الرئسيةرأي/ كرونيكفكر .. تنوير

نورالدين العوفي يكتب: الجامعة بلا شرط

الأبحاث الرائدة لكل من عزيز بلال، وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري على سبيل المثال لا الحصر، لم تخضع لشرط ولا رامت “عامل تأثير » إلا أن قيمتها العلمية لا يُشقُّ لها غُبار، ونتائجها المعرفية طبَّقت الآفاق

العوفي
بقلم الباحث الاقتصادي نور الدين العوفي

الجامعة بلا شرط تعني أيضاً البحث بلا شرط. القانون المنظِّم للجامعات بالمغرب ينُصُّ على أن الأُستاذ أُستاذ باحث، يزاول التدريس بالموازاة مع البحث. بصفة عامة، حصة التدريس في جامعاتنا ثقيلة، مُنْهِكة، مُثْخِنة، لا تترك وقتاً ولا طاقة. من الأساتذة من ثَقُل البحث على نفسه، لا يذهب إليه سوى متباطئاً، حتى ولو اتسع وقته. ومنهم من ينقطع للبحث بالرغم من ضيق الوقت، ومن قلة الوسائل، ومن البيئة المُثْبِطة. شخصياً لا تُغيظُني النتيجة التي لا تسُرُّ للتصنيفات الدولية، ولا أُوليها بالغ الاهتمام لأسباب.

منها أولاً، أنها تعتمد معايير ومؤشرات (جودة التعليم، هيئة التدريس، حجم المؤسسة، مُخْرجات البحث) على مقاس الجامعات الأمريكية تحديداً، ولا قياس مع وجود الفارق.

منها ثانياً، أن مُخْرجات البحث تُقاس بعدد المقالات المنشورة في كبريات المجلات الأمريكية بالتحديد، والواردة في “دليل النشر العلمي الموسع” بالخصوص. للنشر في مثل هذه المجلات المرموقة شروط تتعلق بالمضمون، والشكل، وب “أشياء أخرى” لا علاقة لها بالبروتوكول الأكاديمي المحْض.

في ميدان العلوم الاقتصادية، على سبيل المثال، بعض الموضوعات ذات الطبيعة المحلية لا تُثير المبالاة عند المحكمين إما لجهل، وإما لاستصغار، وإما لمركزية معرفية ومنهحية منغلقة، وإقصائية. المقاربات القياسية، والنماذج الكمِّية المعتمدة من طرف “المينستريم” هي المقبولة دون غيرها، أما المناهج النوعية التي لا تغفل التاريخ، ولا تحْجُب أَوْجُه النظر المختلفة، وتعطي للنقد حقَّه، فهي في الجملة مرفوضة، ومردودة.

هذه الشروط المُقيِّدة لعملية البحث تحتمل أثراً سلبياً يتجلى في صرْف استراتيجية البحث عن الغاية لينصبَّ الجهد، كل الجهد، على الوسيلة، وعلى الطرق، كل الطرق، المُفْضية إلى النشر، كما يتجلَّى ذلك في تناسُل المجلات الرقمية، والمنصات المختصة في “النشر مقابل الأداء“.

هناك سبب آخر لا يقل أهمية يدعوني إلى التنسيب والتقليل من “مُركَّب النقص“. فإذا لم تكن “مُخْرجات البحث” المغربي واردة في مثل هذه التصنيفات الدولية، فإنها (المخرجات) موجودة، كمّاً وكيفاً، وأهميتُها لا تُحْسب بمؤشر « الاقتباس » و  “الاستشهاد “.

الأبحاث الرائدة لكل من عزيز بلال، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، على سبيل المثال لا الحصر، لم تخضع لشرط، ولا رامت “عامل تأثير »، إلا أن قيمتها العلمية لا يُشقُّ لها غُبار، ونتائجها المعرفية طبَّقت الآفاق.

قُلْتُ، إنَّ البحث يكون بلا شرط، لكن الجامعة الوطنية، كما سيأتي لاحقاً، في حاجة ماسة إلى توافُر بنية بحثية، مادية ولا مادية، متكاملة، تحفيزية، في إطارها يتنافس الباحثون، عيْنهُم على البحث للبحث، والبحث للمجتمع، لا على « جوجل سكولار »، ومؤشر (h – index).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى