اقتصادسياسة

حلقات أكورا.. بنعبدلاوي وعالم ما بعد كورونا وآية انعكاسات على المغرب 3/2

المختار بنعبدلاوي

لابد من إعادة النظر في السياسات الاجتماعية بمنطق يقوم على مركزية الإنسان في العملية التنموية، وتكافؤ الفرص والاستثمار على المديين المتوسط والبعيد…

تغطية: علي بنساعود

توقع الأستاذ بنعبدلاوي أن تكون السنتان أو الثلاث سنوات المقبلة صعبة على الاقتصاد الوطني،بسبب النقص الحاد جدا الذي قد تعرفه تحويلات المغاربة بالخارج، وهي تحويلات تعتبر من أهم مصادر العملة الصعبة بالنسبة إلى المغرب إلى جانب السياحة… وهو ما سيؤدي إلى أن تكون هناك نسبة غير عادية من التضخم، لأن الحاجة إلى النقد ستكون كبيرة جدا…
كما توقع المتدخل أن تعرف السنتان المقبلتان مشاكل في التشغيل والقطاعات الخدمية الأساسية، وعلى مستوى استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بدأت تتراجع قبل الجائحة…
بعدها تساءل الأستاذ بنعبدلاوي:

كيف يجب أن نتعامل مع هذه الحالة؟
وما الدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة؟

ليجيب أننا في حاجة إلى رد مؤسساتي مدروس على المستوى المتوسط والبعيد، ينطلق من السياسات العمومية، ومن صياغة السياسات العمومية، وبالتالي فالمطلوب مراجعة السياسات العمومية، وإخراجها من الدائرة التي سارت عليها منذ الاستقلال، والتي كانت تعتمد مبدأ (أن المزيد من إغناء الأغنياء يمكن أن يخلق فرصا للفقراء ليحسنوا وضعيتهم)، وهو ما لم يحدث إلا بنسب ضئيلة لم تكن كافية لتقليص الفوارق الاجتماعية أو الفوارق بين الحواضر والأرياف؛ ولعل الدليل هو المستوى المتدني للتنمية البشرية بالمغرب راهنا، وكنموذج على ذلك، أنه كان بالإمكان خلق طبقة وسطى ريفية لو أنه اعتمدت سياسات عادلة وبعيدة المدى في ما يخص الأراضي المسترجعة من المعمرين، عقب الاستقلال؛ غير أن ما حصل هو أن هذه الأراضي، بدل أن توزع بشكل علمي مدروس وعادل وبمنطق تنموي، وزعت بمنطق الريع… لكي تتفاقم الفوارق الاجتماعية، والهجرة والنزوح، لا سيما في سنوات الجفاف.

منطق الريع والمحسوبية نفسه اعتمد في القوانين التي سُنَّتْ، مطلع سبعينات القرن الماضي، والمتعلقة بمغربة الشركات، وهو ما أدى إلى توسيع الفوارق الاجتماعية داخل المدن نفسها ثم بين المدن والعالم القروي… ولربما أنها كانت فرصة ضائعة مرة أخرى، حالت دون توزيع عادل للثروة، وخلق طبقة وسطى نشيطة في المدن.

بالموازاة مع ذلك، ورغم الميزانيات الضخمة التي كان ضُخَّت في قطاع التعليم، فقد اعتمد فيه منطق سياسي سياسوي، لا علاقة له بالمنطق العلمي التربوي أو البيداغوجي، حيث تم مثلا الإجهاز على شعبتي علم الاجتماع والفلسفة (في وقت كنا أحوج فيه إلى الدراسات الميدانية من أجل التخطيط الاجتماعي والاقتصادي) وخلق شعبة جديدة هي شعبة الدراسات الإسلامية، وهي شعبة لا علاقة لها مطلقا بكلية الآداب، بل ينبغي أن تبقى في كليات الشريعة وأصول الدين…

كما اعتبر أستاذ الفلسفة أن السجال حول المسألة اللغوية بالمغرب مسألة لا منطق لها، لأن الدول التي تحترم نفسها، تدرس أبناءها بلغتهم/لغاتهم الوطنية، وأن الدول التي تريد انفتاحا حقيقيا على المجتمع تتيح للتلاميذ وآبائهم في المرحلة الابتدائية أن يختاروا اللغة الأجنبية الأولى، بحيث يكون هناك تعدد على مستوى اختيار اللغة، لذلك، فإن الطريقة التي تمت بها تصفية اللغة الإسبانية شمال المغرب جريمة لأنها خسارة للمغاربة جميعا، حيث كانت نافذة مفتوحة على عوالم أخرى، وكان ممكنا أن تشكل نقطة غنى وتواصل حي عبر العالم… لذلك، فإن إقصاء بعض اللغات الأجنبية التي نحن أحوج إليها، وفرض لغة أو لغات أخرى، هو إخضاع للتعليم لاعتبارات إيديولوجية وسياسوية لا علاقة لها بالتنمية عموما والتنمية البشرية على الخصوص.

ولم تفت الأستاذ بنعبدلاوي الإشارة إلى الفوارق بين العالم القروي والعالم الحضري، وإلى بناء سياسة محلية أو سياسات جهوية على أسس سياسوية، وليست تنموية، وهذا ما أدى إلى فوارق بين الجهات، وإلى إضعاف اللامركزية، وتأخير ظهور نخب محلية قادرة على المبادرة الاقتصادية والاجتماعية، وعلى التنافس، وبالتالي خسرنا كثيرا ماليا، يقول المتدخل، لأن التجارب الخاسرة تجارب يخسر فيها الإنسان، وتخسر فيها المالية العمومية…

وأضاف أستاذ الفلسفة أن السياسة الرسمية، في السنوات الأخيرة، جعلت الطفل المغربي أمام مدرستين: واحدة موجهة للفقراء، وهي بمثابة روض لإلهائهم ولتدبير الزمن تدبيرا مؤقتا، ريثما يصبحون قادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم، والمدرسة ذات المنهجية النقدية التي تشتغل على بناء الكفاءات والقدرات، والتي تهيئ الطفل لينفتح ويندمج وينجح اجتماعيا، ولذلك، فقد خسرنا معركة التنمية البشرية، وهي معركة أساسية…

وهنا أثار المتدخل الانتباه إلى ملاحظة مهمة وهي أن المغرب وتونس والأردن ومصر والجزائر طبقوا الحجر الصحي في نفس الفترة، غير أن الوباء تراجع بصورة أسرع في تونس والأردن منها في مصر والجزائر والمغرب، والسبب، حسبه، هو مستوى التنمية البشرية في الدولتين أحسن مقارنة بالسياسات العمومية لهذه الدول، معتبرا أن السياسة التي اتبعها بورقيبة في تونس مثلا والتي اهتمت بالمجال الاجتماعي وبخلق طبقة وسطى والاستثمار المبكر في السكن الاجتماعي والتربية والتعليم ناهيك عن الانضباط، الشيء الذي جعل النتائج تبدو واضحة في تونس وجعلتها تتجاوز آثار الجائحة بصورة أسرع، وبأقل الخسارات الممكنة، ونفس الحالة في الأردن ولبنان… بينما استمرت الحالة في المغرب والجزائر ومصر، رغم أن هذه الدول لها نفس القدرات والكفاءات والموارد، وأهم الأسباب، حسبه، هو مستوى التنمية البشرية التي انعكست سلبا على الكلفة النهائية لهذا الوباء…

لذلك، فالسياسات العمومية مستقبلا، ينبغي أن تبنى على مبادئ أساسية منها:

تكافؤ الفرص والكفاءة والاستحقاق، وهي مبادئ ستجعل الشخص الأفضل وصاحب القدرات المناسبة هو الذي يصل إلى مستوى القرار، وهو ما سينعكس على الإدارة والتدبير والعلاقات الاجتماعية والإدماج الاجتماعي وإنتاج القيم، أما إقامة العلاقات على أساس الريع فتفضي إلى معادلة فاشلة تنعكس على مستوى التنمية والآداء وعلى مستوى المالية العمومية…
باختصار، يقول المتدخل، لابد من إعادة النظر في السياسات الاجتماعية (الصحة والتعليم والتنمية البشرية) بمنطق جديد يقوم على مركزية الإنسان في العملية التنموية، وعلى تكافؤ الفرص والاستثمار على المديين المتوسط والبعيد في هذه القطاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى