رأي/ كرونيكميديا و أونلاين

أكذوبة استقلالية حكومات الكفاءات في مواجهة احتجاجات الشارع

الكثير من تجارب حكومات الكفاءات أثبتت أن الوزير يدخل مستقلا فيخرج عند نهاية عهدته مسيسا ومتحزبا.

وسام حمدي صحافي تونسي

لا حديث لدى الطبقة السياسية أو في المنابر الإعلامية في بعض البلدان العربية كتونس ولبنان في الأشهر الأخيرة سوى عن مصطلح حكومة الكفاءات أو ما يعرف بحكومة “تكنوقراط”.

دفع الشارع المحتج في لبنان وفي تونس وبدرجة أقل في العراق قادة هذه البلدان إلى البحث عن مخارج سياسية لتفادي السيناريو الذي يحاصر بقاء النظام عبر الترويج لفكرة “حكومة الكفاءات”، أولا  قصد إخماد الغضب الشعبي وثانيا للبحث عن مسكنات جديدة يعيدون عبرها رسكلة النظام وتفادي السقوط عبر الاختباء وراء حكومة “تكنوقراط” تكون الواجهة الأولى التي يتم تحميلها مسؤولية الفشل.

في تونس ما زال الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف من قبل حركة النهضة بتشكيل الحكومة الجديدة يتشبّث لدى أي إطلالة إعلامية بأن جوهر حكومته سيكون مبنيا على قاعدة الكفاءات دون الخضوع لإملاءات الأحزاب

وفي لبنان، يقول أيضا حسان دياب المكلف بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة سعد الحريري، وهو المدعوم بحزب الله وحلفائه، إن توجهه هو أن تكون حكومته حكومة اختصاصيين مستقلين.

أما في العراق، الذي يبحث قادته بدورهم عن طريقة تحد من فرضيات قلب النظام، فما زالت طبقته السياسية لم تحسم أمر من سيخلف عادل عبدالمهدي، رغم أن الشارع المنتفض أجبر في لحظة إدانة إقدام النظام على قتل المتظاهرين واغتيال بعض الناشطين على رفع صوته عاليا للمطالبة بحكومة “تكنوقراط” دون أن يكون دراية واسعة بما تدسه الأحزاب من مؤامرات حين تطرح مسكن حكومة الكفاءات.

إن مصطلح حكومة الكفاءات لا يعد جديدا في عالم السياسة بل ظهر منذ القدم وتحديدا في الدولة اليونانية وتم استعماله أيضا في أعتى الديمقراطيات كالولايات المتحدة في ثلاثينات القرن الماضي، فكلمة “تكنوقراط” في الأصل مقتبسة من اللغة الإغريقية القديمة ومكونة من مفردتين “تكنو وتعني مهني أو فني وقراط تعني حكومة أو دولة، وجمعهما، يعني حكومة مهنية أو فنية”. ويعني هذا الشكل من الحكومات أن تدير الشأن العام كفاءات اختصاصية بالخبرة والكفاءة والاختصاص، وتحمل القدرة على إدارة المسؤولية بشرف ونزاهة، أي حكومة مستقلة غير حزبية.

لكن أمر هذا المصطلح يختلف كثيرا حين تتعامل معه بعض ديمقراطيات المحاصصة خاصة في لبنان وتونس فبمجرد طرح هذا المصطلح سرعان ما تنكشف مرامي اللعبة السياسية المخاتلة والساعية لخداع الشارع المحتج

يطفو مصطلح حكومة الكفاءات على سطح الأحداث في تونس عند كل مناسبة لتشكيل الحكومة أو تقييم عملها أو تعديلها أو تغييرها، فتظهر الأحزاب التي فشلت في إدارة الحكم طيلة تسع سنوات بعد ثورة يناير 2011 وعلى رأسها حركة النهضة لتتحدث عن أن المرحلة تقتضي توافقا وطنيا حول حكومة محايدة. هذا الأمر يحصل الآن مع الحبيب الجملي رغم أن الجميع يدرك أن الحكومة الجديدة التي سيتم الإعلان عن تركيبتها في الأيام القليلة القادمة ستكون في كل الأحوال وبأي شكل من الأشكال سياسية بامتياز وتقودها حركة النهضة من وراء الستار.

إن حركة النهضة التي قدّمت الجملي على أنه مستقل سياسيا تدرك صعوبة المرحلة في الخمس سنوات المقبلة، لذلك تراهن مرة أخرى على لعب ورقة حكومة “تكنوقراط” ليس من أجل اختيار الوزير المناسب في المكان المناسب بل لتواصل السير في تعويم مسؤوليات الحكم لتجنّب المحاسبة السياسية والشعبية في ما بعد.

وتدرك الأحزاب المعنية بالمشاركة مع النهضة في الحكومة أدق تفاصيل هذه اللعبة السياسية وهذه المخططات، لذلك بقيت مترددة، بوضع قدم في الحكومة وأخرى في المعارضة خاصة عندما يتعلق الأمر بحزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين يضعان ضمن حساباتهما السياسية أن المحاسبة على الفشل في المستقبل ستقضي ربما على ما بنياه من رصيد شعبي في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

أما في لبنان، فلا يذهب أكثر المعتقدين والمؤمنين برواية حكومة الكفاءات، إلى أن حكومة حسان دياب إن رأت النور ستكون مستقلة عن المنظومة التقليدية التي يدير خيوطها ويهندس سياساتها حزب الله وحلفاؤه اللذان يبنيان تصورات ومستقبل البلاد لا على قاعدة المصلحة الوطنية بقدر ما تكون مبنية على ضمان تواصل التقارب مع الحليف الإيراني.

يحاول حزب الله الآن التخلّص من التهمة التي ظلت تلاحقه في عهد حكومة الحريري المستقيلة، حيث كانت توصف بأنها “حكومة حزب الله”، ولذلك يراهن الحزب الطائفي الموالي لإيران على كسب الوقت بالاحتيال والخداع لإرادة الشعب عبر تقديم نفسه كداعم لحكومة كفاءات تقود البلاد في المرحلة المقبلة.

حين رفض سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة الجديدة تحت مسمى حكومة الكفاءات، كانت تعلته أنه وجد خطوطا حمرا تريد إملاءها  دوافع حزبية وطائفية تبقي الوضع السياسي على ماهو دون تغيير، بمعنى أنه لن يكون للحكومة الجديدة من الكفاءات المستقلة غير الاسم.

إن ما خفي من كواليس دعم حزب الله لدياب هو دفعه مجدّدا إلى أن تكون الحكومة الجديدة خاضعة لسيطرته بتمرير ما يريد من التسميات عبر ما يعتبره الطريق الأسهل والأكثر ضمانا لمستقبله وهي حكومة الكفاءات

لقد أثبتت الكثير من تجارب حكومات الكفاءات أنها لا تعدو أن تكون سوى مجرد حيلة جديدة يلتحف بها أي نظام سياسي للتمرس بالحكم، بحيث يدخل في هذه الحكومات الوزير مستقلا ليخرج في نهاية عهدته متحزّبا بل ومن أشد المدافعين عن الطرف السياسي الذي اقترحه ليكون في يوم ما وزيرا، إذن لم كل هذا السير في الطريق التي لا تنتج بالنهاية سوى حكومة أشباح لكنها مسيسة أو طائفية؟

المصدر: صحيفة  العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى