الصحافي العربي رياض يكتب: “مول الديطاي”.. إلى القلب مباشرة
مول الديطاي أو بائع السجائر بالتقسيط ، لا يشبهه أحد ولن يشبهه أحد في اي مهنية غير مهيكلة أخرى ، اول ميزة على مستوى الشكل دائما تجده نحيفا ، حاد القسمات لكنه أكثر إنسان متفهم للأمزجة، بل متفهم حتى للوقت والظروف، لذلك تجده غير متعجل يوحي بأن وراءه حكمة، قليل كلام ، سريع البديهة، يعرف أكثر من غيره توقيت مرور ” السطافيت” ويشتم الحملات الأمنية وحملات السلطة، يجيد الانسلال من المجرمين، إن اطلت المعاشرة معه، تحس بأنه خبير سوسيولوجي في المحيط الذي يقبع وسطه يضبط تفاصيله وتحركاته العامة والشاملة، لكنه في نفس الوقت قليل كلام يحسب جيدا الكلمات التي تخرج من بين شفتيه ، غير نمام كما هو حال بعض أصحاب الحرف أو المهن غير المهيكلة أو العاملة في الشارع ، على عكسهم ، فهو غير ” هراف” كبعض الباعة الذين يحتلون الشاطئ والازقة وملتقيات الطرق، يعرف حجمه جيدا فهو لايجلس الا على ربع اجورة وتكفيه واجهة كرطون من حجم A4 للدعاية لسلعته، مجمل المساحة التي يستغل لا تتعدى نصف ربع متر يتيم مربع.
قد تتخيل أحيانا أنه أكثر كفاءة من شركات كبرى تحترف الدعاية، على الأقل هو لا يجنح للنصب كما الدعاية التي تعني بالواجة وحين تدخل لحلبتها تجد نفسك وسط سوق من الشناقة، يجيدون عبارات اقتصادية ومالي لا قبل للبسطاء بها، الى ذلك فهو جيد التعامل مع بليته، إذا كان مدمن خمر، فأنت لن تعرف كيف يغرف كاسه ومتى احتساه، وإذا كان مدمن حشيش فلن يجعلك شاهدا عليه.
دراية واسعة في أنواع السجائر وكم يحتوي كل نوع من النيكوتين والكودرون والمواد الأخرى المكونة للسيجارة، ويعرف التبغ الجيد من الرديء، معشوق المقطوعين بامتياز، غير المدمنين لا يعرفون هذه الأمور ويرونها ثانوية ومضيعة لأن تكون موضوع حديث او دردشة، لأنهم يعتقدون بأن سكان الكرة الأرضية يعيشون بدون بلية، وهذا خطأ.
فالبلية مؤثث أساسي في حياة ساكنة الأرض، لهذا حبدا الا يناقشوا هذه الامور حتى لا يصطدموا بالمقطوعين، ف”المقطوعون” دراويش صامتون لكن حذاري من غضبهم فهم يفهمون أكثر من غيرهم المجتمع المحافظ والمنغلق، بل هم أكثر الناس يتفهمون معنى الحقوق، لذلك يكتمون بليتهم عن أهاليهم وأقاربهم ومحيطهم، رأفة بهم ، ولا يدخلون ” الشبقات” كثيرا عكس غير المدمنين الذين يرسمون القيم بحسب ذواتهم وكانهم ملاك الحقيقة ، لكن لا يعلمون الحقيقة التي سبر اغوارها مول الديطاي، ويعرف ابعادها التي تجعل منه هو بائع التقسيط، يسمح لزبنائه بأن يؤدوا ثمن سيجارة بخسة بالتقسيط ،ويصبر عليهم في الأداء الى أن يكونوا في مزاج راق، أو تتوفر لديهم سيولة، تسهيل لن يجدوه في أي بنك حتى وان كان دوليا واسالوا عمدة الدارالبيضاء، عن حجم الفائدة الذي ” تبزيه” في كل سنة لعلماء البنك الدولي الذين يغيرون سعر الفائدة دون أن تفهم العمدة ونوابها شيئا.
حتى أنه اعظم أحيانا من اي حكيم نفساني ، فهو يتفهمك من ملامحك وقسمات وجهك ونظراتك ، وعنده لست في حاجة إلى موعد قبلي وأداء قبل الدخول يعرف كيف يجعلك هادئا في رمشة عين بدون وصفة طويلة متابعة سنوية مضنية ماليا ومجهدة نفسيا واسريا.
طبيب المقطوعين اي مول الديطاي لن يعرف قيمته من هو مدمن على شراء علبة السجائر ، لأن هذا النوع من المدمنين يحارب القطعة بشراء احتياطي من العلب، حتى لا يكون مجبرا على البحث عن موا الديطاي ، لكن بالنسبة لمن يشترون السجائر بالتقسيط وهم غالبا ممن ليست لهم مداخيل مالية قارة، أو شريحة ممن يحاولون القطع مع التدخين بصفة نهائية، فيعرفون شمس تبريزهم، فهم شبه يرونه كذلك، يحفظون كل حركات يديه وهي تنسل الى العلبة الكرتونية ذات العلامة الإشهارية لواحدة من شركات التبغ العالمية، ليخرج لفافة لهم هي بمتابة انعتاق أبدي في تلك اللحظه ونشوة لا تشبهها نشوة، يتكون انامله واظافره ويحفظون عن ظهر قلب تقلب الوان يديه ، حسب تقلبات الطقس وتعاقب الفصول .
لن أكون مجازفا إذا قلت بأنه رفيق احلام منامهم في احايين كثيرة، لذلك هو لا يخدل هؤلاء دائم التواجد، برقا بردا شتاء شمسا ، ليلا نهارا ، فمجمع القلب بينه وبينهم رباط مقدس حتى الموت أحيانا ، الفة القلب بين الطرفين لن تضاهيها الفة ، فقلب مارك زوكربيرغ الذي وضعه لنتعامل افتراضيا فيما بيننا هو قلب احمر بدون ” بنة”، لن يصل إلى عقب فضاء القلب المفتوح بين المقطوعين وطبيبهم مول الديطاي، فبدون لف او نفاق يبيع لهم اللفافة، لا ينصحهم ولا يشجعهم أو يثنيهم ، فهو يعدل امزجتهم ويعلم ويعلمون، إن الدخان ينفذ الى قلوبهم هل سيسكته أم أن للموت اجال وهي قضاء وقدر ، لايهمهم الجواب جميعا ما يعرفونه انه يبيع لهم سلعته من قلبه وهي تصل دخانا الى قلوبهم، أي من القلب الى القلب.