رأي/ كرونيك

السياق العالمي والإقليمي السياسي العام مواتي لإعادة تسويق صدام الحضارات!!

حسن صعيب

بعد أن تربع على عرش الانتخابات الأوروبية اليمين الوسط واليمين المتطرف، وبعد فشل أطروحة فوكوياما التي كانت تدعوإلى هيمنة “اللبرالية الديمقراطية” على العالم، بعد اعترافه المتأخر، وبعد دق طبول الحرب ضد إيران الشيعية والحرب الاقتصادية ضد الصين الكونفوشيوسية ومحاولة فرض “صفقة القرن” بفلسطين، وتعميم “الاستبداد الشرقي” بالعالم العربي والمغاربي الإسلامي السني-الشيعي، أصبحت الظرفية السياسية العامة مواتية جدا لإعادة تسويق أطروحة” صدام الحضارات” التي بلورها الأكاديمي الأمريكي سامويل هنتغون التي تعتبر أن القرن القادم هو قرن صدام الحضارات، حيث يعرف الحضارة كهوية ثقافية من خلال عناصر موضوعية(اللغة،الدين،التاريخ،التقاليد،المؤسسات) وعنصر ذاتي(الإحساس بالانتماء)، ويقسم الحضارات القائمة إلى ثمانية:غربية،كونفوشيوسية،يابانية،إسلامية،هندية،سلاف-أورتدوكسية، أميريكا اللاتينية وإفريقية.

على عكس الحروب الإيديولوجية حيث يصبح ممكنا تغيير الحلف، فالصدام بين الحضارات هو جوهري، وبأن محور الصراع في المستقبل سيكون صدام الحضارة الغربية مع الحضارة الإسلامية، ويتنبأ بالصعود القوي للعالم الكونفوشيوسي(المحيط بالصين)ويتحدث عن إمكانية تشكيل محوركونفوشيوسي- إسلامي، تحالف قد يقلب رأسا على عقب الحضارة الغربية.

تبدو هذه الأطروحة متهافتة لعدة أسباب منها فشل تفسيرها الحروب الأخيرة في الخليج إذ تحالفت عدد من الدول العربية ضد صدام، وأن التاريخ والمؤسسات قد توحدت في الصرب والكروات وانقسمت فقط في الدين، والحروب منذ سنوات 1990 في إفريقيا كانت حروبا أهلية وبدعم قوي من النظام الكولونيالي الفرنسي، كما نشبت صراعات قوية بين الكوريتين والصين على تايوان، و لأنها تغيب عن قصد التناقضات الطبقية والسياسية والدينية داخل نفس الحضارة الواحدة، كما أن الحضارة الغربية رغم وحدتها السياسية والثقافية والدينية فهي الأخرى تعرف تناقضات حادة ، فضلا عن تحالفها مع قوى رجعية واستبدادية في العالم العربي والمغاربي.

أكيد ستكون السنوات القادمة كما التي سبقتها اندفاعا قويا على مستوى الصراع الإيديولوجي والثقافي بين القوى الإمبريالية والرجعية والصهيونية، وقوى التحرر والتقدم في العالم، وفي القلب منها تجديد الصراع ضد هذه الأطروحة التي تداعب خيال قوى الإسلام السياسي وتمدها بسلاح جديد من أجل المزيد من التقوقع وإعادة إنتاج الاستبداد في منطقتنا العربية والمغاربية ،أخشى أن نقضي وقتا طويلا في مصارعة هذه الأطروحة الإمبريالية الجديدة عوض بناء الثقافة التحررية التي تتطلب منا فتح أوراش على أكثر من صعيد في أفق فرض الهيمنة الثقافية بالمعنى الغرامشي، هذا هو السبيل الحقيقي لتجاوز الانحباس التاريخي الذي لم يعد فقط طويلا بل أصبح متعفنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى