رأي/ كرونيك

دور المرأة الريادي في صياغة مستقبل البشرية

تعيش المجتمعات الإنسانية، اليوم، مرحلة مثيرة للغاية، حيث بدأ الجميع يدرك أن الطريقة التي نعيش ونعمل بها من المرجح أن تشهد تغيرات جذرية. وقد ساهمت جائحة كورونا في تسليط الضوء على أهمية التحول الرقمي، وتوظيف التقنيات المتقدمة في صياغة مستقبل المجتمعات الإنسانية، ومستقبل العمل وطرق التواصل والتعاون.

ويشير التقرير، الذي صدر مؤخرًا عن شركة “ماكنزي” لاستشارات الشركات، تحت عنوان “مستقبل العمل في مرحلة ما بعد كورونا”، إلى أن العمل عن بُعد، والتواصل الافتراضي، سيكون الخيار المعتمد من قبل العديد من الشركات والأفراد، في السنوات المقبلة، خاصة مع التسارع الحاصل في توظيف الذكاء الاصطناعي، في الشركات والمصانع، الأمر الذي سيتطلب شكلًا جديدًا من أشكال القيادة لضمان قيام الموظفين بواجباتهم بالشكل المطلوب.

ولا شك أن الأشهر الستة عشر الماضية كانت بمثابة جرس إنذار للعالم أجمع، حيث أدرك الجميع أن المستقبل ما هو إلا نتاج مباشر لحاضرنا، وأن النظام البيئي العالمي يعاني من تبعات نشاطاتنا الإنسانية. ويتوجب علينا جميعًا اتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي تحديات أكثر خطورة من جائحة كورونا في المستقبل. ولا بد للعالم من الاستفادة من التكنولوجيا وتوظيفها لبناء مجتمعات متعاونة قادرة على مواصلة الابتكار وتطوير المهارات. حيث أن أية تغييرات إيجابية نطبقها اليوم ستمكن مجتمعاتنا من العيش بشكل أفضل وبشكل مستدام.

وعليه، يتوجب على المؤسسات العمل على تمكين وإلهام المزيد من النساء لتولي مناصب قيادية، لتتمكن من تكريس ثقافة مؤسسية بناءة، وداعمة للمرأة، تتميز بالشمولية، والقدرة على التعامل مع المتغيرات. وسيساهم التمثيل النسائي القوي في المناصب القيادية في تعزيز تنمية المواهب، وتزويد النساء بالمهارات التي تمكنهن من المساهمة في تحقيق الأهداف الرئيسية الثلاث لأي مؤسسة، والتي تتمثل في تحقيق الأرباح، وخدمة المجتمع، وبناء عالم أكثر شمولية واستدامة.

المرأة تقود طريق المستقبل

تعتبر دولة الإمارات مثالًا يحتذى على المستويين الإقليمي والعالمي. وتبذل دولة الإمارات جهودًا حثيثة لتعزيز مشاركة المرأة في جميع المجالات، لا سيما في المناصب القيادية العليا في الحكومة، حيث يضم مجلس الوزراء الإماراتي الحالي تسع وزيرات. وحلت الإمارات في المرتبة الأولى عالميًا في مؤشر نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر في العام 2020. كما تصدرت الإمارات المركز الأول في تمكين المرأة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أحدث تقرير للبنك الدولي والذي صدر تحت عنوان “المرأة والأعمال والقانون”.

وساهمت الجهود الحكومية لدولة الإمارات في تحقيق المساواة بين الجنسين في العمل وتعزيز الدور القيادي للمرأة، وفي إلهام الشركات المحلية لتكريس دور المرأة في العمل. وبحسب الأرقام الصادرة عن شركة ستراتا التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، والمتخصصة في تصنيع أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة لكبرى شركات صناعة الطائرات العالمية مثل بوينج وإيرباص، فإن ما يقرب من 90% من القوى الوطنية العاملة في الشركة هم من النساء.

وتشير الدراسات العالمية إلى أن تولي المرأة لأدوار قيادية يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتقليص الفجوة في الدخل في السنوات القادمة. وأشارت دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) إلى أن مشاركة رواد الأعمال من الذكور والإناث على قدم المساواة في الأنشطة الاقتصادية ستساهم في رقع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تتراوح بين 3% و6%، أي أنها ستضيف إلى الاقتصاد العالمي ما قدره 2.5 إلى 5 تريليون دولار أمريكي.

وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن النسبة الأعلى للنساء الراغبات في ريادة الأعمال كانت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤكد توجه النساء الأصغر سنًا إلى تأسيس شركات في دول مثل الإمارات والسعودية وقطر. وتوضح الدراسة بأن تذليل العقبات أمام النساء لريادة الأعمال، والمساواة بينهن وبين الرجال، سيمكن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تحقيق زيادة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 600 مليار دولار سنويًا أو 2.7 تريليون دولار بحلول العام 2025.

وبصفتي رائدة أعمال قامت بتأسيس العديد من الشركات التي تقودها النساء والتي تركز على تطوير التعليم وحماية البيئة، فإنني أدرك أهمية الدور الذي تلعبه القيادات النسائية في تكريس ثقافة مؤسسية تلبي احتياجات موظفيها وتتعاطف معهم. ونلتزم في شركة “بيوند بامبو” بإنشاء سوق عبر الإنترنت يجمع بين البائعين والعملاء الملتزمين بالبيئة.

وتستضيف الدورة الرابعة من القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2021، والتي ستقام في دبي في الفترة ما بين 22 و27 نوفمبر 2021، جلسة خاصة لمناقشة سبل تمكين المرأة في العمل ومستقبل المساواة بين الجنسين. ويشارك في القمة نخبة من الخبراء من القطاعين العام والخاص لصياغة مستقبل القطاع الصناعي والتنمية المستدامة والمساواة بين الجنسين وغيرها من القضايا الهامة. وأتطلع لمشاركتي في جلسة النقاش التي تحمل عنوان “الدور القيادي للمرأة”، والتي ستجمع خبراء من مختلف التخصصات لمناقشة دور المرأة كصانعة قرار وعضو نشط في المجتمعات المتقدمة.

وسيساهم تنامي العولمة في المستقبل في توفير ظروف عمل أكثر مرونة وأقل صرامة بالنسبة للمرأة. ولا شك أن العالم بحاجة إلى تمكين المزيد من النساء لشغل المناصب القيادية في المؤسسات لضمان مواصلة عملية التطوير في جميع الصناعات ومجالات العمل. وسيتوجب على كافة المعنيين بتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة العمل معًا لتغيير الثقافة الحالية وتحقيق توازن في القيادة بين الجنسين لضمان حياة أفضل في المستقبل.

وستضطلع النساء بدور كبير وهام في المستقبل، كما سيشغلن مناصب قيادية تمكنهن من إحداث أثر إيجابي في جميع مناحي الحياة وفي رفع مستوى العيش للجميع.

ــــــــــــــ
تيفياني كيلي، رائدة أعمال قامت بإطلاق العديد من المشاريع المبتكرة، وأسست شركة “بيوند بامبي”، المتخصصة ببيع المنتجات المستدامة على الإنترنت. وستشارك كيلي في الدورة الرابعة من القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2021 والتي ستقام في دبي في الفترة ما بين 22 و27 نوفمبر 2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى