مجتمع

المغاربة أمام كارثة فعلية أمام فوات قطاعهم الصحي

فيما كان المواطنون المغاربة يلملمون جراحهم إثر فاجعة حادثة انقلاب قطار بوقنادل قبل أيام كان أنين إحدى الناجيات في مستشفى مولاي عبد الله بمدينة سلا المغربية دليلًا كبيرًا على كارثة أعظم تمس القطاع الصحي المغربي.

فرغم تعليمات العاهل المغربي بعلاج الضحايا المصابين، ورغم وصول السيدة السابقة إلى مستشفى دشن قبل شهور قليلة، إلا أن السيدة تركت دون رعاية صحية عاجلة، كما قال أقاربها. هذه المأساة الخاصة تزامنت مع حراك مستمر منذ عام تمخض عنه استقالات جماعية للأطباء وإضرابات منظمة واحتجاجات ضربت القطاع الصحي المغربي في العمق، وفاقمت من مشاكل المنظومة الصحية المغربية التي تعاني من تردي البنية التحتية وتدهور أوضاع العاملين في القطاع  الصحي العام.

وبناء على هذه النسبة فإن 9.6 ملايين مغربي من أصل 24 مليونًا يعانون من المرض النفسي وييفاقم معاناتهم نقص عدد الأطباء النفسيين في البلاد خاصة في القطاع العام. وتظهر الأرقام أنه يوجد في المملكة 290 طبيبًا نفسيًا يعملون في القطاعين العام والخاص ، 0.85 طبيب لكل 100 ألف نسمة، بل يصل عدد النفسيين المختصين في الأطفال لخمسة فقط،  ناهيك عن تأثير تدهور البنية التحتية على حياة المرضى، فالمغرب لا يتوفر فيه إلا  2238 سريرًا مخصصا للمرضى النفسيين، أي ما يمثل 0.67 سرير لكل 10 آلاف نسمة.

الأرقام السابقة نموذجَا واحدًا عن الوضع الذي يمر به قطاع الصحة في المغرب، والتي دفعت أكثلا من 450 طبيبا ا لتقديم استقالتهم خلال السنتين الأخيرتين، وبالاستعانة بالمزيد من الإحصاءات الرسمية يتضح أن نسبة الكثافة الطبية وشبه الطبية متدنية في المغرب، فنسبة الأطباء  لكل مواطن هي ستة أطباء لكل 10 آلاف نسمة بالمغرب، والأهم أن غالبية الأطباء الذين لا يفضلون العمل في المناطق النائية يتركزون في محور العاصمة، وذلك بنسبة أكثر من 45%، في حين 24% يعملون في الوسط القروي، ويؤدي هذا الوضع لانتكاسات عدة على صعيد أوضاع المرضى.

ويظهر تقرير حكيث للمجلس الأعلى للحسابات أن «المواعيد التي تعطى للمرضى في المستشفيات الحكومية، بخصوص الفحوص والعمليات الجراحية تتسم بكثير من التأخير الذي يصل شهورًا مديدة، فالمواعيد الطبية لمرضى الأنف والحنجرة تصل إلى 10 أشهر، ومرضى القلب الذين يعانون من مشاكل الأعصاب تصل أحيانًا إلى سبعة أشهر، ومرضى الغدد تصل الآجال الممنوحة من طرف المشافي الحكومية إلى ستة أشهر، وأما مرضى المفاصل فتصل إلى خمسة أشهر، بينما مواعيد جراحة الأطفال والرضع فتصل أحيانًا إلى شهرين». ويؤكد التقرير على أن التأخير يعود إلى: «ضعف تجهيز عدد من المستشفيات حتى في المدن الكبرى، وخاصة بشأن تخصصات جراحية دقيقة مثل جراحة المخ والأعصاب وغيرهما؛ إذ إن افتقار هذه المراكز للمعدات اللازمة يدفع إلى إرجاء المواعيد الطبية مددًا زمنية طويلة».

قول سيدة مغربية يرقد ابنها منذ شهر في المستشفى لتعرضه لكسر مزدوج في القدم، أنها «منذ أكثر من أربعة أسابيع تذهب وتعود إلى هذا المستشفى، على أمل أن يتكلف الأطباء بترميم عظم القدم لابنها، لكنها كل مرة كانت تسمع نفس الجواب بأن الأطباء المتخصصين قليلون ومنهمكون بعمليات أخرى، وبالتالي يتعين الانتظار»، وتضيف لـ«العربي الجديد»: «الصبر نفد وابني هنا لم يعد قادرًا على الانتظار أكثر من شهر، المصاب بكسور من المفترض أن يتلقى التطبيب في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، وليس أربعة أسابيع، وكل ما أعرفه أن طبيبًا وحيدًا يجري عمليات أيام الاثنين فقط».

الأطباء المسجلين في اللائحة المرفقة المزاولين بالقطاع العام بجهة الدار البيضاء سطات، أن نقدم استقالتنا»، هذا ما جاء في بيان الاستقالة الجماعية التالية التي سبقها استقالة 30 طبيبًا وقبلهم 50 طبيبًا آخر في قطاع الصحة بالمغرب.

 

احتجاجات الأطباء في المغرب

هذه الاستقالات تأتي في سياق خطة الإضرابات والاحتجاجات التي يخوضها الأطباء المنتمين لـ«النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام»؛ إذ شهد هذا العام وحده أكثر من 15 إضرابًا وطنيًا ووقفات احتجاجية تسببت في تعطيل الخدمات الطبية للمواطنين في المرافق الصحية العمومية. وجاء في البيان السابق  أيضًا، أن «الأوضاع التي يعيشها قطاع الصحة كارثية ولا تستجيب للشروط العلمية المعمول بها دوليًا، الأوضاع التي يعرفها قطاع الصحة في المغرب، لا ترقى لتطلعات المواطنين وحقهم في العلاج الذي يكفله لهم الدستور».

ويعاني القطاع العام  بسبب نقص الميزانية المخصصة للصحة، ويؤكد الأطباء  الذين يتقاضون  رواتب تقارب 7000 درهم (700 دولار) شهريًا، مقابل أجور مرتفعة لنظرائهم في القطاع الخاص أن  5% ميزانية لا تكفى القطاع الصحي، وهي نسبة تخالف نصت عليه المنظمة العالمية للصحة التي حددت احتياج القطاع الصحي لنسبة 10%، وقد تسببت هذه الأوضاع في تردي البنية التحتية في العديد من المستشفيات والمؤسسات الصحية المغربية، وجعلت الكثير منها متهالكًا. فيما يشكو الأطباء من الضغط على بعض الأقسام وعلى الموارد البشرية العاملة بها، واضطرار المرضى إلى شراء العديد من الأدوية والمستلزمات الطبية في هذه الأقسام،  و يطالب الأطباء المغاربة بتعويض مالي على أساس الرقم الاستدلالي 509 لكونهم حاملين لشهادات دكتوراه، وليس وفق الرقم الاستدلالي 336 الذي يجعلهم متساوين من ناحية التعويضات المذكورة مع حملة شواهد الإجازة.

القطاع الصحي الخاص  أيضًا انضم للاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من عام، فقد خاض أطبائه في سابقة أولى  إضراب عن العمل في أكتوبر الحالي، وهم يستعدون لإضرابات أخرى الشهر القادم، ويؤكد أطباء القطاع الخاص المغربي على أنهم يواجهون مشاكل وعراقيل مهنية واجتماعية، وأن القطاع الذي يتكلف بعلاج 67% من المرضى المغاربة بحاجة ماسة لتجويد خدماته لصالح الطبيب والمواطن قبله،  وتوفير الأجواء المهنية المناسبة لعملهم، والتعاون مع القطاع العام في سبيل تحقيق خدمة مميزة للمرضى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى