون علاقته بتلاميذه سوية سلسة. وأتمنى أن أكون مخطئا في انطباعي هذا.

أما التوضيحات التي أردت توسيع النقاش من خلالها فهي كما يلي:

حين يقول أستاذ، وخاصة إذا كان في بداية حياته المهنية، إنه منذ اليوم، لن يقوم بواجبه الا في حدوده الدنيا المطلوبة، بلا زيادة ولا نقصان، ويتصور ان واجبه المهني يبدأ بدخوله الى القسم وينتهي بمجرد مغادرته باب القسم او المدرسة، فمن واجبي ان أسهم معه في توضيح معنى الأستاذية التي من شأنها أن تهيل عليه أردية الاحترام و التقدير اللذين يهفو إليهما قلبه. احترام مهنة الأستاذ وصفة الأستاذية، لا ينشأ بقرار من الدولة أو المسؤولين، كما يطالب بذلك كثيرون، هنا وهناك؛ ولا ينشأ من حجم السلطة التي نتصور اننا بحاجة إليها بين أيدينا.

كما أنه لن يأتينا بمجرد رفع أجورنا ولو بمضاعفتها أضعافا كثيرة. هذه أوهام كبيرة. فها نحن كل يوم معرضون لأن يستوقفنا شرطي المرور أو الدركي على قارعة الطريق، بما أوتيا من سلطة وضعها القانون بين أيديهما. فهل لهذا السبب نحترم الدرك والشرطة؟ ألا نعبر باستمرار عن استهجاننا لتصرفات البعض منهم، مما يقلل من احترامهم في أعيننا؟

لنأخذ مثالا آخر بارزا على ما نقول: أمامنا الوزراء والبرلمانيون، يتقاضون ضعف بل أضعاف ما نتقاضى، فهل كان هذا كافيا كي ننحني احتراما لهم؟ بالعكس، اكثرنا يعتبر أنهم غير جديرين بأدنى احترام، بالرغم من انهم ينادون بعضهم بعضا بعبارات: معالي الوزير المحترم؛ حضرة النائب المحترم؛ حضرات المستشارين المحترمين….؛ وبالرغم من أن القانون يوفر لهم مساحات كبرى من الاحترام الواجب.

الاحترام الذي ننشده في مهنة التعليم تقع مسؤولية بنائه علينا نحن اولا بسلوكنا النموذجي ونزاهتنا الأخلاقية والفكرية وتفانينا في أداء واجبنا المهني ولن تكتمل شروط هذا الاحترام الا وقد ادركنا أن نميز بين الأستاذ والموظف فينا

شخصيا أعتبر ان الأستاذ هو أستاذ اولا، ثم موظف بعد ذلك. الوظيفة ليست إلا الإطار الذي تنتظم فيه علاقة الأستاذ المهنية مع مشغله (وهو هنا الدولة، أي الشعب في نهاية المطاف)، اما الأستاذية فهي صفة لصيقة به لا تنتهي بعطلة ولا تتوقف على وقت محدد، وتلازمه دائما حتى بعد تقاعده وانتهاء علاقته التربوية مع تلاميذه؛ بل حتى بعد مماته بقرون. فها نحن ما زلنا ننادي ارسطو بالمعلم الأول، ونطلق على ابن سينا لقب الأستاذ. الاستاذ الفاضل يظل أستاذا في نظر من علمهم، حتى حين يصيرون شيوخا، يحيونه باحترام، وقد يقبلون رأسه أو يديه. هذه الصفة لا حدود لها في الزمان والمكان، يلبسها الشخص مثل جلده. ومن متطلباتها ان يكون كريما في عطائه التربوي بلا حدود.

هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، وحتى بالنسبة للأستاذ الذي لا يرى ولا يعبأ سوى بجانبه الوظيفي وليس بصفة الاستاذ فيه، فقد وجب تذكيره بأن النظام الأساسي للمهنة قد أخذ بالاعتبار، خصوصية المهنة، فقلص ساعات العمل المباشر في القسم، مقارنة بعدد ساعات العمل الرسمية في باقي قطاعات الوظيفة العمومية (37 ساعة ونصف،. أسبوعيا) وعدد ايام العمل في السنة ، مقارنة بعددها في الوظيفة العمومية(العطل المدرسية)، أخذا بعين الاعتبار كون مهمة الاستاذ تمتد بالضرورة خارج القسم.

فإن نحن قلنا، لن نشتغل سوى في القسم فنحن إذاك نكون قد اعطينا للمجتمع وبقية الموظفين الحق في الاعتقاد اننا لا نعمل واننا نقضي اوقاتنا في التسكع والعطالة التقنية، واننا لا يهمنا سوى استنزاف الأسر الفقيرة بالساعات الإضافية

وأننا في النهاية غير جديرين بالاحترام. هذا ما أعترض عليه، وادعو الأساتذة الصادقين الحقيقيين الى مراجعته، وتوجيه النقاش وجهة إيجابية والتعامل مع حالة أستاذ تارودانت باعتبارها مناسبة لمناقشة قضايا كثيرا ما نخبئها تحت البساط ونتحاشى مناقشتها بصراحة بيننا، بدافع الزمالة الجوفاء. وهذا ضار بالمهنة وبالتعليم وبسمعتنا، وخصوصا بجدية المجدين من بيننا.

أما أستاذ تارودانت الذي قد يكون مظلوما بالفعل، فسنتضامن معه بمزيد من العمل الجاد، ولا نقايض بذلك شيئا آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى