مجتمع

متاهات حقوقية في ذكرى رحيل بنزكري 3/2

عزيز إدامين الفاعل الحقوقي

تيه الهيئات الوطنية الرسمية

ترتبط منظومة حقوق الإنسان بهيئات رسمية وأخرى مدنية، إن كانت هذه الأخيرة تسمى بأصحاب المصلحة من منظمات غير حكومية ومُحامين وعائلات … فإن الهيئات الرسمية في الحالة المغربية تتمثل في كل من وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

  • وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان

منذ تعيين مصطفى الرميد وزيرا للدولة مكلفا بحقوق الإنسان، فإن خرجاته الإعلامية والمشاريع التي أعلنها اتسمت بـ”التيه” حول أدواره ووظائفه، وهوما جسده تصريحه بكونه “وزير كل شيء ووزير لا شيء” في يوليوز 2017، وهنا مربط الفرص.

إذا كانت كل القطاعات الحكومية تقدم خدمات عمومية، كوزارة الصحة تقدم الخدمة الصحية، ووزارة التعليم تقدم الخدمة التعليمية … فإنه من المفروض القطاع الحكومي المتصل بحقوق الانسان أن يقدم للمواطنات والمواطنين خدمات حقوقية.

فما هي هذه الخدمة الحقوقية؟ وما غاياتها؟ وكيف يتم تصريفها؟ هي الأسئلة التي بقيت عالقة على الوزارة المعنية ولم تقدم لها أجوبة شافية، بل إنها لم تجب عن هذه الأسئلة حتى في التصريح الحكومي بمناسبة تنصيب حكومة  سعد الدين العثماني.

مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان

وإذا كان دورنا غير معني بالجواب على هذه الأسئلة، فإن الملاحظة العامة أن السيد الرميد حول القطاع الحكومي من جهاز للخدمة العمومية وفق قواعد القانون الإداري، إلى جهاز للخدمة الحزبية، فيرفع الراية الحمراء في وجه من يمس بحزبه ويفتح قنوات لولوج  الجمعيات الدعوية والإحسانية التابعة لحزبه إلى الحقل الحقوقي، ويرفع الراية البيضاء في كل ما يتعلق باصطدام أو احتكاك بين الدولة والمجتمع، وآخرها ملف معتقلي الحسيمة وسجن الصحفيين وعلى رأسهم مدير موقع بديل أنفو حميد المهداوي.

وتبقى الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي لا ترقى إلى مستوى خطة وطنية بقدر ما هي خطة حكومية رسمية، مجرد “حبر على ورق”، فرغم معركته من أجل نشرها في الجريدة الرسمية، حيث إلى الآن لم تنشر رغم مرور نصف ولايتها، فإنه لم يستطع بعد مرور 7 أشهر من وضع مخططها التنفيذي كما طلب منه ذلك الملك محمد السادس.

وللتذكير فإنه منذ إعلان إطلاق الخطة الوطنية، تم إرفاقها بإصدار مرسوم تنفيذها وتتبعها وتقييمها، إلا أنه لم يصدر بعد، وبالمناسبة فهو مرسوم مخالف للدستور والقانون، لأنه تشريع ينتمي للمجال التنظيمي لرئيس الحكومة ولكن في نفس الوقت ينظم العلاقة بينها والبرلمان من جهة وبينها وبين مؤسسات وطنية من جهة أخرى، وهي علاقات ينظمها ويؤطرها الدستور والقوانين وليست المراسيم. (انظر جواب رئيس الحكومة حول الأسئلة الشهرية بتاريخ 2 يوليوز 2018، ص 9).

إن ما سبق ذكره بخصوص وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، يؤكد أنها مجرد قطاع حكومي أجوف، وعبء سياسي وحقوقي على الدولة والمجتمع، بالإضافة إلى الهذر المالي لوزارة لا دور لها، يتطلب التفكير في إلغائها والعودة إلى ما قبل سنة 2017.

  • المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان

سبق لنا التفاعل مع تعيين المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، في مقالة تحت عنوان “الرد الحقوقي والقانوني على ما جاء في حوار شوقي بنيوب”، ورغم ذلك، فقد بقيت نقط كثيرة عالقة في تصريحات وخرجات السيد شوقي بنيوب.

نفس السمة التي عرفها قطاع الحكومة في مجال حقوق الإنسان، نجدها ملتصقة أيضا بالمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وهي “التيه” حول أدوار ووظائف المندوبية.

لا يخفى على أحد أن إحداث بنية بين حكومية معنية بمجال حقوق الإنسان، يعتبر من الممارسات الفضلى الدولية، إذ اعتبرتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان على لسان رئيستها السابقة نافي بلاي أثناء زيارتها للمغرب في ماي 2014 بـــ”تطور يستحق التقدير”، وأن لقاءها بالملك عبر لها على “إطلاق العديد من المبادرات من بينها إحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان المكلفة بالإشراف على جميع القطاعات الحكومية وتنفيذ الرؤية الملكية الخاصة بحماية حقوق الإنسان بالمغرب”.

إن التوصيف الملكي لأدوار المندوبية في مجال حماية حقوق الإنسان، ترجمه محجوب الهيبة المندوب الوزاري السابق في التفاعل مع الهيئات الأممية والتنسيق بين الحكومات والتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتعزيز قدرات المجتمع المدني، إلا أن شوقي بنيوب أعطى للرسالة الملكية، بمناسبة الذكرى 70 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أبعادا أكبر من حجمه وتجاوز الاختصاصات المحددة له دستوريا وقانونيا.

اعتبر المندوب الحالي أن التكليف الملكي حدده له في البعد الحمائي، وأن هذا المجال أصبح حصريا له، وهي قراءة مغلوطة للرسالة الملكية التي قالت بصريح العبارة “ونهيب على وجه الخصوص، بالمندوب الوزاري، في إطار المهام الموكولة إليه، لإيلاء عناية خاصة لتعزيز الحماية في مجال حقوق الإنسان”.

فالمندوب عليه أن يشتغل وفق “المهام الموكولة إليه” صراحة أي وفق مرسوم اختصاصات المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، مع رفع من نسبة الاهتمام بتعزيز أي النهوض بأدوار الحماية (وفق ما هو محدد في المرسوم فقط وفقط) التي تقوم بها هيئات أصلية وهي المجلس الوطني لحقوق الانسان وهيئات المجتمع المدني، ولا يمكن وفق الرسالة الملكية ولا وفق المعايير الدولية أن تتحول المندوبية الوزارية إلى آلية حمائية، اللهم إذا أصبحت الحكومة تمثل دور الحكم والخصم في آن واحد أمام انتهاكات حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى