الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

الراهبة حافية القدمين التي باتت من أكثر عازفي البيانو تميزاً في التاريخ..رحيل ملكة الجاز إيماهوي+ فيديو

هذا المقال يُضيئ مشوار عازفة البيانو الشهيرة إيماهوي تسيغي، التي رحلت عن عالمنا قريبا، ويكشف لنا مكمن عبقريتها الموسيقية. المقال الأصلي بقلم: جون لويس، 28 مارس 2023 (theguardian.com)، رحيل ملكة الجاز | ترجمة: زاهر السالمي، نشر في مجلة قناص الثقافية.

 

إيماهوي التي توفيت عن عمر يناهز 99 عاما، كانت موسيقية مدربة بشكل كلاسيكي وفتاة مجتمع تحولت نحو الإيمان، وطورت أسلوبا في العزف لا مثيل له

موسيقا عازفة البيانو الإثيوبية إيماهوي تسيغي مريم غيبرو، تعكس كل مجال من مجالات حياتها غير العادية. كانت ابنة الطبقات العليا في أديس أبابا منغمسة في الأغنية التقليدية الإثيوبية، ثم تدربت على الكمان الكلاسيكي والبيانو، وتبنَّتْ موسيقى الجاز المُبكّرة، ثم أخذت موسيقاها لاحقاً سياقاً روحياً. لذلك كانت مؤلفاتها مزيجا غريبا من بيانو أواخر الثلاثينات، والإنجيل والراغتايم والموسيقى الشعبية الإثيوبية والتقاليد الكورالية للكنيسة الأرثوذكسية في البلاد. أنتجت هيئة الإذاعة البريطانية فيلما وثائقيا إذاعيا عن مؤلفاتها بعنوان: راهبة الأشياء الوضيعة ، ويبدو أنه يلخص الطبيعة المتناقضة لموسيقاها – مزيج من الفن العالي والهابط، المقدس والمدنس، التدوين الدقيق والارتجال الحر.

لولا عالم الموسيقا الفرنسي فرانسيس فالسيتو (Francis Falceto) لربما ظلت إيماهوي غير معروفة للعالم الخارجي. عمل فرانسيس فالسيتو في 2006 على إصدار ألبوم من تسجيلات أستوديو موسيقا بوذا (Buda Musique)، وكان جزءا من سلسلة ألبومات تجمع الموسيقى الإثيوبية بعنوان إثيوبيون (Éthiopiques). كانت السلسلة بمثابة إلهام، حتى لكثير من الناس الذين اعتقدوا أنهم على دراية بأفضل موسيقا في إفريقيا. بينما توجد بعض الآلات والإيقاعات والمقاييس والأصوات التي تشترك فيها عدة مناطق مختلفة في جميع أنحاء القارة، غير أن الموسيقا الإثيوبية تقف متميزة ومنفصلة عن أي شيء في البلدان المجاورة.

إيماهوي تسيغي؛ سلسلة إثيوبيون، أستوديو موسيقا بوذا (Buda Musique)

كان أشهر معاصري إيماهوي تسيغي ومواطنيها الذين ظهروا أيضا في سلسلة إثيوبيون، موسيقيي الجاز والفانك مثل مولاتو أستاتكي (Mulatu Astatke) وهايلو ميرجيا (Hailu Mergia) ومحمود أحمد. مزيجهم من الإيقاعات المفككة والغناء المُغْوي مع نغمة wah-wah المتكررة على الغيتار، لا يزال مصدر سحر إلى يومنا. كانوا يستخدمون سلسلة من المقاييس الخماسية (kignits)، والتي هي اللبنات الأساسية لجميع الموسيقا الإثيوبية، بدءاً من الأناشيد الليتورجية القديمة إلى الأغاني الشعبية وموسيقا البوب غير التقليدية. هذه المقاييس المكونة من خمس نغمات متشابهة، تختلف تماما من الناحية الموسيقية عن المقامات العربية أو الأنماط الهندية. لذلك تجد في الموسيقا الإثيوبية أسماء كـ (anchihoye, tizit, bati)، وكل واحد من هذه الأنواع يحتوي على اختلافات موسيقية رئيسية وثانوية، البعض مثل ambassel ليس لديه ثلث ثانوي أو رئيسي على الإطلاق، وبالتالي يولّد شعوراً غامضاً ومفتوحاً بشكل رائع. عزف إيماهوي تسيغي على البيانو يتلاعب بهذه الأنماط الموسيقية لجذبنا وتنويمنا مغناطيسيا، مثل ساحر الثعابين مع ناي القصب الهندوسي. لكن تسجيلات إيماهوي بالبيانو المنفرد المتقشف لم تتناسب كثيرا مع نطاق موسيقى الجاز. كانت مؤلفاتها عبارة عن قطع موسيقية غريبة وفخمة وشاذّة بشكل مُبهج في مكان ما بين كيث جاريت (Keith Jarrett)، وإريك ساتي (Erik Satie)، وسكوت جوبلين (Scott Joplin)، والبروفيسور لونجير (Professor Longhair)، مثل معزوفة المتشرد الهائم (Wanderer Homesickness)، والحنين إلى الوطن (Homesickness)، وحُبُّ الأم (Mother’s Love). العديد من هذه القطع مألوف الآن لكثرة استخدامها في الإعلانات التلفزيونية.

جميع عازفي البيانو المرتجلين يحاولون “ثني” النوتات بطريقة ما، لكن كان لدى إيماهوي تسيغي طريقة مميزة جدا للقيام بذلك. أسلوبها المميز على البيانو موزون ودقيق. لم تكن تُداخل المفاتيح أو تنزلق بينها أو تسحقها مثل عازفي بيانو البلوز أو الـ بوجي وجي (boogie-woogie)، ولكنها بدلا من ذلك لعبت ترديدات هشَّة للغاية أعطت انطباعاً برفع وخفض نغمة النوتة، انتقالات موسيقية ملتوية ومُتَّقنة تماماً مثل التي ربما يكون باخ قد ألَّفها بدقة. موسيقاها غالبا لا تأخذ باعتبارات الإيقاع الصارمة، حيث تُبْطأ ثم تتسارع بشكل عشوائي تقريباً. في بعض الأحيان كانت تستخدم الكثير من إيقاع الروباتو (rubato ) لدرجة أن الأغنية التي تبدأ في وقت الفالس ستنتهي في 4/4.

كانت هذه الموسيقى نتاج حياة درامية غير عادية. والدها، الدبلوماسي الذي تلقى تعليمه في أوروبا وعمدة غوندار، كينتيبا جبرو ديستا، كان يبلغ من العمر 78 عاما عندما ولدت، مما يجعلها على الأرجح الشخص الوحيد على هذا الكوكب على قيد الحياة في عام 2023 مع أحد الوالدين مولود في عام 1845. إيماهوي تسيغي الشابة كانت فتاة مجتمع ساحرة، تلقت تعليمها في مدرسة داخلية سويسرية وتتحدث عدة لغات بطلاقة. أخذت دروسا في البيانو والكمان في معهد كلاسيكي بالقاهرة، تحت إشراف عازف الكمان البولندي ألكسندر كونتوروفيتش (Alexander Kontorowicz)، وغمرت نفسها في موسيقى باخ وبيتهوفن وبرامز وشومان. عند عودتها إلى أديس أبابا، بدأت في كتابة مؤلفاتها الخاصة، وساعدت كونتوروفيتش عندما قاد فرقة الحرس الإمبراطوري في بلاط هيلا سيلاسي. ما زالت تتذكر عزفها للإمبراطور مقطوعات البيانو المنفردة وغناءها باللغة الإيطالية.

عُرض عليها في عام 1948 مكان في الأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن لكنها لم تقبل العرض، وبدلا من ذلك فاجأت أقرانها بالعيش – حافية القدمين- في دير خارج أديس أبابا، مستجيبة للنداء المقدس. بحلول أوائل الستينات بدأت العزف على البيانو مرة أخرى، وأصبحت تسجيلاتها بين 1963 ومنتصف السبعينات أساسا لعقيدتها. انتقلت في عام 1984 إلى دير أرثوذكسي إثيوبي في القدس.

قبل بضعة أشهر فقط، اكتشفت شركة Mississippi Records الأمريكية مخبأً آخر للتسجيلات التي قامت بها في السبعينات، والتي سيتم إصدارها قريبا كألبوم جديد يسمى القدس. يُظهر هذا الألبوم جانبا آخر من شخصيتها. المعزوفة المعنونة بـ عندما البحر هائج (Quand La Mer Furieuse) تغنيها بلغة فرنسية مرتجفة في ارتجال بسيط على بيانو. معزوفتها الرثائية كارثة المجاعة (Famine Disaster) في 1974، تبدو وكأنها عازفة بيانو حانة شعبية في الطرف الشرقي من لندن (cockney pub) تعزف ترنيمة حزينة مفجعة. هناك أيضا الكثير من التعقيد الإيقاعي (الهارموني) في ألبوم القدس؛ تُغير الوضع في منتصف الأغنية وتعدل إلى عدة مفاتيح قبل القرار. في معزوفة منزل بيتهوفن (Home of Beethoven)، تزاوج بين سلسلة من الإيقاعات غير المنتظمة (arrhythmic chromatic riffs) لخلق شرود عصري مُبهج.

وفقاً للتقارير؛ وحتى وقت قريب كانت إيماهوي لا تزال تتدرب كل يوم على بيانو عمودي الأوتار في ديرها، وتكتب مواداً جديدة، ربما ستظهر بعض هذه الأغاني، بشكل فريد مثل البقية.

المصدر: مجلة قناص – موسيقا – إيماهوي تسيغي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى