ذاكرة

طرائف المعتقلين: حين سأل المحقق حجار أين كنت حين اندلعت الانتفاضة “كنت كنشري طوانك لمراتي”

هم أصحاب مواقف معارضة، قادتهم إلى غياهب المعتقلات السرية، المعروفة منها والمجهولة العنوان..سياسيون أمضوا سنوات طوال خلف الأسوار والأبواب الموصدة في زمن الجمر والرصاص.  قاوموا العزلة وبرودة السجن، وحاولوا النجاة بإرادتهم من أجواء المعتقل بعدما خلقوا أجواء من الفرح من عمق الألموالتوتر والقلق والكآبة والخوف..منهم من قضى في السجن، ومنهم من غادر أسواره بأعطاب نفسية عميقة، أضحت لحظات الألم فيها الآن، أو عند كل استدراج للذاكرة عنوانا للتفكر من المرحلة وثقل المرحلة.

في هذه الفسحة، ثمة طرائف للمعتقلين السياسيين، جديرة بأن تُروى، تمكنوا من خلال عفويتها ومواقفها وصناعتها أحيانا، التحرر من قسوة المكان وسطوة السجان.. تعيد “دابا بريس” نشر مروياتهم، التي حكوها ذات ليال رمضانية، للزميلة “هدى سحلي”

اخترنا في افتتاح السلسلة، مروية  الراحل “محمد حجار” لروحه السلام، غاب جسده  وبقيت ابتسامته تطيّب الخواطر، كما يحكي رفاقه، وظلت حكاياته مثل كثيرين هنا، تتحدث كيف انتصر بمعية زملائه على ظلمة الزنزانة وتعذيب السجان بسلاح السخرية وصناعة الطرائف المنقوعة من كوميديا المواقف.

“دوزنا الحبس ديالنا بشكل رائع” بهذه الكلمات وصف محمد حجار الثلاث سنوات التي قضاها معتقلا بسجون البيضاء، عقب أحداث 81.

رائع؟! أتساءل حقا هل يجوز هذا الوصف الذي أسقطه حجار، على حياة مقيدة داخل بضعة أمتار، حيث لا نسيم نستنشقه ملء صدورنا، ولا أفق ممتد تسرح فيه أبصارنا؟ لكن المتخيل شيء، والواقع المعاش شيء آخر، وكيفما كانت شروط ذاك الواقع وظروفه، هناك دائما الإنسان المستميث في البحث عن سعادته، ولأجل ذلك يحول أي ظرف إلى مدعاة للفرح، والبداية تكون بالتصالح مع الواقع الجديد، تماما كما فعل حجار، الذي تناسى العالم الخارجي، وأعد نفسه للحياة السجن، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، بكوميسارية المعاريف، فجعل مرحلة الاستنطاق إلى لحظة سخرية، حين سأله المحقق عما كان يفعله بباب مراكش في المدينة القديمة بالدار البيضاء، حيث اشتعلت انتفاضة 1981، ليجيب” كنت كنشري طوانك لمراتي”، فتدخل مسؤول آخر موجها كلامه إلى المحقق “صافي قلب عليه”.

وتستمر السخرية، يتابع حجار أثناء المحاكمة، التي تحولت مرافعاتها إلى نقاش سياسي، وكان الراحل الرفيق أحمد بنجلون أحد هيئة الدفاع، وقال حجار “وصلنا للمحكمة بعد 8 أيام فالكوميسارية، فيما يعرف بملف المانوزي ومن معه، وفي مداخلة للوكيل العام للملك، بدأ يمجد إنجازات الدولة ويعرض علينا الأرقام، فتدخل بنجلون مجيبا: راه كان تقرينا واحد الأستاذ ديال الاقتصاد، يقول لنا على أنه الإحصائيات بحال المايو-لباس السباحة- تتبينكلشي وتدرق المهم” فانفجر الحضور بقاعة المحكمة ضحكا”.

في سجن عين البرجة، يذكر حجار، حين تم الاستئناس بالزنزانة، وتنظيم الحياة الجماعية للمعتقلين، ولأن السجن لا يخلو من صراعات واحتجاجات، قرر الرفاق خوض إضراب عن الطعام لا محدود، بعد أن تعرضوا للتعنيف، جراء تدخل أحد الرفاق لمنع حارس السجن من الاعتداء على شاب قاصر من سجناء الحق العام، انتهى بضرب هذا الرفيق للحارس، وفي تلك الفترة كان حجار ومعه موريس السرفاتي في مصحة السجن بالطابق الثالث، وكان يتواصل مع الرفاق في الطابق السفلي عن طريق الرسائل التي كان يوصلها أحد سجناء الحق العام، ومن خلالها علم بأمر الإضراب عن الطعام، لكنه عبر عن رفضه للمدة التي قررها السجناء، مقترحا خوض الإضراب في حدود 24 او 48 ساعة،  قائلا “واش حنا على دقّة نديرو اضراب لا محدود”، لكن الرفاق كانوا مصرين، وما كان على حجار الى الالتزام بالقرار الجماعي، إلى هذه الحدود الأمور تبدو عادية، وبالفعل دخل حجار في الاضراب، بعد ان اخذ دواء من المصحة، يساعد على إفراغ المعدة تماما من أي بقايا للطعام “زعما كان جدي وحريص على خوض اضراب حقيقي”، وبعد مرور ثلاث أيام، يقول حجار صعد إليه أحد الرفاق، ووجده ضعيفا شاحبا، فسأله “مالك صفر” فأجابه  باقتضاب: الإضراب، استغرب الرفيق وقال له “ولكن الاخوان را يالاه خليتهم كياكلو”، وحجار “مافهم والو” فنزل إليهم إلى الطابق السفلي، ليكتشف أن الرفاق ألغوا الإضراب منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه، بعد أن أخبرهم مدير السجن انه ستتم محاسبة الحارس، لكنهم نسوا حجار فوق في المصحة يخوض إضرابه لوحده.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى