الرئسيةسياسة

مأساة تكوخت بأزيلال المهمشة تكشف زيف العدالة المجالية و”حديث الجهوية المتقدمة”

تحرير: جيهان مشكور

في الوقت الذي تتزين فيه المغرب لاستقبال أضواء العالم باستعدادها لاحتضان أكبر عرس رياضي على الكوكب، يتكشف واقع آخر في جبال أزيلال، واقع لا يراه أحد سوى أولئك الذين يعيشونه يوميًا.

فبعد ساعات فقط من انتهاء المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة في طنجة، التي لا شك أنها أبهرت الحاضرين بخطاباتها عن التنمية والعدالة المجالية، جاءت حادثة دوار تكوخت لتصفع تلك الشعارات بكل قسوة، وتعيد طرح السؤال الحقيقي: أين نحن من العدالة المجالية؟

في هذه المنطقة الجبلية المنسية، التابعة لجماعة أيت تمليل بجهة بني ملال خنيفرة، اضطر السكان صباح الأحد إلى نقل سيدة حامل فاجأها المخاض على نعش مخصص لنقل الموتى، في مشهد عبثي يلخص مأساة منطقة بأكملها، حيث حملها الأهالي على أكتافهم عبر مسافة طويلة تجاوزت الساعتين، في تضاريس وعرة، للوصول إلى سيارة إسعاف كانت متوقفة عند أقرب نقطة يمكنها الوصول إليها في دوار تسلنت نايت مكون.

سيارة الإسعاف، هذا الرمز الحديث للحضارة والرعاية، باتت عاجزة عن تجاوز عقبة الطرق المغلقة، لتترك سكان المنطقة يواجهون مصيرهم باستخدام ما توفر لهم من وسائل، حتى وإن كانت نعشًا يذكرهم يوميًا بأن الموت قد يكون أسرع الخدمات وصولًا إليهم.

و بينما كانت مدينة طنجة تستعرض نجاحاتها في المناظرة الوطنية، حيث جرى الحديث عن العدالة المجالية بين الجهات، كان سكان دوار تكوخت يواجهون معضلة الطرق المغلقة منذ مدة طويلة بسبب تأخر أشغال الترميم، والتي يبدو أنها دخلت في سباق بطيء مع الزمن، لتصنع صورً لولادة الحياة من الموت في صمت رهيب للجهات المعنية عن الواقع و تتهليل و تصفيق لشعارازت واهية.

الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تظهر المواطنين وهم يحملون السيدة الحامل على أكتافهم في مشهد يستحضر عصورًا غابرة، أثارت موجة غضب واستياء عارم، فكيف لدولة تطمح إلى أن تكون واجهة عالمية للرياضة والتنمية أن تفشل في توفير طريق بسيط لسكانها؟

هذه الحادثة ليست سوى واحدة من حلقات معاناة طويلة يعيشها سكان المناطق الجبلية النائية في المغرب، عزلة قاتلة تحرمهم من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم والنقل، في حين تتوالى الخطابات الرنانة عن التنمية الشاملة، كيف يمكن الحديث عن جهوية متقدمة بينما مناطق بأكملها لا تزال تعيش في تخلف تام؟ هل تكفي المؤتمرات المنمقة وحفلات التوقيع على المشاريع الوهمية لتغيير واقع الناس؟

بين طنجة التي تلمع تحت أضواء المؤتمرات وتكوخت التي ترزح تحت وطأة الفقر والإهمال، يظهر التناقض الصارخ في سياسات التنمية، فالجهوية المتقدمة التي نسمع عنها كثيرًا لا يبدو أنها تجاوزت مرحلة الشعارات. وفي حين تعد الجهات بتسريع وتيرة المشاريع التنموية، يبدو أن سكان المناطق النائية يواجهون سباقًا مختلفًا، سباقًا مع الحياة، حيث تصبح كل لحظة تأخير حكمًا بالمزيد من المعاناة.

في المغرب الذي يستعد لاستضافة العالم، تصبح حادثة مثل هذه وصمة عار تكشف زيف الوعود وتهافت السياسات، فبينما يركز المسؤولون على إبهار العالم، يبقى المواطن العادي، وخاصة في المناطق الجبلية، وحيدًا في مواجهة العزلة والتهميش. حادثة السيدة الحامل ليست مجرد قصة حزينة، بل هي جرس إنذار يذكرنا بأن التنمية الحقيقية تبدأ من الطرق البسيطة، من الخدمات الأساسية، ومن احترام كرامة الإنسان، قبل أن تبدأ من ملاعب الرياضة ومنصات المؤتمرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى