سياسة

خطاب جريء لنزار بركة.. انتقد الحكومة ووقف عند اختلالاتها وتقلب مواقفها وتحالفاتها

قال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إن الحكومة عطلت ورش الاختيار الديمقراطي، الذي جاء به دستور 2011، ولم تقم بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية الضرورية لتثبيت هذا الاختيار، ومن جراء هذا التعطيل، نعيش اليوم حالة من الترهل الديمقراطي والمؤسساتي، وضعف الثقة في الحكومة وفي المؤسسات المنتخبة وفي مختلف هيئات ومنظمات الوساطة السياسية والاجتماعية والمدنية مع المجتمع.

وأضاف بركة، خلال الدورة العادية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، السبت، بقصر المؤتمرات أبي رقراق بسلا، أن ما نعيشه منذ استحقاقات 2017، هو تراجع عن مكتسبات حقوقية وديمقراطية غير قابلة للتراجع، من خلال التضييق على الحريات، وعودة سلطة المال الانتخابي، والتقلب في المواقف والتحالفات، وإفراغ المؤسسات المنتخبة من مضمونها السياسي، بالإضافة إلى اعتماد الترضيات والتسويات وحسابات الربح والخسارة في إطار درجة الصفر للواقعية السياسية التي لا ثوابت ولا عهود لها، على حساب اختيارات الناخبين ومخرجات صناديق الاقتراع، وصورة السياسة والسياسيين لدى المواطن وفي المجتمع.

وسجل نزار بركة أنه لا يمكن تصور ديمقراطية بدون أحزاب سياسية، ومن يستهدف الأحزاب اليوم يستهدف مكونا أساسيا من البناء الديمقراطي ببلادنا، معربا عن استعداد حزب الاستقلال من موقعه للقيام بنقد ذاتي جريئ ومسؤول، مشددا في الآن ذاته على ضرورة القراءة الجيدة للسياقات الإقليمية والدولية، والظرفيات الحالية، وأن يتم الانكباب على صياغة تعاقد سياسي جديد يخرج بلادنا من حالة الجمود والتردد التي تعيشها، وكفيل بإقرار مصالحة المواطن مع الشأن السياسي، ومع الأحزاب السياسية، وتعاقد سياسي بمثابة المدخل والبوابة إلى التعاقد الاجتماعي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك، والذي يتطلع إليه الجميع كمخرج من حالة الإجهاد متعدد الأبعاد الذي تعيشه بلادنا مؤخرا.

وأشار بركة إلى أن حزب الاستقلال أكد من خلال تصوره للنموذج التنموي الجديد، على أن الديمقراطية هي قرينة للتنمية، وهما معا يضمنان لبعضهما البعض المشروعية والمصداقية والاستدامة، مؤكدا أن الديمقراطية لن تحمل معناها الحقيقي والملموس بالنسبة للمواطن إذا لم تكن محركا دافعا لإنتاج النمو المُدمج والتوزيع المنصف للثروة ، وخلق فرص الشغل اللائق، وتحقيق الكرامة والرفاه في المعيش اليومي، بل هي الوسيلة التي يستند إليها للمراقبة الشعبية والمحاسبة وتغيير السياسات عندما لا تفي هذه السياسات بوعودها والتزاماتها.

ودعا الأمين العام لحزب الاستقلال إلى إعادة فتح ورش الإصلاح السياسي والمؤسساتي وإبرام تعاقد سياسي جديد، وإلى الإسراع بإعادة فتح ورش الإصلاح السياسي والمؤسساتي، بترصيد مكتسبات ما قبل وما بعد دستور 2011، والانكباب على معالجة التداعيات السلبية التي ساهمت في تحجيم طموحات المسار الديمقراطي ببلادنا.

وفي هذا الصدد، اقترح بركة عددا من مسالك الإصلاح الممكنة، من أهمها استكمال بناء الصرح المؤسساتي الذي جاء به الدستور، والأفق الإصلاحي المتقدم الذي يتيحه، وإعمال التأويل والممارسة الديمقراطيين في تطبيق مقتضياته بما يضمن تقوية فعالية ونجاعة هذه المؤسسات.

وأضاف بركة أن من بين هاته المسالك الإصلاحية، إجراء تقييم مرحلي تشاركي للدستور، بما تراكم من قوانين وممارسات على مستوى فصل السلط وتوازنها وتعاونها، واضطلاع كل منها بأدوارها، وتقييم أثر كل ذلك في توطيد الثقة التي حملها تحول 2011، وترسيخ البناء الديمقراطي، والنهوض بحقوق المواطنة، واستثمار الفرص السانحة للتنمية، وتطوير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عموما، وذلك في ضوء الخلاصات التي سينتهي إليها التقييم، يتعين العمل على تدقيق وتوضيح واستكمال عدد من المقتضيات التي طرحت صعوبات عند تطبيقها، دون أي تراجع عن المكتسبات والممارسات الجيدة، وعن الجوهر الديمقراطي للدستور الذي أكد عليه صاحب الجلالة باعتباره محل إجماع جميع المغاربة ملكا وشعبا.

كما تتجلى هذه المسالك الإصلاحية، يؤكد بركة، في إدراج مبدأ المسؤولية الديمقراطية في علاقة جميع السلط فيما بينها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي علاقة هذه السلط بالمواطن من خلال الآليات التمثيلية والتشاركية والمواطنة، وذلك بما يضمن له الولوج العادل والمنصف إلى الحقوق والخدمات، والمشاركة في التقييم والمساءلة عند الاقتضاء، إضافة إلى اعتماد إطار قانوني خاص وملائم في شكل مدونة للتصدي لتنازع المصالح بأشكاله وتقاطعاته المختلفة بين الخاص والعام، إلى جانب إعطاء دينامية جديدة للديمقراطية التمثيلية من خلال مراجعة المنظومة الانتخابية بما يحقق التلاؤم والربط الفعلي بين التمثيلية الانتخابية والمجتمع في تحولاته، وبما يسمح بتوسيع قاعدة التمثيلية المجتمعية في المؤسسات.

واعتبر نزار بركة أنه من بين مسالك الإصلاح الملحة، نجد أيضا موضوع مراجعة القانون التنظيمي للأحزاب، لا سيما فيما يتعلق بتمويل الحياة السياسية باعتماد مزيد من الشفافية، مع تعبئة الإمكانيات الضرورية وتنويع مصادرها لكي تواكب التطورات وتحصن الفعل السياسي، وهنا، يتعين إعادة النظر في الدعم العمومي الذي يجب أن يتوجه أساسا إلى تعزيز الوظيفة التأطيرية والقوة الاقتراحية للأحزاب السياسية وتعزيز مكانة المعارضة، عوض حصر الدعم فقط في تمويل عقد مؤتمرات الأحزاب، أو في ارتباط بنتائج الاستحقاقات الانتخابية، إلى جانب اعتماد ميثاق وطني للمنتخب وللسلوك والممارسة الانتدابية يقوم على ثقافة المصلحة العامة، والوفاء بالالتزامات الواردة في البرامج الانتخابية، وحضور ترابي عبر فضاءات للتواصل واستقبال المواطنين، بما يسمح بإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ودعا بركة، أيضا، إلى تجديد وتوسيع قاعدة النخب السياسية بإفساح المجال أمام شرعية نضالية جديدة قادرة على تجاوز أزمة العرض السياسي الحالي، وذلك من خلال إطلاق حوار وطني للمصالحة بين مختلف مكونات النخبة السياسية لتجاوز التقاطبات بين السياسي والتكنوقراط، وبين الاقتصادي والسياسي، وفعاليات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تمتيع المغاربة المقيمين في الخارج بالحق في التصويت والترشيح في جميع المؤسسات المنتخبة انطلاقا من بلدان إقامتهم، مع إحداث الجهة رقم 13 وتقسيمها إلى دوائر انتخابية دولية، وتكون ممثلة على مستوى مجلس المستشارين.

وفي ذات الإطار، طالب بركة بتوسيع صلاحيات الجهة في أفق تمتيعها بجهاز تنفيذي جهوي يضطلع باختصاصات موسعة في اتخاذ القرار التنموي على المستوى الترابي، ويتوفر على الموارد المالية والبشرية الكافية، وذلك بالإسراع في نقل اختصاصات الدولة إلى الجهات وفق مبدأ التدريج والتمايز فيما بينها، وإعطاء الصدارة للأقاليم الجنوبية للمملكة بما يهيئها منذ الآن لنظام الحكم الذاتي، وتفعيل سياسة اللاتركيز الإداري وتقوية اللامركزية، إلى جانب إحداث هيئة استراتيجية للجهوية المتقدمة تتولى قيادة وتتبع تفعيل نقل الاختصاصات والموارد للجهات، وتنفيذ البرامج التعاقدية مع الدولة في إطار السياسات العمومية والمخططات القطاعية المعتمدة.

كما دعا نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى تقوية التمفصل والتفاعل بين آليات الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية من أجل توسيع وتنويع قنوات المشاركة المواطنة والحوار المدني في مسلسل اتخاذ القرار وتقييم السياسات العمومية والمساءلة الشعبية، وذلك بإحداث بنية تنظيمية قارة للحوار والتشاور وللنقاش العمومي على الصعيدين الوطني والترابي، مشيرا إلى أن استئناف ورش الإصلاح السياسي والمؤسساتي الذي يدعو إليه حزب الاستقلال جميع الفرقاء، وفي مقدمتهم الحكومة، لا يمكن أن ينتظر حلول سنة 2021 من أجل مباشرته وتفعليه “كيفما اتَّفَق”، خاصة إذا كانت هذه السنة سنة انتخابية بامتياز باستحقاقاتها الجماعية والجهوية والتشريعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى