رأي/ كرونيك

في مسألة مقاطعة الحج أو المقدس والسياسي في الإسلام

تمهيد في البداية كلمة شكر لمن راسل أو اتصل بشأن الجزء الأول من هذا البحث،  الذي جاء في أعقاب اغتيال ونشر جسد انسان ثم اندثاره ليومنا هذا. سبب هذه الجريمة البشعة، التي نفدت من قبل عصابة همجية وحشية، عبر طريقة يستغرب الضمير الانساني لوقوعها في حاضرنا وبهذا الشكل، هو أن انسانا من دولة السعوديين القائمين على رقاب العباد باسم الاسلام والمتصرفين في أقدس بقعة في الكون لقرابة مليارين من المسلمين، أي ما يعادل ربع البشرية، عبر، كما يحق له حسب أبسط حقوق الانسان عن تصوراته اتجاه سياسة بلده.

قام بعمله هذا في واضحة النهار وبشكل حضاري سلمي. لذا جاء المقال ليثبت المقدس الروحي للدين الحنيف وليزيح عنة الغشاوة المقيتة التي باسمه استعبدت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. كما نادى بها عمر ابن الخطاب وجسدتها الثورة الفرنسية في إعلانها لحقوق الانسان والمواطن. ما كان لعمر وهو خليفة الرسول ومتبني امارة المؤمنين، أن يقول قولته الشهيرة ما لم تكن هناك في مجتمع الدولة الناشئة باسم الدين عبودية. لماذا تبنى عمر بن الخطاب امارة المؤمنين ولم يتبنى امارة المسلمين؟ لماذا وضع عمر بن الخطاب تشريعاته عكس ما صنع أبو بكر الذي في تأويله كان يريد السير على خطى صاحبة في الغار بشكل دغمائي؟ كان يقول عمر لما يقرر أمرا وينهاه بعض الصحابة من أهل الحل والعقد، ان محمدا فعل ذلك والإسلام أي الدولة الاسلامية ضعيفة، أما ألان، بعد القضاء على الردة والفتوحات، فالإسلام قويا. راجع موقفه من المؤلفة قلوبهم وغيرها من أحكامه. خلاصة القول والذي يعمق ما جاء في الجزء الأول، أن مؤسسي الدولة الإسلامية غداة الهجرة الى يثرب وعلى رأسهم الرسول وأصحابه المقربين، كانوا على دراية بما يرجع للعقيدة الروحية المحضة أي الأيمان الذي هو حيز الانسان وخالقه. وما هو من حيز الحكم الدهري وتشريعاته الخاصة بالظروف والأحداث المعاشة والمتطورة. وقد يكون من الأهمية بمكان تعميق الرأيا لمرحلة تأسيس الدولة الإسلامية، و كيف تداخل الروحي بالدهري، الأمر الذي سنرجع اليه في أوانه، مع التأكيد على مغزى التشريعات العمرية و توضيح جليا خلفية فقهاء بني أمية و بني العباس و من جاء من بعدهم من  جهلاء النسخ. بمعنى آخر كيف تم اجهاض الاجتهاد بخصوص الأمور الدهرية / الحكم مع تقديس شكله الاستبدادي. ومن المفيد أيضا تشريح وصية عمر وهو يودع الحياة في مسألة الخلافة/الحكم والقاضية، أنه لو كان لا زال حيا أبو عبيدة ابن الجراح أو خالد بن الوليد لأوصى بالخلافة لأحدهما. اذا كان اختيار ابن الجراح الذي هو من الأولين المبشرين بالجنة والمعروف بعدله و جهاده و تقواه يفهم من الناحية الدينية، ما بالك باختيار خالد للخلافة، وهو من الأواخر و المعروف باجتهاداته الخاصة وان عارضت النص والعرف؟ البحث في تاريخنا السياسي يفيد في تجاوز عقلية الاستبداد الديني الذي خيم لقرون وعاق التطور الحضاري للمجتمعات العربية الإسلامية.

ان القول في مسألة المقدس/الدين والحكم/الدولة طرحت في فجر الإسلام وخاض فيه بشكل مفصل العالم حسن البصري الذي اعتزل بحلقته الفكرية كل الطوائف المتنازعة على الحكم الدهرية باسم الدين، علي بن أبي طالب في الكوفة ومعاوية بن أبي سفيان في دمشق والخوارج في القبائل المناهضة لسلطة قريش، هاشمية كانت أم أموية لأن الدين لله. وعن حلقة حسن البصر تطور الفكر المعتزلي الذي حل مسألة المقدس الديني أي أنه فرق بيم الايمان والسياسي الديني أي الحكم/الدولة. وذلك بالرجوع الى المنطق العقلي/العقل ومنه جاء موقفهم بأن الانسان مسؤول عن نفسه وعن غيره، وهو بذا مخير حسب تصوراته العقلية وليس حيوان مجبر حسب تصورات وهمية. ولجعل حد للاستبداد بالحكم باسم الدين واستعباد الناس ناد المعتزلة بخلق القرآن ولهم في ذلك بحوث منطقية لا تطعن في المقدس كما جاء على لسان الغلاة والمناوئين لهم، بل هدفهم كان بالضبط هو انقاد الجوهرة في المقدس الفعلي الروحي الأيماني من براثين الجهل والتعصب العقائدي الذي استعملته العصبية الحاكمة لضمان سلطانها. سيكون من المفيد العودة بنا للفكر المعتزلي ومناقشة بنائه الفلسفي العقلي في خدمة المقدس الروحي الايماني.

 المقدس

المقدس ليس خاص بديانة سماوية أو اعتقاد وضعي، بقدر ما هو موجود في كيان بني الانسان منذ أن وعوا أنهم هالكون أي أنهم سيموتون. هكذا أمكن القول أن المقدس و الشعور بأن هناك فناء، هما وجهان لعملة واحدة تتلخص في رفض الموت و التقرب زلفى للمنقذ الخالق الباري. وهذا المنقذ الذي يأخذ مختلف الوجوه والأشكال التي يتضرع اليها بني البشر، يستقر ببقعة من الأرض أو يحدد بقعة معية تصبع بجلال قدرة القوة المنقدة مقدسة ومطهرة. وهذه البقعة الطاهرة تأخذ مختلف الأشكال، حجرة، شجرة، جبلن، غار، بحيرة، واد، …مع تطور أحوال العيش والتعايش أخد البشر حسب تقدمهم الحضاري والبيئي يبنون هياكل كما كان الأمر عند البابليين والأشوريين والفراعنة والاغريق والصينيين والهنود القدامى …و حسب المعتقدات توضع طقوس بسيطة أو معقدة. كما يأخذ القائمين عليها مكانة في المجتمع. وبطبيعة الحال توظف بهذا القدر أو ذاك لخدمة الحكم القائم الذي يصبح ولي القوة المنقدة. ولتعميم الشعائر المقدسة عبر مناطق النفود تبنى معابد خاصة مقدسة بدورها وتابعة للبقاع المقدس الأصل الذي نحوه تتجه الوجوه أثناء الدعاء والصلاة. هكذا نجد اليهود والنصارى في كنائسهم يتوجهون لمعبد داود وسليمان ببيت المقدس، وجوامع المسلمين تتجه للبيت الحرام بمكة، بعد أن كانت تتجه لبيت المقدس. والى جانب المساجد التي هي لله، هناك أضرحة الأولياء والأوليات وغيرها من الأماكن يزورها أي يحج اليها المؤمنين والمِؤمنات بها تبركا وتقربا وزلفا للخالق البارئ قضاء حاجاتهم.

معنى هذا أنه سيكون من الغباء الفظيع الغاء مقدس كالحج، والذي هو جزء أساسي في الاعتقاد الروحي للسلمين. علما كما أشرنا كون المقدس مغروس في الكيان الوجودي للإنسان، كان أو لم يكن مؤمنا بدين من الأديان. فزيارة قبور الآباء والأحباء هي شكل من قدسية المكان الذين هم مدفونين به. كما أننا نقدس مسقط رأسنا والأوطان التي نشأنا فيها ومنه مقولة: حب الأوطان من الايمان. لذا تفاديا لسوء الظن كما ذهب لذلك بعض من حاورني، ينبغي أخد الكلمات في تعبيرها الأصلي وعدم النزوح الى التأويل. فكلمة مقاطعة لا تعنى الرفض. فالمقالة لا تدعو الى الرفض، الذي لا مكان له من الاعراب كما وضحت أعلاه، لكن، أيضا، بالرجوع الى ما جاء في التمهيد، والجزء الأول، حماية لروح المقدس في صفائه وجلاله وجب إزاحة ما أحاط به من شوائب ليحوره عن ماهيته وأصله الفعلي. وحتى نوضع الغاية من قصدنا، لنرجع الى السيرورة التي انبني عليها البقاع المقدس للبيت الحرام. لما ضاق الأمر بهاجر وهي تبحث عن الماء لتطفأ ظمأ صبيها إسماعيل حتى لا يموت من العطش، أخدت تسعى مهرولة بين الصفا والمروة لحد رأت غراب يحفر في مكان فأسرعت وأتمت الحفر ليتدفق الماء زلالا ومنه جاء اسم زمزم، أي ماء صافيا متدفقا. ولتثبيت المعجزة، بنى إبراهيم وابنه إسماعيل بيتا تقديسا لله ومنه البيت الحرام كمركز إلهي للكون. لكن البيت الحرام/المقدس للمسلمين، بعد موت بانيه ظل بيتا محرما تحج اليه الناس، لكن ليس تبتلا لرب إبراهيم وإسماعيل، بل زلفا لآلهتهم العديدة وعلى رأسها اللات والعزة ومناة.  والدين المحمدي/ الإسلام لما بعث لم يغير مكان الحج بل أعاده لأصله الذي أراده إبراهيم وإسماعيل، أي بيتا لله وحده لا شريك له. والمقاطعة تأتي لأن القائمين على خدمة الحرمين حوروا الحج الى البيت الحرام لخدمة أغراضهم السياسية والتجارية. الهدف منها تركيز استبدادهم مما يتعارض والهدف الأسمى لغاية الحج. حج بني سعود أصبح عملية تجارية تغدق عليهم أرباحا طائلة تقدر بالمليارات الدولار. ثم أن الأئمة في الحرمين، المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة تدعو لهم، أي تقوم بدعاية سياسية لهم. كما كانت تفعل أئمة بني أمية حيث تقدس معاوية وخلفه وتلعن عليا وأنصاره وبنو هاشم.

المقاطعة

   ليس من حق أي أحد أو أي نظام وهذا عبر التاريخ احتواء مقدس جماعي مثل البقاع المقدسة لعامة المسلمين والتي هي أساسا ملكا لهم. ومنه وجب إعادة النظر في تنظيم الحج حسب معطيات التطور الحضاري الحاصل. فمناسك الحج عبارة عن المساواة بين بني البشر والتي تعني في مجتمعاتنا الحديثة ضمان حقوق الانسان. فكيف يعقل أن يظل أقدس مكان لعامة المسلمين تحت تصرف من يقر بالمساواة بين وحقوق الانسان؟ وكحل لهذه المعضلة الشاده، التي أصبحت تستعمل لمصالح خاصة، عوض خدمة الصالح العام كما شاء واضعها، وجب تشكيل مؤسسة برلمانية تابعة للبلدان الإسلامية، حكومات وهيآت تمثيلية للمسلمين ببلدان هم فيها أقلية. وأن يكون الحج مشاعا لمن استطاع اليه سبيلا. وأن يكون مدخول الحج للفقراء والمحتاجين عبر مشاريع تنموية وبيئية عبر العالم. ان الدين الحنيف جاء للعالمين، لصال للسلمين والإخاء بين مجموع البشر.

تدوم المقاطعة الى حين تتغير الأوضاع بدولة السعوديين وتدخل العصر عبر احترام حقوق الانسان والكف عن الرجم وقطع الأيدي والاغتيالات السياسية داخل وخارج بلادهم وجعل حد لدعمهم للأصوليين المتشددين ورفع أيديهم عن الشعوب البريئة سواء عبر حرب مباشرة كما هو الشأن في اليمن أو عبر مساعدة الجماعات المتصلبة والدخول في شؤون جيرانها.

في انتظار تسوية الوضعية يمكن لكل بلد فيه المسلمين تحديد مكان أو يبني بيتا لله يحج اليه من استطاع وهذا كحج صغير في انتظار الحج الكبير الذي يأخذ مجراه الطبيعي بعد تنظيمه حسب مقتضيات التطور المجتمعي الديمقراطي. الأمر الذي يجعل حدا لتجاوزات اللذين غيروا مجرى مناسك الحج عن مغزاها القويم. (يتبع)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى