تاريخ السينما في المغرب السلطان عبد العزيز… أول سينمائي مغربي…؟
وفقًا لجاك رانسيير، الفيلسوف الجمالي، هناك طريقتان لـ” ربط “ العلاقة بين السينما والتاريخ: ”بجعل أحد هذين المصطلحين موضوعًا للآخر“.
كيف تندرج السينما المغربية في هذه المقاربة المزدوجة؟ يمكننا القول إنها تهتم بالتاريخ كموضوع وتستحضره بصيغ وأنماط مختلفة.
ربما يعتبر البعض أنها مخلة في ذلك وهو حال بعض السياسيين عندما يتطفلون في مناقشة السينما المغربية (وما يسمونه بصمتها عن القضايا الوطنية) أو بعض السينمائيين أيضا عندما يتحدثون (عن الإمكانيات المادية التي يتطلبها الفيلم التاريخي) …والحاصل أن السينما المغربية راكمت متنا “تاريخيا” هاما ومتنوعا بالأساس. وبعناوين بارزة من “44 أو اسطورة الليل” لمومن السميحي (1984) و “سراب” احمد البوعناني (تخييلي، 1979) وحقبة الاستعمار، الى “كذبة بيضاء” لأسماء المدير (وثائقي، 2023) ومرحلة سنوات الرصاص. كما أن أحد مخرجي هذه السينما، سهيل بنبركة، أنجز تجربة مهمة وناجحة الى ابعد مدى في تناوله مواضيع تاريخية اخرها كنموذج” من رمال ونار“ (2019) وهو المخرج الذي أبدع كثيرا في هذا المجال.
وقد حان الوقت اليوم أكثر لنرى هذه السينما تتصالح مع التاريخ كموضوع. والسينما كموضوع للتاريخ بعبارة أخرى، أن يفتح دفتر مسارها… ليقترح على حقل التاريخ.
دعونا نقول على الفور أن هذا الحقل لا يزال بكراً ويتيح العديد من السبل؛ فالحقل الذي ينفتح أمامنا واسع ومعقد. كل فيلم هو في حد ذاته جزء من تاريخ عام لم يُكتب بعد. يكون للتاريخ معنى إذا استطعنا أن ندرك الحركية الداخلية لهذه السينما وليس فقط سرد لعناوين أفلام كأنها اطارات جامدة. في هذه الحالة، فإن المقاربة التاريخية تعني مرافقة جسد /كائن حي، وليس تشريح كائن خامل.
في هذا الاتجاه، يمكننا بالفعل وضع/اقتراح بعض العلامات. وبكل تواضع (لأنني واع بالموقع الذي أتحدث منه). ولهذا أبدأ بالقول إنه عندما يتعلق الأمر بمعالجة هذا التاريخ، دعونا نبدأ بالتمييز المنهجي بين مقاربتين للسينما المغربية من وجهة نظر التاريخ:
– تاريخ السينما في المغرب
– تاريخ السينما المغربية
بالنسبة للمقاربة الأولى، يمكننا القول بيقين تام أن تاريخ السينما في المغرب قديم قدم السينما نفسها. أما بالنسبة للمقاربة الثانية، أي تاريخ السينما المغربية، فهناك امامنا أسئلة أكثر من الإجابات. إن أصولها وبداياتها إشكالية متشعبة وحاملة لمعطيات مذهلة. على سبيل المثال، السؤال الذي يبدو بسيطًا: ما هو أول فيلم مغربي؟ الإجابة ليت فقط متنوعة ومتعددة بل مثيرة ومحفزه للاجتهاد. وسنعود لذلك لاحقا.
لنبدأ أولاً ببعض المعطيات التاريخية. على غرار العديد من البلدان الأخرى شهد المغرب وصول العديد من مصوري الاخوان لوميير مباشرة بعد العرض الأول للسينماتوغراف في باريس (ديسمبر 1895)، حيث والهدف من ذلك الترويج لهذا” الاختراع الصناعي“ الرائع وكذلك لالتقاط صور غرائبية (اكزوتيك) ؛ لطبع أشعة الشمس وأشجار النخيل على فيلم لا يزال طازجًا، من أجل تغذية دهشة الجمهور الذي كان قد سحره الرسامون الرومانسيون. أ
أي أن ديلاكروا وتياره الرومانسي من التشكيليين مهد الطريق لصانعي أفلام لومييروجزء من السينما الكولونيالية. انها نوعا ما مرحلة “ما قبل التاريخ” أو ما أفضل تسميته “المغرب وسنوات لوميير”. وعموما يمكن القول أنه من الاشياء المتفق عليها أن اللقطات الأولى كانت في الرباط وفاس والدار البيضاء في وقت مبكر من عام 1897،
كما ذُكرت مدن طنجة وآسفي… وما يهمني هنا هما اسمان سيطبعان هذه الفترة: فيليكس مسغيش (فرنسي جزائري المولد) وغابرييل فيير من مدينة السينما ،ليون. كان فيليكس مسغيش مسؤولاً عن” المناظر “الأولى المرافقة للإنزال الفرنسي هنا وهناك. خاصة” فيلمه“ عن قصف مدينة الدار البيضاء في عام 1907 . ويمكن اعتباره رائد نوع صحفي، “.المرافق الإعلامي للجبش” .
أما غابرييل فيير فقد كان له مصير مختلف. مصير “مغربي” على وجه الخصوص. لذلك فهو يستحق وقفة خاصًة فحياته مادة خصبة لإنجاز أعمال مكتوبة أو سينمائية. كان مصورا للأخوين لوميير، وقد طاف بكاميرته حول العالم، من اليابان إلى فنزويلا، قبل أن يعود إلى فرنسا.
وقد استقطبه السلطان عبد العزيز كمستشار ومصوره الرسمي: وقد حى فيير ذلك في مذكراته” كنت أستريح على ضفاف نهر الرون بعد رحلات كثيرة الى بلدان بعيدة، عندما سمعت أنهم في المغرب يبحثون عن رجل، مهندس يمكنه أولاً أن يعلم السلطان التصوير الفوتوغرافي حيث أصبح من عشاقه..“. وسرعان ما أدرك المصور الفرنسي أن السلطان الشاب كان متحمساً لكل الاكتشافات الجديدة: الهاتف ، الكهرباء، القطار، الدراجة، الفونوغراف، و… السينما. ويورد في كتابه وصفا للسلطان الشاب الذي اكتشفه عند وصوله إلى مراكش:” كان في العشرين من عمره في ذلك الوقت. طويل القامة، متناسق القوام، لا يزال بلا لحية، ذو بشرة فاتحة، وعينين سوداوين، ونظرات طفولية رقيقة جداً، وكان يبدو كطفل كبير ترافق محياه ابتسامة لطيفة” من كتابه في “ضيافة السلطان 1901-1905”.
أخذ جابرييل فيير مهمته على محمل الجد، ووقع تحت تأثير سحر الشعب والبلد. تم تعيينه بعقد مدته ثلاثة أشهر، وبقي مع الملك لأكثر من أربع سنوات، أولاً في مراكش ثم في فاس. بل أنه اختار المغرب للأبد، وأقام فيه وأسس فيه أعمالاً تجارية وازدهرت أعماله والتقط الكثير من الصور للناس والبلاد. توفي في عام 1936 ودفن في مقبرة بنمسيك (الدار البيضاء).
كانت إقامته في القصور الملكية في مراكش وفاس مادة لكتاب: ” Dans l’intimité du sultan, au Maroc 1901-1905″ الذي يحتوي على ملاحظات مثيرة كاشفة عن علاقة المغاربة بالتحديث رغم أنها لاتخلو من أفكار مسبقة استشراقية بل أحيانا ذات منحى “عنصري” وهو بذلك يعيد انتاج ثقافة معينة شكلت أيديولوجية الاستعماريين.
وما يهمنا هي المعطيات والاحداث التي كان شاهد عليها. يخبرنا الكاتب المقرب جدا من السلطان عبد العزيز أن هذا الأخير كان قد تبنى ألة التصوير والكاميرا على حد سواء، ولم يتردد في تصوير المقربين منه، وخاصة زوجاته اللواتي كن يتابعن العروض السينمائية. ” كان ينظم لهن جلسات عرض سينمائي، ومن خلال هذه الوسيلة عرّفهن على بعض عادات الحياة الأوروبية وجعلهن يسافرن إلى بلادنا.
في البداية، تم استدعائي إلى الحريم مرة واحدة فقط لإجراء العرض الأول. كنت مختبئًا خلف ستار ياباني. لم يكن بإمكاني أن أرى من هناك سوى الحائط الأبيض الذي كان أمامي مشكلاً ساترًا مثاليًا، ولم يكن أحد يراني أيضًا.
كل ما استطعت سماعه خلف الجدار الحريري الهش هو الضحكات المكتومة وهمسات النساء. ولكن عندما بدأتُ في عرض المناظرالمتحركة، اقتربت بعض المتفرجات المجهولات والمفتونات بما يجري امامهن بل لم يترددن بالألتاحاق بشاشة العرض/الجدار ليلمسوه ويتأكدن من أنه لا يتحرك“. (صفحة 42).
ويستطرد فيير قائلاً: ”كان نساء الحريم يركبن الدراجات الهوائية في ساحات القصر وقام عبد العزيز بتصويرهن“ (صفحة 42). من هذا المقتطف، كما من الكتاب ككل، نحتفظ بمعلومتين أساسيتين، من وجهة نظر تاريخية: نعرف أن أولى العروض السينمائية جرت في وقت مبكر جدًا في المغرب، حوالي عام 1901؛ ونعرف من الذي صور أول فيلم مغربي للهواة، وهو في هذه الحالة السلطان عبد العزيز…