في الواجهة

الأمر يتعلق ببناء قدرة طويلة الأمد للمجتمع لمعالجة عنف مقيت ومدان مثل العنف الذي ذهب ضحيته عدنان..

الغضب، الغضب الشديد، هو الإحساس الأول الذي تثيره الجريمة النكراء المرتكبة بطنجة في حق عدنان، في حق والديه وأقربائه وفي حق كل الأطفال وكل الأمهات والآباء الذين أفاقوا على حقيقة أن لا أحد في مأمن وأن كل واحد منا يمكن أن يصبح عليه يوم يجد فيه نفسه وقد أصيب شر مصيبة في أعز الناس لديه.

وهي حقيقة بشعة ومزلزلة للإحساس بالاطمئنان الذي من المفروض أن يعطينا إياه الانتماء إلى هذه الجماعية الإنسانية التي تسمى مجتمعا يشترك أعضاؤه في قيم وفي معايير تحدد الخير والشر وتجعل منها قاعدة يحتكم إليها في العلاقات وفي الأفعال.

الإحساس الثاني هوالتضامن… التضامن مع الأبوين المكلومين ومع الأقارب الذين يجب أن نستمر في غمرهم بهذا التعاطف العظيم الذي توالت تعبيراته في وسائل الاعلام وفي شبكات التواصل الاجتماعي. والتضامن بيننا كأفراد من هذا المجتمع كذلك. فنحن في حاجة لأن نثبت لبعضنا البعض أننا في مطلق الاتفاق على إدانة لا تحتمل أي نسبية لهذا الفعل الإجرامي الحقير والجبان وعلى التعبئة لمواجهة أسبابه وتداعياته.

وإذا كان صحيا أن يتغذى النقاش العمومي حول هذه الجريمة النكراء من مختلف الأحاسيس السلبية والايجابية التي تثيرها، فإن هذا النقاش لا يمكن أن يكون في مستوى الرهانات المطروحة على مجتمعنا إلا إذا أجري على قاعدة سليمة قيميا ومعرفيا.

وهو ما لا يبدو لي متوفرا في جزء كبير مما أتيح لي الاطلاع عليه تبادل للآراء في شبكات التواصل الاجتماعي.

من علامات ذلك أن يكال الاتهام بالتعاطف مع المجرم لكل من يدعو إلى أعمال العقل والحكمة في التفكير في كيفية التصدي للجريمة وأن تجد متعلمين وأحيانا حقوقيين ينكرون مبدأ المحاكمة نفسه ويصدرون على المجرم أحكاما مطلقة ونهائية من ذوات أنفسهم يبدو أنه لو أتيحت لهم الفرصة لتنفيذها بأيديهم لفعلوا.

لنكن واضحين: الأمر لا يتعلق هنا إطلاقا بالتضامن مع المجرم فهو في نظري لا يستحق ذرة من الرحمة. التضامن الوحيد الممكن هو مع الضحية (أو الضحايا على الأصح).

الأمر يتعلق ببناء قدرة طويلة الأمد لدى المجتمع على معالجة عنف مقيت مثل العنف الذي ذهب ضحيته عدنان. وهو عنف لا يمكن أن يعالج بعنف مضاد. ولنا في تجارب مجتمعات أخرى سبقتنا إلى نقاش وسائل معالجة الإجرام الخطير ودور الإعدام من بين هذه الوسائل دروس حري بنا أن نأخذها بعين الاعتبار.

نشر باتفاق مع الكاتب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى