الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

قدم له القصيدة الملك الحسن الثاني..اشتدي أزمة تنفرجي: عبد الهادي بلخياط إذ يتألق في المنفرجة +فيديو الأغنية

بقلم الكاتبة المصرية مروة صلاح متولي

المنفرجة قصيدة نظمها أبو الفضل يوسف بن محمد، المعروف بابن النحوي التوزري، وهو شاعر وفقيه تونسي عاش في عدة مدن مغربية منها فاس وسجلماسة.

يعود تاريخ القصيدة إلى القرن الحادي عشر الميلادي، ويقال إنها كُتبت تأثراً بقصيدة أخرى تحمل العنوان ذاته للإمام الغزالي. تحظى منفرجة ابن النحوي التوزري بشهرة واسعة في المغرب، وفي بعض البلدان العربية الأخرى، يرددها المنشدون في الجوامع وحلقات الذكر، ويحفظها الحفاظ، وتلهج بها الألسنة في أوقات الشدة. كما أنها انتقلت إلى عالم الموسيقى على يد أكثر من فنان، فقد غناها على سبيل المثال الفنان الليبي حسن عريبي، والمطرب السعودي الراحل طلال مداح.

أما المطرب المغربي الكبير عبد الهادي بلخياط، وكما يروي بنفسه في أحد حواراته التلفزيونية، فإن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، هو من أرسل إليه قصيدة المنفرجة، لأنه أحب سماعها بأدائه، إذ كانت من القصائد المفضلة عنده. فلحنها بلخياط وغناها بصوته الذي يعد بلا شك، من أعظم الأصوات العربية وأفخمها على الإطلاق، ومن أثمن الكنوز الفنية التي يحظى بها المغرب ويفتخر.

جعل عبد الهادي بلخياط قصيدة المنفرجة، أقرب إلى الغناء من الإنشاد والتسميع، ويجد السامع في نسخته اكتمال الشكل الفني موسيقياً وغنائياً، صحيح أن القصيدة تفرض إيقاعها بدرجة كبيرة، ولا تتيح الكثير من حرية التصرف، وإظهار الإمكانيات الطربية الهائلة لدى بلخياط، لكنه رغم ذلك منحها نفحة رائعة من أسلوبه الرائع الأصيل، وأعطاها من صوته رصانة مهيبة وروحاً دينية عميقة، وأضفى عليها موسيقى حية وتنغيماً جاذباً، وإيقاعاً سريعاً يقربها إلى الأسماع ويسهل حفظها.

ولا تخفى قوة النزعة الصوفية لدى المغاربة، إذ يبدو أحياناً أن هناك سراً ما في أرض المغرب، جعل منها مركزاً للتصوف يبعث أشعته إلى بقية البلدان، كمصر على سبيل المثال، التي ترتبط طرقها الصوفية أو أغلبها بأصول في المغرب، وأقطاب مغاربة سكنوا مصر ودفنوا في ترابها، لا يزال ذكرهم قائماً بين المصريين، ولا تزال أضرحتهم ومقاماتهم مزاراً لأهل مصر.

تتكون القصيدة من أربعين بيتاً، أضاف بلخياط وكرر وعدل ترتيب بعض الأبيات. وتتميز المنفرجة بقافية الجيم المكسورة، وأسلوبها الفريد وأغراضها الإيمانية الروحانية، وحسن القول وكثرة المعاني وجزالة الألفاظ.

وإن كانت تحتوي على بعض المفردات الغريبة إلى حد ما، أو غير المتداولة، فهي بشكل عام غير مستغلقة، ولا تستعصي على الأفهام، إذ ينفك غموض معظم الكلمات الصعبة من خلال السياق العام للبيت الشعري.

في القصيدة الكثير من التشبيهات والصور والتأملات الرائعة، وفيها حرارة الإيمان وقوة اليقين، والمديح النبوي وذكر آل بيت النبي وصحابته الكرام، والرجاء في الفرج مهما اشتدت الأزمة، وهذا من أظهر معاني القصيدة.

اشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجي … قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
وَظَلامُ اللَّيل ِ لَهُ سُرُجٌ … حَتّي يَغشَاهُ أبُو السُرُجِ
وَسَحَابُ الخَيرِ لَهَا مَطَرٌ … فَإِذَا جَاءَ الإِبّانُ تَجي
وَفَوائِدُ مَولانا جُمَلٌ … بِشُرُوجِ الأَنفُسِ والمُهَجِ
وَلَها أَرَجٌ مُحْيى أَبَدا … فَاقصُد مَحيَا ذاكَ الأَرجِ
فَلَرُبَّتَّمَا فاضَ المحيَا … بِبِحُورِ المَوجِ مِنَ اللُّجَجِ

قسم عبد الهادي بلخياط القصيدة إلى ستة مقاطع غنائية، وعلى الرغم من أن مطلع القصيدة يقول: « اشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجي … قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ» إلا أنه يبتدئ الغناء قائلاً: «يا رب بهم وبآلهم عجّل بالنصرِ وبالفرجِ» ويكرر هذا البيت ثلاث مرات متتالية، بعد المقدمة الموسيقية التي صاغها بشكل جميل، حيث تبدأ بدقات موسيقية رشيقة متلاحقة، مع الامتدادات الصوتية لآلة الكمان، ثم الاحتشاد الكامل للوتريات مع الآلات الإيقاعية الأوركسترالية، في ذروة تصاعدية يكسر حدتها الناي المنفرد، بما له من لمسة حزينة ومشاعر إيمانية في الوقت نفسه، يلي ذلك لحن الأذان، حين تكبر الموسيقى وتقول الله أكبر بالنغم فقط دون كلمات. ثم تنتقل الموسيقى إلى تنويع بسيط، يمهد لانطلاق اللحن الرئيسي للأغنية، الذي يتخذ مساره كلحن إيقاعي سريع، يستمد إيقاعه من إيقاع القصيدة بطبيعة الحال، ويتبع قافيتها وأوزانها، مع ما وضعه عبد الهادي بلخياط من لمسات وإضافات، كبعض المد والتنغيم، والتكرار والإبطاء.

يسبق صوت الكورال صوت عبد الهادي بلخياط، إذ يبدأ الغناء بترديد لفظ الجلالة عدة مرات، كما أنه جعل للكورال دوراً مستمراً على مدى الأغنية، فنسمعه يردد الشطر الأخير من البيت الذي يغنيه بلخياط. ويدخل الكورال ليفصل بين كل مقطع وآخر، بقول الله الله وتكرارها كثيراً. أما عبد الهادي بلخياط فيقوم بغناء البيت الأول من المقطع، مرتين متتاليتين بطريقة الغناء نفسها، ويغني البيت الأخير من المقطع مرتين أيضاً، لكن المرة الثانية تكون بإيقاع أبطأ أكثر تمهلاً، وبتنغيم يختلف قليلاً عن التنغيم الأصلي، هذا البطء يخلق جمالية ما، ويشعر المستمع بالمزيد من الطرب، وكذلك يمهد لدخول الكورال السريع، الذي يهيئ المستمع للانتقال إلى سماع مقطع آخر.

وإذا كنا نستمع إلى الأذان بالموسيقى فقط في بداية الأغنية، فإننا نستمع إلى بداية الأذان بالصوت، حيث يختم بلخياط أغنيته بقول الله أكبر، بصوت مضمخ بعبير الإيمان، يعلق بالروح ويمتزج بحنايا النفس، فهو صوت ملهم لمطرب نابغة، يحلق بصوته نحو أسمى معاني الجمال.

تتأمل القصيدة في الشدائد وكنهها وحكمتها، وما يتبعها من فرج يقدره المولى عز وجل، وما على المؤمن أن يفعله في مواجهة تلك الشدائد، وفي انتظاره ورجائه للفرج، والرضا بقضاء الله في جميع الأحوال. فهي قصيدة تعكس عزة الإيمان وسلطانه، بكلماتها الوضاءة الهادية، التي تبث الهمة القرآنية في النفوس، وتحض على الورع وتهذيب النفس ورياضتها، والثبات أمام الأهوال، وفيها أيضاً مواساة للقلوب المحزونة والأفئدة المعذبة.

وَالخَلقُ جَميعاً في يَدِهِ … فَذَوُو سِعَةٍ وَذَوُو حَرَج
وَنَزُولهُمُ وَطُلوعُهُمُ … فَعَلى دَرَكٍ وَعَلَى دَرَجِ
وَمَعائِشُهُم وَعَواقِبُهُم … لَيسَت في المَشيِ عَلى عِوَجِ
حِكَمٌ نُسِجَت بِيَدٍ حَكَمَت … ثُمَّ انتَسَجَتُ بِالمُنتَسجِ
فَإِذا اقتَصَدت ثُم انعَرَجَت … فَبِمقتَصِدٍ وبِمُنعَرِجِ
شَهِدتَ بِعَجائِبَها حُجَجٌ … قامَت بِالأَمرِ عَلى الحِجَجِ
وَرِضاً بِقَضَاءِ اللهِ حَجىً … فَعَلَى مَركُوزَتِهِ فَعُجِ

بعد هذا المقطع، تتحول القصيدة إلى ما يشبه النصائح المباشرة التي يخاطب بها الشاعر سامعه، فيحذره من الضعف والاعوجاج والابتعاد عن الصراط المستقيم، ويدعوه للسبق نحو الفضيلة والأعمال الحسنة، التي تحقق بهجة العيش. وطاعة الله والبعد عن معصيته « وَمَعاصِي اللَهِ سَماجَتُها … تَزدَانُ لِذِي الخُلُقِ السَمِجِ». كما يحث الشاعر على قراءة القرآن بقلب حاضر وشعور حي وصوت جميل «واتلُ القُرآنَ بِقَلبٍ ذِي … حَزَنٍ وَبِصَوتٍ فيهِ شَجِي».

وكذلك صلاة الليل التي يقول عنها: «وَصَلاةُ اللَّيلِ مَسافَتُها … فاذهَب فِيهَا بِالفَهمِ وَجِ». ويذكر الشاعر عواقب الإيمان من فردوس وتسنيم وحور عين. بعد ذلك يمدح الشاعر العقل والهدى، وأثر كتاب الله على تزكية العقول وهداية النفوس، كما يمدح الرفق الذي يعد من أفضل الخلق. أما المقطع الأخير من القصيدة فقد خصصه الشاعر، للمديح النبوي والصلاة على سيدنا محمد، ثم ذكر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبعض من آل البيت والصحابة.

صَلوَاتُ اللَهِ عَلى المَهدِيِّ … الهادِي الناسِ إِلي النَّهَجِ
وَأَبي بكرٍ في سِيرَتِهِ … وَلِسَانِ مَقَالَتِهِ اللَّهِجِ
وَأَبي حَفصٍ وَكَرَامَتِهِ … في قِصةِ سارِيَةِ الخَلُجِ
وَأَبي عمرٍ َذِي النُّورَينِ … المُستهدي المُستحيي البَهِجِ
وَأَبي حَسَنٍ في العِلمِ إذا … وافى بِسَحائِبِهِ الخُلُجِ
وعلى السبطينِ وأمهمِا … وجميعِ الآلِ بمندرجِ
وصحابتهِم وقرابتهِم … وقُفاة الأثَرِ بلا عوجِ
وعلى تُباعهِم العلماء … بعوارفِ دينهِم البهجِ
يا ربِ بهِم وبآلهِم … عجّل بالنصرِ وبالفرجِ
وارحم يا أكرمَ من رحِمَ … عبداً عن باباك لم يعجِ
واختم عملي بخواتمِها … لأكون غداً في الحشر نجِ
لكني بجودك معترفُ … فاقبل بمعاذيري حججِي
وإذا بك ضاقَ الأمرُ فقل … اشتدي أزمةُ تنفرجِ

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى