الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

في الحديث عنها بالمغرب يوجد الحنين والنوستالجيا ..مدن بدون قاعات سينما مدن مبتورة الروح+فيديو وصور

تعيد “دابا بريس” باتفاق معه نشر هذا المقال لكاتبه صاحب صفحة “سينما فقط” سليمان الحقيوي، وهو المقال الذي نشر في 20 ماي 2023

 

بقلم سليمان الحقيوي الكاتب ولبناقد السينمائي

ينتهي كلّ حديث عن قاعات السّينما في المغرب إلى نقطتين أساسيتين؛ ترتبط الأولى منهما بحالة الحنين والنوستالجيا وبكاء الزّمن الجميل الذي كانت تمثّله قاعات السينما كحالة طقوسية خاصة؛ حين ظلت لفترة طويلة المصدر الوحيد للتّرفيه في مختلف مدن المغرب قبل زحف جهاز التلفزيون ومن بعده أشرطة الفيديو VHS وصولا إلى منصات المشاهدة اليوم؛ فكان كلّ وسيط جديد يجتزء لنفسه حصّته من جمهور طارء –كانت القاعة وسيلته الوحيدة لمشاهدة الفيلم- والحديث الثاني هو النزيف الذي يجعل عدد القاعات ينخفض مع كلّ سنة في اتجاه يُنذر بانقراض وشيك، ففي سبعينيات القرن العشرين كان المغرب يتوفّر على 350 قاعة، رغم أنّ انتاج الأفلام المغربية آنذاك لم يكن يتجاوز الفيلمين كل عام، ومع آواخر الثمانيات بلغ عدد القاعات 250 قاعة، ثم انخفض الرقم بعد عقد إلى نحو 170، وانتهى العدد عام 2019 إلى حوالي الأربعين، رغم أنّ إنتاج الأفلام المغربية المنتجة سنويا ارتفع إلى معدّل 25 فيلما كل عام !

 

ذاكرة القاعات، ذاكرة المدن:

– سينما ريالطو بمدينة الدار البيضاء

الكثير من قاعات السينما بالمغرب، سواء التي أغلقت أبوابها أو التي لا زالت تقاوم الزّمن، كانت تشكل ذاكرة المدينة؛ تَشْهد على نمط المعمار السائد، وتحفظ ذاكرة الأحداث والحفلات والأفلام وكلّ السياقات التي لفّت العروض والحفلات، فيصبح كلّ هدم أو إغلاق هو بمثابة بتر لروح المدينة وذاكرة الأجيال الموصولة بذاكرة هذه القاعات، ولا شيء أفضع من مدينة مبتورة الرّوح ! قد لا يعني هذا الكلام أي شيء للأجيال الحديثة، لكنه يعني الكثير لأجيال تفتّق وعيها من داخل القاعات نفسها.

في مدينة الدار البيضاء التي تقترن بالسّينما نفسها من خلال فيلم “كازابلانكا (1942) لمايكل كورتيز”، انكمش عدد قاعات السّينما إلى نحو 8 قاعات، وخطر الإغلاق يحاصر صالاتٍ أخرى خصوصاً بعد التوقف المؤقت الذي فرضه (كوفيد- 19). المدينة كانت في الماضي تنفرد بنصف عدد قاعات السينما في المغرب، بما في ذلك عددها البالغ آنذاك 350 قاعة، ليتراجع اليوم إلى بضع قاعات أهمّها من حيث جودة المشاهدة هي شاشة (الآيماكس).

وقد تجرعت العاصمة التجارية في تاريخ مبكر مرارة إغلاق القاعات أو هدمها منذ سبعينيات القرن العشرين، حين أقبرت معلمتها الشهيرة ” فوكس/ VOX” التي تقع في نهاية شارع فرنسا، كانت تبدو في أيّامها الذهبية ككتلة مكعبة مزروعة في محيطها بهيبة تجعلها تتسيّد البنايات المتواجدة بماحاذاتها؛ مع شرفات متراكبة وسقف قابل للطّي من أجل متعة المشاهدة صيفا، ثم قدرتها الاستعابية الهائلة ما جعل منها أكبر قاعات السينما في القارة وأجملها بدون شك، وهو شكل هندسي كان يتماشى مع حجم المدينة وتعداد سكانها ومحيطها العمراني ذي الملمح الحداثي، حجما ذاك، كان يسمح بنعتها بالوحش، كانت معلمة أثرية بناها المهندس المعماري “ماريوس بوير” عام 1935، ولعل الرهان على هذا الحجم وتعدّد المرافق وتنوعها يقدّم افتراضا عن نوع الطموح التجاري المراهن على عائدات القاعة في الماضي؛ فقد بلغ عدد مقاعدها 2000 مقعد مع استخدام متعدّد ؛حفلات وعروض المسرحية، الآن لا يحضر من هذه القاعة سوى ذكريات وحنين الجيل الذي شاهد بها فيلما أو حضر حفلا أو ضحك لمشهد مسرحي بها.

– سينما الريف بمدينة طنجة

 

قاعات أخرى لم تهدم، ولكنها هجرت، فلا زال الكازاويون يتذكرون الزّمن الذهبي “لسينما الحرية” التي تأسّست عام 1922 على يد المهندسة المعمارية الفرنسية “جاكلين ألوشون”، لا زال اسم “الحرية” يعتلي البناية الكائنة بشارع “رحال المسكيني” بالدار البيضاء بلونه الأحمر الغامق حيث يتقابل الاسمان بالعربية والفرنسية وكأنهما يتحدان ضد جور الزمن ، وعلى جدران البناية لا تقترن التسمية بأي نعت آخر مثل قاعة أو سينما أو مسرح، اللفظة لوحدها تكفي هنا، والاسم لا زال موجوداً رغم تغيّر النشاط التجاري إلى مركز تجاري “أسيما” وتشاء الصدّف أن يكون الاسمان (حرية وأسيما) بنفس اللون (الأحمر الغامق) وعند قرائتهما معاً ومن زوايا معينة يُنتجان تسمية جديدة “سيما الحرية” وكأنّ السينما تأبى أن تبارح هذا المكان.

ولا يختلف حال باقي القاعات التاريخية في الدار البيضاء، كحال سينما موريتانيا، التي يعود تاريخها إلى أربعينيات القرن الماضي. البناية اليوم مهجورة، بل تستخدم مستودعا لتخزين هياكل عارضات الملابس البلاستيكية المهملة الآتية من السوق القريب منها، أمّا “مسرح الملكي”، الذي شيّد على جوانب شارع “درب السلطان”، فقد كانت واجهته العريضة تمكّن من استعراض أكبر عدد من أفيشات الأفلام، فهو الآخر مهجور منذ سنوات، كان المسرح في الماضي يوفّر أكثر من 1000 مقعد لمتابعة العروض المسرحية والسينمائية، هذا المصير لحق أيضا قاعات مثل: “أوبرا” و”لو فيردان” و “الكوكب”…

وفي شمال المغرب، حيث تتميّز القاعات بالمسحة الجمالية للمعمار الأوروبي الكلاسيكي الذي يتداخل فيه الجمالي والوظيفي في آن، كانت تتمركز أهمّ القاعات في وسط المدينة وبعضها في الضواحي، كانت المدينة تتوفّر على أربعة عشر قاعة سينما (ألكازار، كابيتول، سينيه أمريكانو، دوليز، فلاندريا، غويا، سينيه لوكس، مبروك، موريتانيا، باريس، ريف (ريكس سابقًا)، روكسي، طارق وفوكس). لكن اليوم تقلّص العدد إلى خمس قاعات فقط، فقد تحوّلت قاعة”مبروك” إلى بناية “أطينطو” ولم يعد الإسم يعني سوى وجهة تلقى على مسامع سائق تاكسي أو مقهى أو محل يحمل ذات الاسم الذي أصبح يدل على المنقطة ككل.

بينما يكاد اسم ” كابيتول” أن يختفى من التداول تماماً منذ أن تحوّلت إلى مركز تجاري…وهكذا كانت تتساقط القاعات وأسمائها تباعاً من ذاكرة الجيل الذي عايش فترات ازدهارها، بينما لا تعني للجيل الجديد شيء…بعضها، البالغ تحديدا خمس قاعات لا زال يقاوم، منها “سينما الروكسي” المبهجة التي تم إنشاؤها عام (1950) ويبلغ نشاطها ذروته خلال دورات المهرجان الوطني بطنجة، ومعها تقاوم ثلاث قاعات أخرى؛ هي الرّيف (1984)، و”مورتانيا” و”باريس”، أضيفت إليها “قاعة “ألكزار” بعد ترميمها في شكل مُتْحِفٍ وأخاذ، أعاد ربط ماضيها بطموح السينمائيين اليوم.

– سينما الحرية بمدينة الدار البيضاء

وفي مدينة تطوان التي كانت تتوفّر على أزيد من ثماني قاعات، كلّها أغلقت باستثناء قاعتين، فلا زالت قاعة اسبانيول بعد ترميمها، دُرَّة قاعات السينما في المغرب؛ ولا غرابة أن يقع اختيار المصوّر الفرنسي “فرنسوا بوران” عليها لتكون واجة لغلاف كتابه “صالات سينما المغرب ـ أضواء على القاعات المظلمة للمملكة” بالتقاطة عظيمة تُبرز البهجة التي يصنعها المكان في مع كلّ وميض ضوء، يختار المصوّر ركنها القصي من جانبها الأيمن لاتقاطة عظيمة، من هذا الجانب يطغى اللّون الأحمر بعد انعكاس الضوء فوقه، فيبرز تراص الكراسي في شكل دائري مختلف عن كلّ القاعات الأخرى، والشرفات المعلقة مع الخطوط الذهبية التي تزين الدرابزين وكل الحواف؛ في مزيج مشعّ يبعث على الجمال والعظمة، ومع اقترانها بكتاب “بوران” ستصير مختصراً لكل حديث عن قاعات السينما في المستقبل. لحسن الحظّ، حظّ هذه القاعة وتوأمتها المختلفة “أبنيدا” أنّ لهما زمن وصل يُعيد ربط ماضيهما بحاضرهما في فترات انعقاد “مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط” و “مهرجان تطوان لسينما المدارس”. ما دون ذلك تعيش القاعتان شبه عزلة تامّة يقطعها حماس الجمهور لفيلم أو اثنين خلال عام كامل. بينما أغلقت كلّ القاعات في المدينة وباقي مدن الشمال، العرائش والقصر الكبير، التي يعود نشاط بعض قاعاتهما إلى بداية القرن العشرين.

وفي العاصمة الرباط، اختفت الكثير من قاعات السينما تباعاً، وأشهرها سينما “موريتانيا” و “الصحراء” …وتحولت القاعة السينمائية “مارينيون” في وسط الرباط إلى محلات تجارية، وأصبحت سينما “كوليزي” مكتبة حديثة، في حين تحولت سينما “أكدال” إلى عمارة سكنية. وفي مراكش لا يختلف الأمر كثيرا فلا زالت أربع قاعات تعمل فقط: مبروكة، و كوليزي، و المسيرة، و ميغاراما. أما الباقي فبعضه اختفى والبعض مهجور وبعضها تحوّل إلى عمارات أو محلات تجارية. وفي مدينة مكناس عُرضت مؤخراً “سينما الأطلس”، التاريخية للبيع في مزاد، قصد تحويلها إلى مركز تجاري، نفس المصير ينتظر سينما “مونديال” وسينما ” ريجان” وهي قاعات عاشت زمنها الذهبي في الثمانينيات والتسعينيات. فكانت القاعات تُسرق وتختفي وتُهجر دون إمكانية تسمح بتدخل يُعيد للقاعات زمنها أو يُعيدها إلى الزمن.

وهكذا يتوزّع ما تبقى من قاعات السينما في المغرب بين مدن: الدار البيضاء: 10 قاعات، لساكنة تفوق أربعة ملايين نسمة، مراكش: 4 قاعات، طنجة:4 قاعات، الرباط: 4 قاعات، مكناس: 3 قاعات، تطوان: قاعتان، فاس، وجدة، سلا، أكادير: قاعة واحدة. بيد أنه يمكن الحديث عن 4 مركبات سينمائية، اثنتان منها بالدار البيضاء ميكاراما (14 شاشة) وإيدن كلوب (3شاشات) ومركب بمراكش: ميكاراما (9شاشات) ومركب آخر بفاس: ميكاراما (3شاشات). ويمكن أن نضيف مركب ميكاراما طنجة (9 شاشات) وهكذا يصل عدد الشاشات السينمائية بالمغرب إلى 66 شاشة.

هل كانت الأزمة، أزمة القاعات مباغتة إلى هذا الحد؟ حتّى يتّخذ التراجع هذا البعد المأساوي، أن ننتقل من قاعة مكتضّة، قد لا تحصل فيها على تذكرة لمشاهدة فيلم الذروة إلى قاعات قد تشاهد فيها فيلما كمتفرجوحيد؟ الحقيقة أنّ الحديث عن زمن ذهبي لقاعات السينما بالمغرب، مهما تشبث برومانسيته، قد يصطدم بواقع صادم، فقد تراجعت مبيعات التذاكر التي انتقلت من 49 مليون سنة 1982 إلى ما يقارب، 13 مليونا عام 2000 وصولا إلى مليوني تذكرة عام 2015. الأسباب متعدّدة ومتداخلة، ففي الوقت الذي كانت القاعات تدر دخلا كبيرا على أصابها في المغرب، لم يواكبها التأسيس لخطاب تربوي حول الصورة يستحضر معها أبعاد المشاهدة وخصوصياتها، ظلت القاعة مدرة للدخل في زمن كانت السينما وسيلة ترفيه وحيدة، وأصبحت مع ظهور كلّ وسيط جديد تفقد جمهورها لفائدته، مع استحالة لحاقها بالركب في ظلّ التسارع التقني الذي تقترحه وسائط أخرى.

من العبث البحث عن حقيقة هجرة القاعات في سبب واحد، فهناك أسباب كثيرة أدّت مجتمعة إلى النتيجة التي نعيشها اليوم؛ وهي قاعات قليلة ومهجورة وأخرى مهترئة، والكثير منها انتهت حقبته. الكثير من هذه الأسباب يشترك فيها المغرب مع بلدان أخرى، لم تستوعب درس التغير الذي يلحق وسائط المشاهدة، وأيضا كان الترويج للمشاهدة داخل القاعة بخطاب رومانسي غير واقعي، وبعيد عن الممكن بالنسبة لجيل يعيش نصف حياته افتراضيا وأكثر وعيا وحرصا على جودة الألوان والمشاهدة، لم يُسند هذا الخطاب –على أهميته- بتجويد شروط المشاهدة داخل القاعات التي لم تهيئ نفسها لمعركة وجود، فظلّ المستثمر في القاعات غير منتهبه أو غير راغب في المزيد من الاستثمار، الذي يعني في النهاية مزيدا من الأرباح.

قد يلعب تدخل الدولة من خلال (المرسوم رقم 2.12.325 الذي ينص على دعم رقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية)، دورا أساسيا في حلّ جزء من المشكلة، النتيجة واضحة في قاعات شملها مشروع الدعم والرقمنة “ألكازار” مثال على ذلك، لكنّ في غياب جمهور نحرص على ترتبيته داخل المدرسة وداخل الأسرة، لن تكون القاعات إلا بنايات وسنعود إلى نفس الحلقة المفرغة من جديد.

أفلام كثيرة وقاعات قليلة

الارتباك الذي يُفصح عنه عدد الأفلام المقترحة سنويا في المغرب (حوالي 25) وعدم ملائمتها مع حجم القاعات ولا عدد التذاكر المباعة سنوياً ، يكشف عن حجم الكارثة ويعصف بأي طموح ورغبة تبتغي نهضة شاملة في قطاع السينما، التي ستظل مُؤجلة مع كلّ استبعاد لمعالجة تستحضر الأقطاب الثلاثة لكل صناعة سينمائية ( الانتاج، التوزيع، الاستغلال).

فحتى عام 2017 حين احتفلت السينما المغربية بستينيتها، بلغ عدد الأفلام المنتجة في المغرب 375 فيلما، بدأ بفيلم محمد عصفور “الابن العاق”، (1958)، واللافت أن ربع هذا الرقم أي 118 فيلما تحقّقت في السنوات الخمس الأخيرة ! وهو مسار يُبرز حرص الدولة على تبني خط تراكمي رسّخ إنتاجا سنويا يتجاوز 20 فيلم طويل سنويا، لكن الفيلم المغربي كان يواجه إشكال التوزيع الداخلي والخارجي بالإضافة إلى منافسة الفيلم الأجنبي له داخل قاعات سينما قليلة وأغلبها ذات شاشة واحدة.

 

الواقع أن عدم تواصل الفيلم المغربي مع جمهوره ليس حكما قاطعا، ولا قدراً محتوماً؛ فالكثير من المحطات في تاريخ الفيلم المغربي تبرز تواصله بشكل كبير مع جمهوره، وتفوّقه على أفلام أجنبية أيضا، خصوصا مع مطلع التسعينات فأفلام مثل “حب في الدار البيضاء” (1991) لعبد القادر القطع، و”البحث عن زوج إمرأتي” (1993) لمحمد عز الدين التازي، و “كازا نيغرا” (2008) و “زيرو” (2012) لنور الدين لخماري، “لحنش” (2017) لادريس المريني، “30 مليون” لربيع سجيد، وبغض النظر عن النوع الفيلمي الذي يؤطر كل عمل، فهي محطات تقدّم اشارات مهمة عن إمكانيات تلقّي هائلة قد تصبح منجم ذهب إذا صاحبتها خطط أخرى تتعلّق أساسا بالتأسيس لخطاب تربوي حول السينما، يبدأ من الاصطفاف أمام فصول المدرسة وينتهي بالاصطفاف أمام قاعات السينما.

كما أنّ حماسة الجمهور المغربي للفيلم عمومالم تخفت يوما –ربّما- قد لا نصل إلى أرقام دقيقة عن النسب العامة لتلقيّ الجمهور المغربي للأفلام على الأنترنيت ومن قبلها الشرائط، والآن على منصات المشاهدة، لكن بملاحظة بسيطة يتبين أن حماسة الجمهور للفيلم لم تخفت، مهما تغير وسيط المشاهدة بين قاعة في الماضي إلى تلفاز أو كومبيوتر أو هاتف… الحماسة مسّت أساسا وسيط المشاهدة (القاعة)…كما أن الوصول إلى هذه الأفلام بشكل مقرصن، سواء عن طريق شرائط vhs أو dvd أصاب السينما في مقتل، وهو ما يفتح المشكل على مستوى آخر يتعلّق بمدى تطبيعنا مع هذه الممارسات وقدرتنا على حلّها. لذلك ظاهرة العزوف وحدها وتجاوزنا مسار هذا التراجع الثقافي برمّته، فالحقيقة متفرقة في أسباب متداخلة التعقيد، كما أنّ التغير الحاصل في وسيلة الوصول إلى الفيلم، ليست حالة مغربية خاصة، فتغلغل التلفزيون في ثقافة المجتمعات المعاصرة سمة عامّة، بلغت حد ظهور خطاب يعلن موت السينما، اتضح فيما بعد أنّه خطاب أخطأ تقدير الخطر، لكن المستثمرين التقطوا الاشارة وجعلوا قاعة السينما قادرة على منافسة أيّ وسيط آخر ، أنظر مثلا إلى منصة مثل نتفليكس وديزني وأمازون التي تحقّق أكبر عدد من المشتركين في الولايات المتحدة وكندا، لكن قاعات السينما هناك تحقّق أيضا أكبر المداخيل، ايرادات فيلم “أفاتار: طريق الماء” تؤكد ذلك، وهو فيلم مرشح لأن يكسر أعلى ايراد لفيلم في تاريخ السينما المسجل لجزئه الأول الصادر قبل 10 سنوات، هذا يجعل إمكانية التعايش بين كلّ الوسائط قائمة، كما مجموعة من الأفلام الصادر في السنين الأخيرة، التي شهدت ظهور المنصات، تحتل المراكز الأولى في شباك التذاكر العالمي عبر تاريخه.

الحال، أنّ أزمة قاعات السّينما، هي جزء من أزمة ثقافية عامّة، حلّها ليس بفتح الذاكرة لسرديات زمن ولىّ، ولا بتجاوز المؤشرات المتردية لقدرة هذه القاعات على منافسة مغريات وشروط مشاهدة تضاهيها في كلّ شيء، جزء من الحل –وهو أمر ضروري ومطلوب- في الوعي بشمولية الأزمة، الذي يفرض البحث عن سبل تعيد التأسيس لثقافة الفرجة داخل القاعة بشروط، تقنية واقتصادية جديدة، تراعي الممكنات وتراهن على جيل نحصل عليه عبر مدخل تربوي تثقيفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى