هو ، البكاي بن مبارك الهبيل، ينحدر من شرق المغرب، سجل اسمه في التاريخ المغربي الحديث باعتباره أول من تقلد منصب رئيس حكومة في المغرب بعد حصوله على الاستقلال أواسط خمسينيات القرن الماضي.
سيرة ذاتية مختصرة
ولد بن مبارك البكاي، في مثل هذا اليوم 18 أبريل 1907،في رقعة جغرافية يومها كانت تحت سيطرة تحالف قبائل بني يزناسن بالجهة الشرقية بالمغرب الأقصى. جده الأعلى القائد بلنوار. والده القائد امبارك الهبيل من تغاسروت ببني عتيق ووالدته طامو تنحدر من فرقة أولاد بن العادل من قبيلة أولاد الصغير عرب تريفة.
تذكر الروايات أن أمه تكن أمه تنجب أطفالا لفترة فلجأت إلى ضريح سيدي علي البكاي في أجدير بني منقوش. وعندما وضعت طفلها الأول والوحيد أسمته على اسم هذا الولي.
ترعرع البكاي مع والدته طامو وسط أخواله، بعد وفاة أبيه، ودخل مدرسة ابتدائية فرنسية وكان يعد من أبناء الأعيان. إلتحق بالمدرسة العسكرية بمكناس، فتخرج منها برتبة ملازم. شارك في الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الفرنسي، فأصيب في ساقه وتعرض للأسر ونقل على إثرها إلى ألمانيا، تسببت الإصابة في بتر أحد رجليه. تم ترحيله إلى المغرب في إطار اتفاقية تبادل الأسرى.
تولى البكاي لهبيل شؤون باشوية صفرو منذ سنة 1945م إلى غاية سنة 1953 عقب نفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر. حيث استغل رخصته في شهر يوليو 1953 ، فسافر إلى فرنسا ومكث هناك إلى أن وقعت أحداث 20 غشت، فأرسل أربع برقيات لمختلف المراجع باستقالته من باشوية صفرو.
عاد البكاي لهبيل إلى المغرب اواخر يوليو 1955م فحل ضيفا على حزب الاستقلال، وبعد شهر تقريبا عين عضوا في مجلس حفظة العرش جنبا إلى الفاطمي بن سليمان والطاهر اعسو وهو مجلس انشأ اتباعا لتعليمات مفاوضات إيكس ليبان.
البكاي ونفي محمد الخامس..
تحكي بعض الروايات التاريخية، أن البكاي كان علم بالخطة التي كانت تعمل عليها سلطات الحماية والقاضية تنحية السلطان محمد بن يوسف، وهي الروايات ذاتها، التي تقول إنه وقبل سفره إلى فرنسا، بعد أن شفي من الإصابة التي اصيب بها في الحرب العالمية الثانية، أخبر السلطان بالخطة، ليتوجه لفرنسا للعمل على عرقلة تلك المساعي، غير أنه وبينما كان هناك تم نفي السلطان في غشت من عام 1953، وحين وصله الخبر قدم استقالته من منصبه في الباشوية، ليذهب لفرنسا ليمكث هناك.
غير أن الموقف الذي عبر عنه البكاي، على بساطته عموما، حظي بتنويه السلطان الذي بعث برسالة من منفاه مما جاء فيها “لا شيء يمكن أن يواسينا في منفانا أكثر من شعورنا بإخلاص رجل، المغرب فخور به كواحد من أبنائه، ولن تتأخر الأجيال القادمة عن تكريم جنابنا الشريف بالتنويه بذكركم وسيظل اسم البكاي مقترنا باسم جلالتنا”.
البكاي وترأس أول حكومة بعد الاستقلال
عاد الملك محمد الخامس من المنفى في نوفمبر من عام 1955. وبعد ذلك في بداية عام 1956 تم تشكيل الحكومة التي عين البكاي رئيسا لها.
في مارس من عام 1956 وقع البكاي عقد الاستقلال. بعد ذلك بنحو سنتين ونتيجة مشاكل داخل الحكومة قدم البكاي استقالته، ليتم بعدها تشكيل حكومة أحمد بلافريج.
في التاريخ، مبارك البكاي الهبيل لم يكن مقاوما للاستعمار ولم ينتم للمقاومة ولم يكن يوما مزعجا للسلطات الاستعمارية الفرنسية، بل العكس تماما، البكاي حظي برعاية فرنسية حيث جرى تقديم تكوين له، وبات محاربا في الجيش الفرنسي ضد الألمان ومدافعا عن حرية فرنسا، فبُترت لأجل تلك الغاية ساقه التي تم تعويضها بساق خشبية استعان بها ما يزيد عن عشرين عاما. وحتى عندما استقال من باشوية صفرو، احتجاجا على القرارات الفرنسية، سافر نحو فرنسا ليعيش فيها.
جدير بالتذكير هنا، أن الحكومة المغربية الأولى تشكلت لتشرف على المفاوضات مع الفرنسيين في دجنبر 1955 برئاسة البكاي الهبيل، وضمت كل من محمد الزغاري وإدريس المحمدي وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد الشرقاوي وأحمد رضا اجديرة وعبد الكريم ابن جلون التويمي والحسن اليوسي وعبد القادر ابن جلون ومحمد المختار السوسي ومحمد الفاسي ومحمد الدويري وأحمد بن منصور النجاعي وأحمد اليزيدي وعبد الهادي بوطالب وعبد المالك فرج ومحمد بن بوشعيب ثم عبد الله إبراهيم وأحمد بن سودة كاتبي دولة .
في حين،تشكلت الحكومة الثانية في 26 أكتوبر 1956، والتي نال فيها مرة أخرى البكاي ثقة محمد الخامس، وهي الحكومة التي ضمت وزراء أقل مقارنة بالحكومة الأولى، فقط لقت تغييرات وإضافات؛ من قبيل إحداث وزارة البريد والتلغراف والتليفون التي تقلد مسؤوليتها ليون بنزاكين، وحقيبة الدفاع الوطني التي تقلدها محمد الزغاري، والشؤون الخارجية التي تقلدها أحمد بلا فريج، وغيرها من حقائب هذه الحكومة، التي استمرت إلى 16 أبريل 1958 حيث قدم البكاي استقالته.
هدا و توفي البكاي يوم (12 ابريل 1961م) وهو وزير الداخلية وبرتبة كولونيل في الجيش وحمل إلى ابركان حيث دفن في مقبرة كدية مولاي الطيب.
محمد عابد الجابري يقيم سياق رئاسة البكاي لحكومة بعد الاستقلال
يقول محمد عابد الجابري، في سلسلة حديث الشهر، أنه و بالفعل، في يوم 15 أبريل من سنة 1958 قدم وزراء حزب الاستقلال استقالتهم من الحكومة إلى الملك محمد الخامس. وكانت هي الحكومة الثانية في المغرب الذي لم يكن قد مضى على استقلاله يومذاك سوى سنتين. كانت تلك الحكومة كالتي سبقتها برئاسة مبارك البكاي.
كان هذا الرجل من قدماء العاملين في الجيش الفرنسي، وقد عينته الإدارة الفرنسية قائدا (منصب يليه “المحافظ” مباشرة). وعندما نفى الفرنسيون محمد الخامس (20 غشت 1953) قدم استقالته، أو أراد “التاريخ” له ذلك، ولم ينخرط في سلك موظفي الداخلية الذين جندتهم السلطات الفرنسية ضد محمد الخامس والحركة الوطنية.
وعندما اضطرت فرنسا إلى الاعتراف باستقلال المغرب (2مارس 1956) تحت ضغط المقاومة وجيش التحرير، النابعين أساسا من صفوف حزب الاستقلال، الذي كان زعيمه علال الفاسي ومن قادته المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعلى رأس حركة المقاومة وجيش التحرير محمد البصري وعبد الرحمان اليوسفي، أقول: عندما اضطرت فرنسا إلى الاعتراف للمغرب باستقلاله وإعادة محمد الخامس من منفاه (18 نوفمبر 1955)، بعد أن تأكد لديها أن حركة المقاومة والتحرير في المغرب آخذة في التلاحم مع الثورة الجزائرية، اشترطت أن يكون على رأس الحكومة شخصية محايدة، أي لا تكون من رجال الحركة الوطنية خصم الاستعمار الفرنسي، بل من أولئك الذين لم يكونوا لا من رجال الحركة الوطنية ولا من أعوان السلطات الفرنسية وعملائها المباشرين، والذين بقوا مخلصين للعرش ظاهريا على الأقل. لقد أطلقت عليهم الأجهزة الاستعمارية في المغرب اسم ّالقوة الثالثة”، وحركتهم في الخفاء والعلن للاحتجاج على ما ادعوه من “استبداد” حزب الاستقلال بالسلطة. وقد تطور الأمر إلى حد اصطناع تمرد مسلح (تمرد عدي أوبيهي).
يضيف الجابري، في الحديث ذاته، أن الهدف كان واضحا: تكسير وحدة الصف الوطني الذي تشكل منذ الثلاثينات من الحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال ومن مؤسسة العرش وعلى رأسه الجالس عليه محمد الخامس، وبالتالي الحيلولة دون تحول استقلال المغرب إلى استقلال حقيقي يتحقق فيه جلاء القوات الأجنبية، الفرنسية والأمريكية والأسبانية، والسير قدما في بناء المغرب العربي انطلاقا من مساندة الثورة الجزائرية المساندة القوية المطلوبة، وبناء اقتصاد وطني متحرر، وتشييد حياة ديمقراطية يكون الفاعل السياسي فيها هم رجال الحركة الوطنية والجماهير الشعبية لقطع الطريق على أعوان الاستعمار والوصوليين والانتهازيين. وتلك هي الأهداف التي لم يتردد القادة الوطنيون وفي مقدمتهم علال الفاسي والمهدي بن بركة في التصريح بها وتأكيدها في كل مناسبة، منذ أن أعلن عن الدخول في مفاوضات الاستقلال.
في السياق ذاته، يقول الجابري: لقد أعيد تشكيل هذه “القوة الثالثة” في السنة الثانية من الاستقلال باسم “جبهة الدفاع عن الحريات الديموقراطية”، وباركها رئيس الحكومة “المحايد”، الذي لم يعد محايدا. كانت قوة مصطنعة يراد منها تكسير تلك الوحدة الحميمة التي جمعت العرش و الحركة الوطنية في صف واحد للكفاح من أجل الاستقلال. وقد عمد دهاقنة الاستعمار إلى مختلف الأساليب من أجل تحقيق هذا الغرض. فإضافة إلى التمرد المسلح الذي أشرنا إليه كانت هناك حرب سيكولوجية جهنمية وظفت ما قام به “الضباط الأحرار” في مصر من إلغاء للملكية، وما قام به بورقيبة من عزل للباي وتصفية لنظامه، إلى جانب بعض الأخطاء المحلية، فكانت النتيجة أن أخذت تجربة لـ”التناوب” تلوح في الأفق: تناوب قوامه إقصاء الحركة الوطنية من الحكومة وإسنادها لـهذه “القوة الثالثة” التي وضعت موضع “المعارضة”.