سياسة

تقرير: ماذا يريد الملك من افريقيا؟

في السنوات القليلة الأخيرة، تسارعت وثيرة اندماج الاقتصاد المغربي في دول افريقيا جنوب الصحراء، من خلال التدفق القوي للاستثمارات المغربية في المنطقة، خاصة في القطاع المصرفي، وقطاعات التأميم والتصنيع والاتصالات.

تسارع اقتصادي، قالت عنه جريدة ’’ساسة بوست‘‘ الالكترونية، في تقرير مطول لها، إنه ثمرة مسار طويل أعاد المغرب من خلاله تقويم المنافع والخسائر المترتبة عن أولويته السابقة، المتمثلة في السعي إلى إقامة علاقات تجارية واستثمارية مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.

وتساءلت الجريدة في مقالها، عن ما يريد الملك محمد السادس من توجيه البوصلة نحو افريقيا جنوب الصحراء.

الملك محمد السادس يحل بأبيدجان للمشاركة في القمة الإفريقية الأوروبية
الملك محمد السادس يحل بأبيدجان للمشاركة في القمة الإفريقية الأوروبية

وجوابا على هذا السؤال، رصدت ’’ساسة بوست‘‘ في تقريرها أهم المحطات والاستثمارات التي قام بها المغرب، قبل أن تربطها بمحاولة المغرب فرض حصار اقتصادي على ’’البوليساريو‘‘ والضغط على الجزائر في أفق كسب رهان القضية الوطنية.

كيف تحول المغرب لأكبر مستثمر في القارة الإفريقية:

في محاولة لتعزيز النفوذ المغربي الذى بات حاضراً بشكل كبير فى كثير من العواصم الإفريقية، والذى يتنوّع بين استثمارات بملايين الدولارات وعلاقات دبلوماسية نافذة مع قادة هذه الدول، تحاول من خلال ذلك المملكة، زيادة نفوذها وحضورها السياسيّ في القارة السمراء، خصوصًا في منطقة القرن الافريقي الذي بات يشغل اهتمام الكثير من اللاعبين الإقليميين.

وفي هذا السياق، يقول تقرير ’’ساسة بوست‘‘ حصلت دولة جنوب السودان،  على 5 مليون دولار من المملكة المغربيّة، من أجل تمويل التخطيط الأوليّ لعاصمتها الجديدة ’’رامشيل‘‘ التي ستشرع في بنائها، وذلك بعدما أكّد المغرب تمويله الكامل لبناء عاصمة جديدة للدولة الأفريقية، ولا يُعد تكفّل المغرب بتمويل بناء عاصمة جديدة لجنوب السودان توجّهًا استثنائياً بالنظر إلى استراتيجية البلد العربي نحو التوسّع في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، حيث زار الملك محمد السادس ما لا يقل عن 14 بلداً افريقياً منذ أكتوبر 2016، وتنوّعت استثماراتها بمنطقة غرب ووسط القارة بين قطاعات الاتصالات، والمصارف، والتأمين، والعقار، والبناء، والنقل الجوي، والمعادن، والكهرباء، والصحة، والصيدلة، والتجارة، والصناعة، والأسمنت، فيما تستورد المغرب من إفريقيا نحو نصف احتياجاتها من الغاز وباقي المشتقات النفطية.

شركات كبرى تستقر بدول افريقيا

 وتتواجد الاستثمارات المغربيّة في عدّة دول أفريقيّة، من بينها رواندا، التي شملت بناء مصنع مساحته 10 آلاف متر مربع سيبدأ تشغيله في العام 2019، وتشييد نحو 5 آلاف  وحدة للسكن الاجتماعي في العاصمة الرواندية كيغالي باستثمار يفوق 62 مليون أورو.

كما يشارك المغرب دولة نيجيريا في تدشين مشروع خط إقليمي لأنابيب الغاز يربط موارد الغاز لنيجيريا بأسواق العديد من بلدان غرب أفريقيا والمغرب، فيما قدّرت النسخة 16 من التقرير الذي صدر عن البنك الإفريقي للتنمية في اجتماعه السنوي 52 عن «الآفاق الاقتصادية في إفريقيا»، الصادر سنة 2017 أن حجم استثمارات المغرب في القارة الإفريقية  يبلغ نحو 8 مليارات دولار وذلك خلال عامي 2015-2016.

كما تتواجد كبرى الشركات المغربية في كافة الدول الإفريقية كالمكتب الشريف للفوسفاط، المتواجدة في إثيوبيا من خلال مصنع ضخم بقيمة 3.7 مليارات دولار. وتُخطط المغرب لإنشاء 14 شركة تابعة له في نيجيريا، وإثيوبيا، وغانا، وكينيا، وموزامبيق، وزيمبابوي، وزامبيا، وتانزانيا، وأنغولا، والكونغو الديمقراطية، وبنين، والكاميرون، والسنغال وساحل العاج ، مستغلا توجه هذه الدول للزراعة الحديثة.

مجال التعليم هو الآخر كان أحد أسلحة المغرب الناعمة لاختراق القارة الأفريقية، إذ يقدّم المغرب منحا دراسية لآلاف الطلاب الأفارقة لمتابعة الدروس الجامعية في الجامعات ومعاهد التعليم العالي المغربية، كما يدرّب عناصر الجيش في مدارسه الحربية ورجال الدين في أكاديمية الإمام الشهيرة.

وقد شكلت الخبرة المغربية فى مواجهة التنظيمات المتشددة أحد عوامل تعزيز التعاون مع إفريقيا؛ خصوصاً فى ظل انتشار التنظيمات المتطرفة فى جنوب إفريقيا، ومحاولة المملكة المغربية تقديم خبرتها ووسائل مكافحتها بعدما ارتفعت مخاطرها من الناحية الأمنيّة أو المُجتمعيّة.

كما توسع المغرب فى الاستثمارات من خلال شركة كوماناف للنقل البحري والخطوط الملكية المغربية، فضلاً عن البنوك المغربية وبالأخص البنك التجاري (وفا)، بالإضافة إلى الفرع الأفريقي للبنك المغربي للتجارة الخارجية، الذي فتح فروعا في أغلب دول غرب أفريقيا.

كما يمثل القطاع المصرفي 52% من التواجد المغربي بأفريقيا، بأكثر من 500 فرع لبنوك مغربية منتشرة في معظم المدن والعواصم الإفريقية، يليها قطاع الاتصالات بـ 26%.

عودة العلاقات الدبلوماسية الافريقية:

وكان التحول الأكبر في علاقة المغرب مع دول إفريقيا فى عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وجنوب إفريقيا بعد قطيعة دبلوماسية دامت 13 سنة نتيجة اختلاف الرؤى بشأن قضية الصحراء الغربية، وذلك عقب لقاء العاهل المغربي محمد السادس بنظيره الجنوب إفريقي جاكوب زوما، فى دجنبر العام الماضي، على هامش مشاركتهما في أشغال القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي.

وقد توج هذا التحرك الدبلوماسيّ المكثف من جانب المغرب في الانضمام للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكوواس) بعد تقدمها بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية في 24 فبراير  2017. وقبلها عودة المغرب الناجحة إلى الاتحاد الأفريقي في 30 يناير 2017 بعد 33 عاما من تجميد عضويته في الاتحاد الإفريقي.

أولويات المغرب في أفريقيا: حصار ’’البوليساريو‘‘ والضغط على الجزائر

يرتبط توسع المغرب في الاستثمارات داخل البلدان الأفريقية بأكثر من هدف يحاول تحقيقه من وراء هذا التوسع والعلاقات الدبلوماسية النافذة، يؤكد المصدر ذاته، وأحد أهم هذه الأهداف هو محاولة استخدام هذا النفوذ فى تغيير مواقف الدول الأفريقية تجاه ’’جبهة البوليساريو‘‘ في الصحراء، بعدما اعترفت غالبية الدول الأفريقية بها سابقًا.

ولا تنفصل زيارة الملك محمد السادس وتعهد المغرب، بتمويل بناء عاصمة جديدة لجنوب السودان عن قضية الصحراء،  خاصة بعد استقبال مسؤولين من جنوب السودان  في العام 2011 مسؤولين من ’’جبهة البوليساريو‘‘ تلا هذا الاستقبال، اعتراف جنوب السودان ب ’’البوليساريو‘‘، وقبولها بأن تفتتح مقرًا لها في جوبا.

وتمكن هذا الحضور المغربي، خلال العامين الأخيرين من اختراق مواقف الدول الداعمة للجبهة، وتبني الطرح المغربي بحل أزمة النزاع في الإقليم من خلال مقترح الحكم الذاتي، وهو ما انعكس فى تغيير مواقف العديد من الدول وتبنى الموقف المغربي مثل السنغال وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى والجابون والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.

كما يرتبط تعزيز الحضور المغربي في القارة الأفريقية من أجل منافسة النفوذ الجزائري، خصوصًا بسبب التحركات الجزائرية من أجل انتزاع اعتراف الدول الأفريقية باستقلال الصحراء، وهو ما نجحت فيه قبل الحضور المغربي المُكثف في أفريقيا، والذي حاولت الجزائر مجابهته عبر تصريحات مسؤوليها، حيث صرح وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل في مداخلة له في منتدى جامعي،  تزايد الاستثمارات المغربية في أفريقيا في السنوات الأخيرة، بالمهام غير قانونيّة تنفذها المصارف المغربية من خلال تبييض الأموال الناجمة عن الاتجار بالمخدرات. وقال: ’’المغرب يعني تبييض أموال الحشيش‘‘، مضيفا ’’العديد من القادة والزعماء الأفارقة يعرفون هذا الأمر ويقرون به‘‘.

كما ربط بين نشاط حركة الخطوط المغربية في أفريقيا وبين أدوارها غير القانونية، قائلًا: ’’ إن الخطوط الملكية المغربية  تقوم بنقل أشياء غير الركاب، وهذا يعلمه الجميع. لسنا المغرب، نحن الجزائر. لدينا إمكانات، لدينا مستقبل. نحن بلد مستقر‘‘.

ولم تكتف الجزائر لمجابهة نفوذ المغرب السياسي فى أفريقيا بهذه التصريحات الرسمية فقط، بل روجت على المستويات الرسمية باستغلال المملكة لهذا التعاون الاقتصادي مع القارة الأفريقية لخدمة مصالح الغرب من خلال فتح الأسواق لمنتجات الشركات المتعددة الجنسيات من أجل التصدّي للنفوذ الصيني، وذلك في محاولة لدفع الدول الأفريقية لوقف هذا التعاون.

افريقيا بديل عن فشل العلاقات التجارية مع اوروبا

أما المحدد الثالث لتعزيز الحضور المغربي في غرب أفريقيا، يضيف التقرير ذاته، هو فشل تجربته في إقامة علاقات تجارية واستثمارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي كانت تعول عليها في أعوام 2006 إلى 2008 ، فضلًا عن ارتفاع خسائر القطاعات الأساسية – كالتجارة، السياحة، التحويلات، الاستثمارات – القائمة على التعاون مع أسواق أوروبا بعد اندلاع أزمة منطقة اليورو في العام 2007.

ويرتبط بالمُحدد الثالث بشكل أخص كذلك الرغبة المغربية فى أن يتحوّل إلى مركز للتجارة والإنتاج قادر على الربط بين الكتل التجارية في أوروبا وأمريكا وأفريقيا جنوب الصحراء، مستفيدًا من بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء عن الأسواق الأوروبية، وما يترتب عليه من صعوبة الوصول إلى أسواقها.

وحسب بحث صادر عن مركز «كارنيجي» للأبحاث والدراسات السياسية، فإن توجيه البوصلة نحو أفريقيا هو ثمرة مسار طويل أعاد المغرب من خلاله تقويم المنافع والخسائر المترتّبة عن أولويته السابقة المتمثلة في السعي إلى إقامة علاقات تجارية واستثمارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى