رأي/ كرونيك

في مسألة مقاطعة الحج

السؤال أو الأسئلة الموازية لمعالجة مسألة مقاطعة الحج متعددة أهمها: – هل الحج يدخل ميدان الالهيات أم الربانيات؟ بمعنى آخر هل الحج يدخل ميدان المعتقد الإيماني الروحي أم الدهري السياسي؟ – هل فكرة الإسلام دين ودنيا وضعية خارجة عن المعتقد الديني بمفهومه الإيماني الروحي أم أنها تدخل حير المعتقد الوضعي السياسي؟ – هل مناقشة المعتقد الديني الإسلامي جائز من المنظور الموضوعي العقلي أم أنه مقدس لا يأتيه الباطل من أية جهة؟.

هذه بعض من عديد الأسلة المتفرعة أو الزائدة عنها والتي تتطلب بحثا فاضيا، لا يسعه هذا الحيز من الطرح. ولتسيل الحصيلة أمكننا البدا بالإجابة على السؤال الأخير والملخص في هل يحق، ليس فقط لمن يتبنى العلمانية في الطرح والفهم والممارسة، بل أيضا وخاصة لمن يومن بالعقيدة الإسلامية ايمانا صادقا لا هوادة فيه. معالجة هذه المسألة بدأت مع نشأة الإسلام أو ان صح التعبير، هي ملازمة لرسالة الإسلام.

ولتثبيت ذلك نرجع لثلاثة مفكرين ملتزمين بالعقيدة الإسلامية روحا وشريعة والذين انكبوا عبر حقب متتالية في البحث عن أصول الحكم في الإسلام، أي ترابط العقيدة الروحية بالعقيدة السياسية الدهرية. أي الفرق بين ما هو ايماني روحي وما هو وضعي دهري.

الأول هو ابن تيمية الحنبلي المذهب ويعد من المتشددين، الا أنه رغم ذلك يعترف، نظرا لعداوته لبني أمية أن السياسة بدأت معهم وأن الحكم الذي كان إسلاميا محضا مع النبي والراشدين انقلب الى ملك أي حكم وراثي استبدادي وضعي مع الأموين.

والثاني، وهو ابن خلدون من المذهب الأشعري المتشبع بمنظور الامام الغزالي في الأمور الشرعية والمتفتح على المنظور العقلي في كتابة التاريخ الاجتماعي، أثبت عبر مفهوم العصبية أي أخد السلطة بالعنف و فرض السيطرة و الاستبداد ابتدأ مع موت الشيخين أبو بكر و عمر و قيام سطو بني أمية مع ولاية عثمان لشأن الخلافة.

أما الثالث فهو الامام والقاضي الأزهري علي عبد الرازق، الذي بعد انقراض الخلافة بإستانبول عهد عبد الحميد الثاني وقيام الجمهورية العلمانية التركية، طرحت مسألة الزامية وجود خليفة للمسلمين على منوال الشيعة الذين جعلوا من الامامة ركن من أركان الإسلام. وطبعا قام رجال دين البلاط وضمنهم العديد من علماء الأزهر بترشيح الخديوي ملك مصر لهذا المنصب.

وندكر أن هناك من العلماء والمصلحين في البلاد العربية الإسلامية من رشح الأمير محمد بن عبد لكريم الخطابي نظرا أن طرح مسألة الخلافة أنداك تزامن والثورة الريفية المظفرة والتي بعثت روح الحماس والغيرة للانعتاق من براثين المستعمر الذي خيم بسيطرته على الشعوب العربية الإسلامية.

وكان رد الامام علي عبد الرازق مقنعا ومفعما، حيث خاطب المسلمين ألا يأخذهم أدنى حرج في دينهم، ان اعتبروا أن النبي محمدا كان رسولا وملكا على منوال داود وسليمان ويوسف بن يعقوب. وهذا الطرح مهم جدا لأنه لم يأتي من قبل أحد الملاحدة داخل أو خارج أرض الإسلام أو أحد العلمانيين المحدثين، وان كان ذلك حق من حقوقهم في إطار الدولة العقلانية الحديثة.

إن طرح الفك القاطع بين الدين والدولة وهذا مند البعث وخاصة قيام الدولة الإسلامية بيثرب بعد الهجرة اليها وحيث امتزج الروحي بالحكم الدهري وحق منذ دلك العهد قيام نقاش ضمني حول ما هو من حيز الايمان الروحي وما هو من حيز الشرائع الدهرية التي تدخل حير القوانين الوضعية والتي يلزم تطويرها مع تطور الأحقاب والمجتمعات.

وتأكيدا لهذا، الصراع الذي كاد يعصف بالدولة الإسلامية الناشئة بين الأنصار والمهاجرين وانتهى لصالح هؤلاء نظرا لما كان من قوة للعصبية القريشية التي استرجعت نفوذها بعد فتح مكة. والحدث الثاني هو الخلاف العقائدي التي حصل بين عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق عند مواجهة المرتدين.

رأي عمر كان أن الإسلام هو اظهار الايمان الروحي عبر الشهادتين، وحدانية الاه ونبوة محمد بن عبد الله كرسول. أما الصديق فكان يري الأمر غير ذلك وأدخل الزكاة ضمن الايمان بالنسبة للمسلمين والجزية لغيرهم ممن لم يدخل الإسلام وظل في حوزة دار الإسلام.

وانطلاقا من مفهوم الصديق الذي أقحم الشعائر الدهرية بالأيمان الروحي تولد فهوم الخلط بين الدين والدولة والنكبات التي عقبت ذلك من حروب الردة الي الثورة ضد الأرستقراطية الأموية والقريشة المدعمة لها ابتداء من حكم عثمان بن العثمان الأموي. وهكذا نرى أن الصراع حول الحكم تحت غطاء العقيدة الدينية ابتدأ مع ظهور الإسلام وكانت كل طائفة وضف الأحكام الدينية عبر خليط ما الروحي والوضعي وحسب تطور المجتمع ونوعية الصراع الاجتماعي والاستقرار الحضاري نراه هل تم طرحة عن طريق العقل أم عن طريق السيف أي العنف.

وطبعا يطول الحديث لذكر حروب علي ومعاوية والخوارج ضد علي وبني أمية و قيام دول الخلافة و الملك و الصراع السياسي و الفكري بين المذاهب و الطرق أساسه تسخير المعتقد للوصول الى السلطة عبر دعوة تؤول حسب غرضها و تخلق لضرورة ذلك فتاوى و شعائر.

أراد المعتزلة ومعهم جمهور الفلاسفة تغليب المنظور العقلي لمعالجة الأمور الدينية كمدخل لسيادة العقل ومدخل ذلك كان هو الإقرار بخلق القرآن وشاع ذلك في عهد الأمين والمأمون والمعتصم. والإقرار بخلق القرآن، لم يكن ولن يكن هو رفض الايمان الروحي، كما يذهب لذلك جمهور المتزمتة لمحاربة العقل، بل هو أساسا لفك الحصار المضروب على الدولة أي السياسي من قبل الدين أي قدسية الجانب الوضعي الشعائري في الأحكام الشرعية.

والآن ما الموقف من مقاطعة الحج؟ إذا أقررنا أن الايمان عكس ما يذب اليه الأصوليين بتقديسهم للشعائر الوضعية في الإسلام، أمكن القول إن الحج هو عادة كانت قبل وبعد الدعوة، وهي عادة موجودة منذ القدم عند مختلف الشعوب و الأمم عبر حضارتها و ليس خاصا بالإسلام. فالغرض منه كان أساسا سياسيا لدم ركائز الدولة، لأن الايمان الروحي في القلوب وليس في الحجارة وان غلفت بظاهرة القدسية. هذا الرأي قالت به الباطنية وهو من أسرار الصوفية كما باح به الحلاج حيث قال بما أن وجه الله حيث تولى الوجوه فلما يلزم وضعه في حجرة وان كانت الحجر السوداء بالكعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى