الرئسيةثقافة وفنونمجتمع

زلازل الإيمان: تأملات في التفسير الديني للكوارث الطبيعية

بثينة المكودي

قال نجيب البكوشي (كاتب وباحث – تونسي)، بعد حوالي ثلاثة قرون من زلزال لشبونة، وصدور كتاب “كانديد او التفاؤل” لفولتير، وبعد ظهور علم الزلازل، وعلم البراكين، وعلم المناخ، مازال بيننا من يعتبر ان الكوارث الطبيعية عقابا أو إبتلاء من الله.

نجيب البكوشي باحث تونسي في الفلسفة السياسية

وأضاف انه بالجدّ والعمل، وبتشييد مراكز البحث والعلم،أي “بزرع حديقتنا” مستدلًا بفولتير على لسان بطله “كانديد”، يمكننا اللحاق بركب الأمم المتقدمة، وليس بالتكاسل والتفسيرات الخرافية للظواهر الطبيعية.

وقال نجيب البكوشي إن الله عادل لا يُفاضل بين الأمم، وليس له شعبا مختارا كما يعتقد البعض، وصدق من قال ينجو من الغرق من يحسن السباحة وليس من يحسن الصلاة.

وجدير بالذكر أن فولتير وزلزال لشبونة (1755)هذا الزالزال الذي لم يتسبب في تدمير مدينة لشبونة فحسب، بل تسبّب كذلك في هزّ أركان الفكر اللاهوتي المسيحي، واطلق شرارة جدل فلسفي حاد بين الرموز الفكرية للعصر.

زلزال لشبونة

حيث اعتبر رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية وقتئذ أن زلزال لشبونة كان عقابا إلهيّا سُلّط على المدينة بسبب تفشّي الرذيلة، وظهور هرطقات مسيحية، بالرغم أن الكنيسة كانت تواجه كل من يخالف عقائدها بمحاكم التفتيش، وكانت ساحة “روسيّو” الشهيرة مسرحا لتنفيذ أحكام الإعدام حرقا في حق المتّهمين بالزندقة والسحر والشعوذة.

أمّا الأقليّة البروتستانتية في لشبونة والتي كانت تعاني من إضطهاد الأغلبية الكاثوليكية، فقد إعتبرت بدورها أن الزلزال كان غضبا ربّانيا ضدّ الكاثوليك بسبب الظلم الذي مارسوه على البروتستانت، ولكن تفسيرهم اللاهوتي لن يصمد طويلا فبعد حوالي أسبوعين فقط، سيضرب زلزالا مماثلا مدينة بوسطن الأمريكية البروتستانتية ويدمّر آلاف المنازل.

واعتبر المسلمون في بلاد المغرب بدورهم أيضا أن الكارثة التي ضربت الصليبيين، إنتقام إلاهي لضحايا محاكم التفتيش من المورسكيين، ولكن الزلزال نفسه قام بتدمير مبان ومساجد في مدن طنجة وسلا و الرباط، وأودى بحياة الالاف من المسلمين.

فولتير

وجاء في رواية فولتير،وهو أحد رموز التنوير،  الذي انتفض ضدّ  التفسير اللاهوتي لكارثة لشبونة، في محاولة  منه لدحض فكرتي العقاب والإمتحان الإلهيين للإنسان، حيث وجه خطابه لرجال الدين قائلا:
«أيها الحكماء الحمقى، أي جريمة إرتكبها هؤلاء الأطفال الذين إغتالهم الزلزال وسالت دماؤمهم وهم في أحضان أمهاتهم؟ وهل كانت رذائل لندن أو باريس أقل من رذائل لشبونة؟ ومع ذلك دُمرت لشبونة وباريس ترقص.ألم يكن في مقدور الله أن يصنع عالماً ليس فيه هذا الشقاء الذي لا معنى له؟».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى