رأي/ كرونيك

في 8 مارس الإعلامي عبدالرحيم تفنوت يكتب عن أخته.. ولها الكلام والسلام كله…

عبدالرحيم تفنوت
هذه المرة سأتحدث عنها وحدها و بالتخصيص الدقيق…عن أختي التي ” كتبت” عليها الأقدار، بعد رحيل أمي التراجيدي،أن تتربع على عرشها العاطفي هكذا ودون مقدمات…كنا لانزال صغارا …ولانعرف معنى الموت في أبعاده الكبرى… كل ماعرفناه وقتها هو أن ” فاطنة ” ابنة اليزيد، أمي، لن تعود إلى الوجود كي تقرأ علينا تراثيل الأخوة والعفة صباحا ، وهي تعد أشياء الفطور الخفيف… وان لا أحد سيملأ غيابها الذي سيطول…
في هذا المفترق من الطرق الوعر، تسللت سعديتنا بذكاء الحب إلى مواقع العشق المكبوح بهلع موت الأم، لتحول وجودنا الجماعي(نحن اخوتها والأب المكلوم) وتعيد صياغته على قاعدة المسؤولية والعض بالنواجد كي لاينفرط عقد “العائلة المقدسة” التي هندست بنيته السفلى الراحلة ابنة اليزيد…
لقدكانت تدرك بحسها البعيد أن أباها لن يستطيع حمل العبئ وحده، فقررت وحتى قبل وفاة الأم أن تخرج إلى سلك العمل وهي لم تتجاوز سن السابع عشر من العمر…كانت تعمل بلاملل ودون إحساس بالغبن، وكأنها تطبق الحكمة الماثورة للفيلسوف الألماني “كانط” ، العمل عقيدة الإنسان الحديث..فالواجب لا يحب الإنتظار …وفي قرارة نفسها سارت تعتبرنا نحن إخوتها “أبناءها الروحيين” …تسهر على كل شئ في حياتنا وكأنها تقود ” دولة للعشاق” ..يقراون وياكلون، وينامون ويلبسون، ويلعبون ويذهبون إلى السينما والمسرح ويتابعون مقابلات الكرة كما جميع الأقران….وهي لاتشتكي ولاتحزن، ولا تفكر في كينونتها الخاصة كامرأة، لا عياء يشدها ولا رياح تعصف بها…كانت تعشق أن تقول لجميع صديقاتها واصدقائها البعيدين والقريبين أن السماء قد وهبتها أبناء جميلين يحبونها ويملأون عليها الدنيا…
في كل امتحانات الحياة التي ستأتي وقفت ” سعديتنا” كالهرم الشامخ…وحين تربصت بنا سنوات رصاص الاستبداد..كان منزلنا(منزلها) يستقبل المناضلين من كل مدن البلاد..الهاربين من متابعات البوليس السري، أو الملتئمين لتهييئ المظاهرات العلنية والسرية…بل وكان من الرفاق من كان يقيم في بيتها شهورا وشهور،ولم تكن لتتعب أو تبدي ضجرا…منزلها أصبح منزلا للقادمين والراحلين…
في حينا القديم كان إسم السعدية مرادفا للأخوة…أخت الجميع…والمساندة للجميع…وكنا نحن في نظر الجيران ” خوت السعدية” أولا، وبعدها ابناء ” با لحسن” …..وحين كان زوار الليل يهاجمون “منزلها ” بحثا عني أو عن آمنة أختي، او حتى عن رفيق من الرفاق يعتقدون أنه موجود عندها، كان الحي كله يهب لزيارتها والتضامن معها وعرض الدعم لها بكل العواطف الصادقة…

في السجن رافقتني طيلة مدة الإقامة الأولى والثانية في ضيافة القمع،،ودون تحفظ…ولم يحصل يوما لعاطفة الأمومة والأخوة وبدافع الخوف علي ،أن استولت عليها وجعلتها تؤاخذني أو تعلن عدم اتفاق مع ماافعله، ،كانت ماكينة للتضامن والمؤازرة، وكانت تدرك أن ” وقت ” الإعتقال والاختطاف ليس وقت إلا للتوحد والصبر والمواجهة….

اليوم..هل أستطيع أن أرد لك ولو بصيصا من جميلك وحبك يا”امي” التي ولدتها أمي؟؟؟؟ أعرف معرفة المتاكد من عرفانه إنني لا أستطيع…أيتها السعدية الأم، والأخت، والصديقة، والرفيقة والصاحبة…فما عساني أقول واليوم يوم نسوي بامتياز؟؟
إني أحس وعن بعد أنك ستصابين بكثير من حياء وحشمة وأنت تقرئين هذه النتف الجزيئات من اعترافي لك بما فعلت في حقي…أنا الإبن الضال أحيانا..الأناني كثيرا كرجل قادم من أصقاع عصرنا الوسيطي…لكن مع ذلك سأصر على أن أقول لك أيتها الحب والعشق الجامح : إنه لولاك لما كنا ماكناه وما صرنا إليه…بامرأة اعطتني العفة وعزة القلب…فشكرا لك وعلى رؤوس الأشهاد العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى