الرئسيةثقافة وفنون

منحنا فضاء لوزين أمسينة فنية صوفية حقا..الإعلامي عبدالعزيز كوكاس: ثريا الحضراوي صوت رائي بالمعنى الصوفي

الكوكاس
بقلم الاعلامي عبدالعزيز كوكاس

منحنا فضاء “لوزين l’uzine” أمسية فنية صوفية حقا، الفضاء البهي الذي اكتشفته لأول مرة لعائلة كريم التازي، المصمم بشاعرية لا تخطئها العين، امتلأ بدفء صوت الفنانة ثريا الحضراوي والإيقاع الموسيقي المصاحب للمبدع الفرنسي جان مارك مونتيرا، بالإضافة إلى نوعية الحضور الأنيق الذي أثث بهاء ليلة السبت بالدار البيضاء.

ثريا الحضراوي التي ترقص جسدها لخدمة الصوت والإيقاع، اسم يبصم على تنوع بهي في مجال غناء الملحون والموشحات، فهذه الفنانة القادمة من أحضان الفلسفة والصحافة في زمن الأحلام الكبرى، أخذتنا بأدائها المتميز إلى سماوات بعيدة، صوتها كان ترجمان القلوب الأصيلة، إنه صوت رائي بالمعنى الصوفي.. صوت بهي كأنه مغموس بتربة البلاد ببهاء كوني، ذلك الشجن الموجود في تلاوين مقامات صوتها فريد وجليل، نحس أنه صنع خصيصا للملحون والموشحات والغناء الصوفي..

الفنانة المبدعة ثريا الحضراوي

يعطي أداء ثريا الحضراوي هارمونيا شاعرية للكلمة واللحن، للقصيدة والإيقاع، حيث يغدوان لباسا لبعضهما البعض حتى أنا لا ندري ما الذي سبق إلى الوجود: الصوت أم النغمة، الكلمة أم لحنها، صوت الحضراوي يدوزن الكلمات والأشياء.

وأنا أستمع إلى أغاني ثريا الحضراوي، أحسست أني أستعيد دفء أيام النزاهة في المجمعات الحرفية التي شكلت عمق البنية الاجتماعية والفكرية المنتجة لفن الملحون في مدن اشتهرت بهذا اللون الغنائي الباذخ مثل فاس ومكناس وسلا ومراكش خاصة..

تجعلنا أغاني الحضراوي نستعيد الملحون والموشحات بصوت أنثوي مبهج، أضفى لمسة ساحرة على هذا الفن التراثي الذي أمدته ثريا بالكثير من الحياة وجعلته يقيم في روح العصر، بل منحته شهرة عالمية من خلال الحوار الموسيقي في تجاربها مع فنانين عالميين من روسيا وفرنسا وهولندا وغينيا وغيرها..

أما عازف الغيتار الفرنسي جان مارك مونتيرا الذي حمل كل مطبخه الموسيقى إلى قاعة التازي كما قال، فقد حول آلته إلى جوق سمفوني، جعل من آلة الغيتار عتادا موسيقيا مليئا بالغرابة، يضم البيانو والكمان والدف وغيره، فهذا الموسيقي الطليعي المبهر عشق التجريب منذ السبعينيات حيث خاض تجربة المصاحبة مع عدد كبير من الموسيقيين المتميزين. (أندريه جاومي، إيف روبرت، لورين مازاكاني كونورز، ثورستون مور، لويس سكلافيس…)، ومع فنانين قادمين من حقول عديدة من الشعر إلى التشكيل والمسرح والرقص، عرف بمنظم الضجيج أو خالق إيقاع الضوضاء، وأعتبره مروض الإيقاعات النشاز بامتياز، أذهلنا بقدرته على السفر في لغات وأصوات مختلفة.. وكيف كان يترجم ما كانت تغنيه ثريا بآلته العجيبة.

ألبوم ثريا الحضراوي الجديد يؤشر على تجربة فنية باذخة، فيها مغامرة التجريب، حوار موسيقي بين الموشحات ومصاحبة موسيقية مغايرة، ثقافتان تتحاوران، لغتان وتجربتان وحساسيتان تتناغمان في حوار جميل ومتميز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى