ماراطون مراكش بين فضيحة التنظيم وسؤال الشفافية المالية.. هل يتحول العمل الجمعوي إلى امتياز محصن؟
04/02/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
تحولت دورة الماراطون الدولي بمراكش إلى مشهد عبثي أثار سخط المشاركين والمواطنين، ليس فقط بسبب الفوضى التنظيمية، ولكن بسبب مشهد غير لائق جسده عدد من العدائين الذين اضطروا للتبول في الشارع العام نتيجة غياب المراحيض العمومية.
الحدث الذي كان يفترض أن يكون واجهة مشرفة لمدينة مراكش، كشف عن هشاشة التدبير وعن حقيقة تتجاوز البعد الرياضي والسياحي للماراطون إلى تساؤلات أعمق حول منطق التسيير المالي والشفافية داخل جمعية الأطلس الكبير، الجهة المنظمة لهذه التظاهرة.
في هذا السياق، خرج رئيس الجمعية بتصريح يدافع فيه عن أهمية الماراطون ودوره في الإشعاع السياحي للمدينة، لكنه لم يقدم أي توضيحات بشأن الجوانب المالية والتنظيمية التي أثارت جدلاً واسعاً.
في هذا السياق، طرح محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إشكالية غياب الشفافية والمساءلة عن تدبير ميزانية هذه الجمعية، التي يديرها نفس الشخص منذ سنة 1997 دون أن يزحزحه أي تغيير.
إن استمرار هذا الوضع يفرض التساؤل حول منطق الاستئثار بالمسؤولية وعدم خضوعها لقواعد التناوب، خاصة وأن الجمعية تتجاوز في طبيعة عملها الإطار الجمعوي التقليدي لتصبح أشبه بمرفق عام، تستفيد من أموال عامة وتدير ميزانية كبيرة تتطلب الوضوح والرقابة.
ووفقا للغلوسي فأن جمعية الأطلس الكبير تحقق مداخيل هامة، حيث يؤدي المشاركون 250 درهماً للمشاركة في الماراطون و200 درهم لنصف الماراطون، مع وصول عدد المشاركين إلى حوالي 3000 عداء، بالإضافة إلى ذلك، تتلقى الجمعية منحاً ودعماً مالياً من مؤسسات وجماعات ترابية وأشخاص، وهي أموال تشمل أموالاً عمومية يفترض أن تكون خاضعة لمعايير الصرف الشفاف والمحاسبة القانونية.
لكن المفارقة أن هذه الجمعية تحصل على امتيازات تمويلية لا تتاح لكثير من الجمعيات النشيطة بالمدينة، والتي رغم أدوارها المهمة تجد نفسها خارج دائرة الاستفادة من الدعم العمومي، مما يكرس منطق التمييز والمحاباة في توزيع المال العام.
كما أشار الغلوسي في تدوينته على الفايسبوك، أن الانتقادات لم تتوقف عند سوء التنظيم خلال الماراطون، بل امتدت إلى مساءلة النموذج الجمعوي الذي أصبحت عليه جمعية الأطلس الكبير، حيث أضحى البعض يستغل هذا الإطار كوسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، مستفيداً من غياب المراقبة الفعلية، في وقت تحولت فيه بعض الجمعيات إلى أذرع لخدمة مصالح سياسية وانتخابية ضيقة.
إن هذا الواقع يفرض تدخلاً عاجلاً من المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، من أجل إخضاع مالية الجمعية لافتحاص دقيق و تحديد أوجه صرف الأموال وكيفية تدبير المداخيل والمصاريف، لأن المساءلة ليست خياراً، بل ضرورة لضمان عدم استغلال العمل الجمعوي لتحقيق امتيازات خاصة على حساب المصلحة العامة.
و في غياب الرقابة والمحاسبة، تصبح بعض الجمعيات مشاريع شخصية تدر أرباحاً على القائمين عليها دون أن يكون لها أثر حقيقي على المجتمع.
ما حدث في ماراطون مراكش ليس مجرد مشكل تنظيمي عرضي، بل هو نموذج لاختلالات أعمق تعكس كيف يمكن أن تتحول فضاءات العمل الجمعوي إلى حصون منيعة ضد المراقبة، حيث يظل البعض في مواقعهم لعقود دون تغيير، مستفيدين من غياب آليات المحاسبة الفعلية.
و إذا كانت مراكش تستحق تظاهرات رياضية بمستوى عالمي، فإنها تحتاج أولاً إلى شفافية حقيقية تضمن أن تكون هذه الفعاليات أداة لخدمة المدينة وساكنتها، وليس مجرد مناسبة لاستنزاف المال العام دون رقيب.