الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

اعتبر نقيض الأدب الروسي ومفكك أوربا..الأدب العالمي يفقد أحد وجوهه بوفاة كونديرا

رحل الكاتب التشيكي الفرنسي الشهير ميلان كونديرا بعد معاناة طويلة من المرض، عن 94 عاما وفق ما أعلنت الأربعاء الناطقة باسم "مكتبة ميلان كونديرا" في مدينة برنو التشيكية، حيث وُلد مؤلف "وجود لا تُحتمل خفّته".

كونديرا الذي ولد تشيكيا جرد من جنسيته الأساسية، ثم استعادها بعد 40 عاما، لكنه يحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 1981، وكان من أشد الروائيين باللغة الفرنسية تأثيرا في العالم.

 

صدرت لكونديرا عندما كان لا يزال تشيكيا روايتان هما “الدعابة” التي أشاد بها الشاعر الفرنسي أراغون و”غراميات مرحة” (Smesne lasky) عام 1968، تضمنتا تقويما مريرا للأوهام السياسية لجيل انقلاب براغ الذي مكّن الشيوعيين عام 1948 من الوصول إلى السلطة.وأصبح كونديرا من المغضوب عليهم في بلده بعد ربيع براغ، فغادره إلى فرنسا عام 1975 مع زوجته فيرا التي كانت نجمة في مجال تقديم البرامج على التلفزيون التشيكي.

وقبل 3 أشهر فقط باتت نحو 3 آلاف نسخة من كتب كونديرا متوفرة في مكتبة جديدة بمدينة برنو بعد أن كانت محفوظة في شقة “منفاه الباريسي”.

كان في السابق شيوعيا لكنه كان حرا…

سبق وكان كونديرا شيوعيا، غير أنه كان صاحب فكر حر، تعمق الخلاف تدريجيا بينه وبين السلطات التشيكوسلوفاكية، واتخذ قرارا بالانتقال للعيش خارج بلده بعد سحق حركة “ربيع براغ” الإصلاحية عام 1968 بتدخل من الاتحاد السوفياتي.

قال عنه الشاعر والكاتب المغربي عبدالرحيم الخصار في “اندبندنت العربية”: “امتلك ميلان كونديرا بروايات قليلة، قياساً إلى عمره الذي ناهز تسعة عقود ونيفاً، قاعدة عريضة من القراء، أغنته عن الاعتبار الذي كان يستحقه من لدن المؤسسات الثقافية الكبرى في العالم، وفي مقدمها الأكاديمية السويدية، مانحة جائزة نوبل.

واضاف الخصار، “لقد استطاع صاحب رواية “الخلود” بدأبه وإصراره وممانعته واشتغاله الأدبي المضني والدقيق، أن يفتح لنفسه في حياة الإنسانية باباً من أبواب الخلود. لنقل إن كونديرا بدأ شاعراً شيوعياً كتب قصائد في الافتتان بالشيوعية، وفي مديح ستالين وقائد المقاومة الشيوعية يوليوس فوجيك، لكنه خرج من غرفة الشعر باكراً ومن بيت الأدب الأيديولوجي عموماً، واتجه إلى أرض الرواية ليبدع أعمالاً عرفت قدراً هائلاً من الانتشار والتداول. أدخل الموسيقى والفلسفة والسياسة والتاريخ إلى الرواية الحديثة كعناصر تؤدي وظيفة الإثراء وتعطي قيمة إضافية لأدبية النص. والتف القراء والمحبون حول أعماله بشكل لافت، وظلوا ينتظرون كل عام أن يقترن اسم كاتبهم الأثير باسم جائزة نوبل”.

ينتقد الكثيرون كونديرا ويأخدون عنهأنه و منذ انتقاله إلى فرنسا انه ابتعد عن مواطنيه (التشيكيين) وعن معارضي النظام الشيوعي، بل اتهمته  مجلة تشيكية عام 2008 بأنه كان مخبرا للشرطة خلال النظام الشيوعي، وهو ما وصفه بأنه “محض أكاذيب”.

ورفض كونديرا -الذي انتظر حتى عام 2019 ليستعيد جنسيته التشيكية- ترجمة كتبه الصادرة بالفرنسية إلى لغته الأم.

لكن كوبيتشيك شدد على أن انفصال كونديرا المزعوم عن وطنه لم يكن سوى “أسطورة تشيكية كبيرة، ليس إلا”، وقال “عندما ينتقد الفرنسيون كونديرا يتحدثون عن رواياته، فيما كل النقد (في التشيك) لا يعدو كونه ثرثرة، الناس هنا لا يتحدثون عن نصوصه أو أفكاره، سيكون رائعا أن تؤدي المكتبة إلى تغيير” هذا الوضع.

“ميلان كونديرا وفن الرواية وأوروبا الوسطى”

ضمن سلسلة فكرية أطلقها الكاتب والصحافي الثقافي حسونة المصباحي صدر في تونس قبل عامين كتاب “ميلان كونديرا وفن الرواية وأوروبا الوسطى”، ويحاول مؤلفه ومترجم مواده أن يقدم فيه الروائي والناقد التشيكي الشهير ميلان كونديرا.

يرى المصباحي في بداية الكتاب أن ميلان كونديرا لم يكن يقدم جديدا مثيرا حتى عندما كان يصدر روايات في منفاه الفرنسي، ويعد أن تجربته الإبداعية ارتبطت بفضح الشيوعية، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي لم يعد “يملك ما يثير الاهتمام، وحتى الروايات التي كتبها بلغة موليير (الفرنسية) لم تتخلص من تبعات الحقبة الستالينية”.

واعتبر المصباحي أن النقاد الفرنسيين الكبار كانوا يتجاهلون رواياته الأخيرة، واستشهد بالروائي الفرنسي بيار أسولين الذي ذهب إلى أن الروايات الأخيرة لكونديرا دليل على أنه أصبح “يفكر بشكل سيئ”.

لكن المصباحي يقر بأن كونديرا رغم ذلك نبغ في سنواته الأخيرة في فرنسا كناقد من خلال مؤلفاته “فن الرواية”، و”الوصايا المغدورة”، و”الستارة”، تلك الكتب التي خصصها للرواية الأوروبية من رابليه وسارفنتس إلى فرانز كافكا وهرمان بروخ، وقد أبانت عن موسوعية ثقافته بالرواية والموسيقى والفلسفة والتاريخ، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت كتبه كمال الرياحي.

وينطلق كونديرا دائما من السياق الأوروبي، فـ”هذا السياق هو الذي يقول لنا لا ما قدمته الرواية للشعب، وإنما ما قدمته للفن الروائي بصفة عامة، وما المظاهر غير المستكشفة للوجود التي تمكنت من أن تضيئها، وما الأشكال الجديدة التي ابتكرتها”.

يواصل المصباحي بقوله، فالرواية -حسب رأيه- بحث عن وجود جزر وجودية جديدة وأشكال قول جديدة وطرح أسئلة جديدة، وتعليم “القارئ أن العالم سؤال”، ويبني نظريته على حكمة خروج دون كيخوته لمواجهة العالم، لم يكن الفارس دي لامنشيا سوى حزمة من الأسئلة خرجت في وجه العالم تحرج “يقينياته ومسلماته المقدسة”، ففي ظل هذه اليقينيات والحقيقة المقدسة -حسب كونديرا- “تموت الرواية”، أي أن الرواية لا يمكن أن تعيش إلا في الشك وفي عالم النسبية المطلق كما سبق أن أكد ذلك في كتبه الأخرى.

ويرى كونديرا عالم اليوم عالما غير روائي، لانحسار السؤال فيه، فالكل يجيب ولا أحد يسأل.

في فصل بعنوان “الغرب مختطفا أو تراجيديا أوروبا الوسطى” يورد كونديرا موقفا غريبا من الأدب الروسي، إذ يقرنه بالسوداوية والجنون، وفي مقابل ولعه بالأديب الفرنسي دنيس ديدرو يصرح بموقف مفاجئ من دوستويفسكي، فيقول أنا لست كاتبا من الشرق، وبراغ هي قلب أوروبا.

ويضيف “بالنسبة لدوستويفسكي أنا لا أنكر عظمته، وإنما أرغب فقط في التعبير عن نفوري الشخصي منه، وهذا النفور فاجأني أنا نفسي، وقد انتبهت إلى أن العالم الروسي الهستيري ونزوعه إلى الجنون وإلى الرغبة في التألم وإلى النزول إلى ظلمات الأعماق غريب عني، لذلك أحسست أني أمرض عندما أقرأ مثل هذا الأدب، وقد بحثت عن دواء ولم أجد هذا الدواء إلا عند ديدرو، كانت السنوات التي قرأت فيها الأدب الروسي من أشد سنوات حياتي تعاسة وشقاء”، ويرى كونديرا أن الأدب الفرنسي هو من أنقذه من ذلك المرض الذي عذبه كثيرا.

و يقول كونديرا،دائما حسب تقرير للجزيرة، إن هوية شعب وحضارته تنعكسان وتتلخصان في مجموع الابتكارات الروحية التي نسميها عادة “ثقافة”، فإذا كانت هذه الهوية مهددة بشكل خطير فإن الحياة الثقافية تزداد حيوية ونشاطا وقوة لتتحول الثقافة إلى قيمة حية من حولها يتجمع الشعب.

ويمضي كونديرا في تفسير ذلك عبر ربط الفكرة بقصة ربيع براغ الذي رآه نتاج حركة ثقافية أساسها المسرح والسينما والفلسفة والأدب، فهذه التعابير الثقافية هي التي مهدت لحدوث هذا الربيع، فـ”كان منع مسرحية لميكيوفيتش -وهو شاعر بولندي رومنسي- سببا في اندلاع انتفاضة الطلبة”، وهذا الذي قاد انتفاضات أوروبا الوسطى وأضفى عليها الجمالية الفاتنة.

لكن كونديرا لا ينكر أن هذه الانتفاضات ذات الأصول الثقافية لا تعترف شعوب أخرى بأنها ثورات “أصيلة وشعبية” ويرتاب فيها الفرنسي والألماني باعتبارها انتفاضات مصطنعة أو مسقطة، فـ”الثقافة والشعب لا يتعايشان ولا ينسجمان”، لكن ذلك أيضا مرتبط بصورة عن المثقفين باعتبارهم “نخبة من أصحاب الامتيازات”، وهذا ما يرفضه كونديرا، ويرى أن ربيع براغ مثلا كان الوحدة الأكثر اكتمالا والأشد تنظيما بين الشعب وتراثه الثقافي المهمش والمقموع والمهمل والمضطهد في البلاد.

نعته المجلة، على لسان محمد اي سمرا، بقولها: قد يُكنِّي رحيل ميلان كونديرا عن عالمنا (أمس الأربعاء 12 يوليو/تموز الجاري) كناية رمزية عن أن الرواية مستمرة في احتضارها حسب الراحل الكبير، بعدما جرى استسهالها كتابة ونشرا في الأسواق الثقافية العالمية كلها.”

ولد ميلان كونديرا في 1 أبريل 1929 في بوهيميا التشيكية، لأب عالم في الموسيقى. وشأن كثيرين من فتيان وشبان جيله المحلّقين في سماوات غنائية شبابهم المجنحة العمياء، انتسب إلى الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي سنة 1948، لكنه سرعان ما طرد منه سنة 1950، بسبب إصراره على حرية الفرد. ولربما كانت تينك السنتين الطويلتين كافيتين لتطبعا مزاج الروائي ميلان كونديرا وتفكيره طوال حياته. وبعدما شهد انتفاضة “ربيع براغ 1968” على النظام الشيوعي وبشاعته في مدينته ومدينة روائيِّه المفضل كافكا، وشهد إخمادها بالدبابات السوفياتية، فرّ هاربا إلى العاصمة الفرنسية سنة 1975. وكونديرا لا يبرِّئ ذاك الربيع البراغي من غنائية الشباب الطائشة على ما يُستشف من روايته “خفة الكائن التي لا تُحتمل”.

وفي باريس تخلّى كونديرا عن جنسيته التشيكوسلوفاكية ولغته التشيكية – كتب بها “غراميات مرحة”،”المزحة”، “كتاب الضحك والنسيان”، “الحياة في مكان آخر”، “فالس الوداع”، “خفة الكائن التي لا تحتمل” – وحمل الجنسية الفرنسية، وتحوّل إلى الكتابة بلغة فرانسوا رابليه (توفى في 1553). وذلك إصرارا منه على تطليقه القاطع “هويات الولادة” والإرث والأهل والموطن وثقافاتها ولغاتها الواحدة التي لا تقلّ عن الإقامة في سجن، شأن الانتماء إلى الأحزاب الشمولية.

المصدر: وكالات جرائد الكترونية الجزيرة أندبندنت عربية والمجلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى