اعتقال مؤثرين، تصريحات ماكرون… العلاقات الفرنسية الجزائرية تشهد فصلا جديدا من التوتر
تشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر توترات جديدة مع توقيف مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهم التحريض على العنف والكراهية، وتصاعد الخلافات بسبب موقف باريس من قضية الصحراء المغربية. وأضافت قضية الكاتب بوعلام صنصال المحتجز في الجزائر مزيدا من التوتر، إذ تبادل الجانبان تصريحات كشفت عن فجوة متزايدة في العلاقة الثنائية على الرغم من الروابط الاقتصادية والأمنية المتينة.
تتصاعد التوترات بين فرنسا والجزائر، بعد سلسلة من الاعتقالات التي طالت مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهم نشر رسائل تحريضية على العنف والكراهية، تزامنا مع خلاف دبلوماسي جديد حول احتجاز كاتب جزائري فرنسي في الجزائر.
وأوقفت السلطات الفرنسية، مؤخرا، ثلاثة مؤثرين جزائريين، بسبب منشورات اتهموا فيها بالتحريض على الإرهاب، وأعمال العنف، ضد معارضي النظام الجزائري المقيمين في فرنسا. أحد هؤلاء، المعروف بلقب “بوعلام”، اعتقل في مونبلييه بجنوب فرنسا، حيث ألغت السلطات تصريح إقامته قبل ترحيله إلى الجزائر، وفقا لمحاميه جان باتيست موسيه. إلا أن السلطات الجزائرية رفضت دخوله، ما أدى إلى إعادته إلى الأراضي الفرنسية.
كما شهدت ضواحي غرونوبل توقيف مؤثر آخر بعد نشره مقطع فيديو – تم حذفه لاحقا – دعا فيه إلى “الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية”، بحسب وزير الداخلية برونو ريتايو الذي نشر لقطات من الفيديو المحذوف.
وعبر هذا الشخص عن دعمه لمؤثر ثالث يدعى يوسف أ، المعروف بـ”زازو يوسف”، والذي كان قد اعتقل قبل ذلك بساعات قليلة بتهمة التحريض على شن هجمات ضد معارضي النظام الجزائري في فرنسا.
اتهامات متبادلة وتحركات أمنية
واعتقلت السلطات، أيضا، مؤثرة فرنسية جزائرية على منصة تيك توك، بسبب مقاطع فيديو اعتبرتها السلطات تحريضا على الكراهية.
من جهته، قال المعارض الجزائري شوقي بن زهرة لوكالة الأنباء الفرنسية، إن “عشرات” من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من الجزائريين أو مزدوجي الجنسية نشروا محتوى معاديا عبر الإنترنت.
وكان يوسف أ. يمتلك أكثر من 400 ألف متابع على تيك توك، قبل أن تغلق المنصة حسابه بشكل نهائي.
واتهم بن زهرة السلطات الجزائرية بالوقوف خلف هذه “الظاهرة”، معتبرا أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموله الجزائر، يستضيف أيضا بعض هؤلاء المؤثرين. وردت إدارة المسجد في بيان، ووصفت تلك التصريحات بـ”التشهيرية”، مشددة على أن المؤسسة تلعب “دورا بناء” في تعزيز العلاقات بين البلدين.
وبحسب معارضين جزائريين تحدثت إليهم وكالة الأنباء الفرنسية، ازدادت حدة الرسائل العنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عقب تغيير فرنسا لموقفها من قضية الصحراء الغربية. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية يوليوز دعمه لموقف المغرب حول سيادته على الصحراء المغربية، وهو ما أثار غضب الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو.
وتسببت خطوة ماكرون في تقارب فرنسي مع الرباط، بينما أدت إلى أزمة جديدة مع الجزائر، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب منذ غشت 2021.
احتجاز الكاتب بوعلام صنصال يفاقم الأزمة
وأثار اعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال موجة استياء في فرنسا. صنصال، البالغ من العمر 75 عاما، اعتقل في الجزائر منذ منتصف نوفمبر بتهمة المساس بأمن الدولة، وتدهورت حالته الصحية، ما استدعى نقله إلى وحدة العناية الصحية.
وعبر الرئيس الفرنسي عن غضبه حيال احتجازه، واعتبر أن الجزائر “تسيء إلى سمعتها بمنع رجل مريض من الحصول على العلاج”، وطالب بالإفراج عنه. في المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية تصريحات ماكرون “تدخلا سافرا وغير مقبول في الشؤون الداخلية للجزائر”.
ووصف مدير مركز الدراسات العربية والمتوسطية في جنيف، حسني عبيدي، العلاقة بين البلدين بأنها وصلت إلى “مرحلة اللاعودة”.
وأعرب عن أسفه لأن “تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة” قد تدفع نحو تعزيز موقف دعاة القطيعة بين البلدين.
أما الباحثة كريمة ديراش من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرأت أن الموقف الحالي يعكس سوء إدارة من الطرفين. واعتبرت أن العلاقات بين فرنسا والجزائر، على الرغم من توترها المتكرر، تبقى متينة اقتصاديا وأمنيا، مشيرة إلى أن البلدين يمثلان “ثنائيا يتنازع باستمرار، لكنه يظل مترابطا في المصالح المشتركة”.