ثقافة وفنون

السيتكوم والتخلف الإعلامي بالمغرب…سلسلة “دابا تزيان”..

بقلم الأستاذ عبد الله المعاوي مراكش

إن أهم ما يحكم الصورة في المشهد المغربي المقدم في كثير من الأعمال الدرامية سواء في التلفزة أو في الشاشة الكبرى هو غياب الوعي الوطني في الاختيارات الأساسية لمعرض الصورة. وهذا ما يلاحظه المتتبع لإبداع المتخرجين من المؤسسات الحديثة كمعهد التمثيل أو المؤسسات السينمائية الغربية والذين يهيمنون على الكتابة والإخراج وحتى التشخيص في كثير من الأعمال البصرية.

وتأبى سلسلة دابا تزيان إلا أن تعبر عن هذا الفشل الإبداعي منذ الحلقة الأولى من المسلسل.

الاختيار الأول:

الشخصية الأساسية في هذه الكتابة الدرامية هي شخصية الجد العائد بعد رحلة طويلة، وبعد مرور عقود من العمر. لكنها شخصية مفرغة من أهم قيمة لا تزال شخصية الجد تحافظ عليها في المجتمع المغربي. وهي قيمة علاقة المحبة القائمة بين الأحفاد والأجداد.

إن هذه القيمة الإنسانية العظيمة لم نعد نجدها إلا في الأسر العربية بصفة عامة والأسرة المغربية بصفة خاصة.

قيمة تنفيها نظرات التبرم التي تحملها عيون علال أفندي الذي ينتظر وصول الطائرة في المطار الدولي بمصر. حيث يوجه نظرات الكراهية للطفل الصغير الذي يلعب بلعبة طائرة صغيرة بجانبه، ويوجه له تهمة الإضرار بعيونه.

وقد كان جديرا بكاتب السيناريو أن يجعل هذه القيمة وسيلة لتقديم شخصية علال أفندي العائد الفاشل من هجرته عوض الحديث عنها بذلك المونولوج الفج المفروض من طرفه على المتلقي.وهل هناك أهم من حوار محبة بين طفل غريب وكهل يحترق شوقا لرؤية أبنائه وأحفاده بعد أربعين سنة من الاغتراب الفاشل؟

الاختيار الثاني:

هو اختيار المفاجآت العشوائية وذلك بسبب غياب الحبك في التنقل خلال الخطوات الأولى المؤسسة للخط الدرامي : حيث يفرض المخرج على المتلقي تقبل مفاجأة ركوب علال أفندي في سيارة الأجرة التي تنتظر عودة زوجته من سفرة العمرة(المالديف).مع عدم إغفال النظرة القدحية التي يكرسها الحوار للمرأة عندما أخطأ السائق في مخاطبة علال بالحاجة التي كان ينتظر.

السائق :ها الكليانة جات. (بعدأن يضع الحقائب في السيارة ) مدام..فاين الحاجة؟

علال : أش هد قلة الحيا ؟ احترم نفسك وا ش ما عرفتيني

السائق : لا

علال :  بما أنك ما عرفتينيش ديماري وصلني لداري

الاختيار الثالث:

قيمة اللجوء للشرطة لفض الخلاف في أي  مسألة صغيرة كانت أو كبيرة.  وقد اختار المخرج او كاتب السيناريو جملة النداء ( أسي البوبيسي) لفض النزاع القائم بين علال وسائق سيارة الأجرة..

كيف تمت تسوية الخلاف (هذا لا يهم)ما دام أن السائق انطلق بالراكب بالرغم عنه (أو رغم أنف المتلقي) نحو منزله.

الاختيار الرابع:

فتح النقاش حول المعرفة الفنية الموسيقية من خلال الحديث عن 40 سنة قضاها علال أفندي في ضرب الطّرْ بمصر. وحديثه عن معرفته لنجاة الصغيرة ونجاة الكبيرة: وحتى نجاة اعتابو.

إن أقل ما يقال عن هذا الاختيار هو استهزاء مؤلف ومخرج السلسلة بمكونات المتلقي المتتبع لمثل هذه السلسلات العشوائية، حيث يقنعه كاتب السيناريو بمناقشة السائق لموضوع المطربين والمطربات الذين عاشوا أيام عز عطائهم خلال السبعينات رغم صغر سن السائق الذي يتحدث عن حبه لمطربات من فئة فايزة احمد وأم كلثوم ونجاة الصغيرة: ويزيد الطين بلة عندما يتحدث عنهم وهم لازالوا أحياء. وهذا من باب دفع المتلقي للتسلية :

علال :وايلي يمكن إلا أنت ما باقي متبع حياة الفنانين من السبعينات.

ويأتي هذا المشهد تتميما للحوار المفتعل الذي جرى بين السائق وأمه في بداية العمل:

السائق : الو امي راه خدام،  ماشي الكدام خدام.  انا في المطار ماشي السبيطار في المطار. كنتسنى واحد الكليانة غادي اتجي من المالديف.  ادعي مع ولدك ما يشدني شي بوليسي راه ما عنديش لاسورانس.

هذا الاختيار الفج والمضيع لوقت المتلقي والمبلد لمستواه المعلوماتي  يزينه المخرج بثلاث إطارات ملتقطة من شوارع الدار البيضاء، ويدعمها بإطار جميل للشارع المؤدي لمسجد الحسن الثاني، وإطار سمعي تنشد فيه الحاجة الحمداوية خوتنا يا الاسلام هزو بنا العلام إلى خيابت دبة تزيان. وتنتهي بوصول الاثنان إلى باب منزل علال أفندي..

الاختيار الخامس:

تحويل منزل علال أفندي إلى مقر للإدارة العامة للأمن الوطني مصلحة تسليم البطائق الوطنية.

وهو تعزيز للعناصر المختارة في مجال الكراهية لمقرات الشرطة لأسباب ماضوية، ويطرحه كاتب السيناريو تعزيز لاختيار سابق وهو الاحتراس من الطفل  بحكم أنه مصدر للشغب والمتسبب في الحوادث الخطيرة.

الاختيار السادس:

ربط مراكز الأمن بإعادة التربية للمواطن المغربي، وذلك من خلال الحوار الدائر بين السائق وعلال أفندي.

علال : شوف انت راه غادي ندخلك لهد الكوميسارية يعاودليك التربية.  انت راه اقليل التربية انت.

مسلمة تؤكد العشوائية التي يبنى بها العمل الدرامي في هذه السلسلة. وتتأكد هذه العشوائية بالحوار الدائر بين الاثنين والشاب والمرأة التي ستخبر علال بتنقل عائلة زهور وابنها الدكتور فريد إلى فيلا جديدة كما تفيد بأن ابنه فتح عيادته للطب النفسي وزواجه بمؤلفة للكتب وهي التي ستدخله بعد وصول علال عند زوجها على أساس أن الجميع ينتظر وصول الماجوردوم  المطلوب سلفا من  شركة متخصصة في هذا الشأن.

و يصطلح على هذه العملية التي قام بحبكها كل من كاتب السيناريو والمخرج  في العمل الشعبي عادة ب (التْلاصق).  وهي عبارة عن عملية التنقل من حدث إلى آخر بشكل تتابعي وحسب.  لأن المهم عند المخرج في سلسلة دابا تزيان هو دخول علال لمنزل العائلة بعد 40 سنة من الغياب (والسلام).

الاختيار السابع:

وهو الذي عادة ما يشاهد في الأفلام الهندية الصائغة للصدف الفانتاستيكية بالرغم من أنفها. فمن خلال إطار لوضع الحقائب تقدم الكاميرا شخصية ابنة صاحبة الفيلا النازلة من درج الفيلا التي تقطن بها العائلة وهي تسحب شعرها الغزير نحو الخلف لتلتقي بعيون سائق سيارة الأجرة الذي ينتظر أجرته، فتخبرنا الإطارات المختارة بأن أحداثا ذات أهمية ستنتظم بين السائق والفتاة في هذه الفيلا العجائبية والفخمة والتي تعبر عن ثراء الأسرة المقيمة بها.هذه الإطارات المتتالية لايوقف فعلها السحري سوى هاتف والدة السائق.

ضمن هذا الاختيار يصل العمل إلى قمة استخفافه بالمتلقي حيث يخبر السائق يأمه بأنه سيلتحق بها حالما يحصل على أجرته من علال أفندي. لكن وهو يتحدث عن هذا الأمر يركب سيارته وينطلق ليفاجأ بتواجد الفتاة راكبة في المقعد الخلفي للسيارة.

يُطرح اختيارُ مفاجأة تواجد فتاة الأسرة المدللة بسيارة الأجرة بشكل متواز مع تواجد الأب علال في مكتب ابنه الدكتور فريد الذي يتحدث عما يكنه لأبيه من محبة.  وبالمقابل يتحدث علال عن تأسفه عن عدم رؤيته لابنه منذ صغره.

الاختيار الثامن:

قيمة الشهادة في سبيل الوطن لتزيين كذبة الغربة التي طالت بالغائب عن أسرته. لكن تطور هذه الكذبة تتوقف بمجيء زوجة الدكتور التي تريد التعرف على ماجور العائلة الجديد فيبدي فريد تأسفه لأنه كان يتحدث مع الماجور دوم كزبون جاء لزيارة طبيبه.

من هذه اللحظة سيصبح علال أفندي في المسلسل هو ماجور البيت وسيصبح اختياره هو الشخصية المحورية التي ستدور حولها أغلب الأحداث المتناثرة في هذا العمل.

إن اختيار شخصية الماجور دوم الواردة من المجتمع الغربي هو إضافة نوعية الى الكتابات الدرامية التي أثتت المشهد البصري بالمغرب بحكم تكوين كتاب الدراما والسينما المغربية التي انبهرت بالاختيارات الأجنبية وأقنعت ممارسيها منذ البداية بعدم الاهتمام بالمقومات الأساسية للوطن. وهذا ماطرحته ووصفته في البرولوج الذي قدمت به المقال الأول من هذه السلسلة النقدية بخيانة الوطن وهو جزء من الجهل أو التجاهل بالحضارة المكونة لحضارة هذا الوطن التي تتوفر على شخصيات أصيلة في خدمة الأسر والعائلات بمختلف أنماطها وطبقاتها.

وخلال  تعريف الماجور على أركان البيت وساكنيه  من طرف زوجة الدكتور فريد يتم تقديم شخصية زهور كعنوان للتناقض والرغبة في السيطرة والتباهي بالانتماء الطبقي.  انتماء يكسره مفاجأة يوم رجوعها بيوم دخول الزوج علال إلى المنزل.

وفي حوار ثنائي بين العنصرين الأساسين زهور وعلال يحرص علال على الرغبة في قضاء ما تبقى من العمر بجانب ابنه وأسرته الصغيرة، فيستعمل جملة:

علال : غادي نقول ليه بين  باباك راه ما زال حي يرزق، هانا

بحركة ترد الممثل المختار إلى الشخصية الأنثوية التي صنعت شخصية الجم على خشبة المسرح بإشاراتها المخنثة وبشكلها الأنثوي الذي حفر عمقه الأدائي على الخشبة داخل ما كان يصطلح عليه بفرقة مسرح محمد الخامس. لا ينقصه سوى السروال القصير والربطة المطولة والطربوش الأحمر في طرح مضاد لحمولتها المعلن عنه في رغبته في آخر الجدال بين الطرفين في الانسحاب:

علال : الى ما بغيتي انت وضميرك وعندما يريد علال أن ينصرف تناديه زهور متراجعة:

زهور : شوف غادي انقبلك تبقى ولكن بشرط :حتى حد ما يعرفك اشكون انت

علال: أنا ماعنديش اللسان اللي غادي يحكي هد الشي كلو

غادي انفكرك في الطويجنات اللي كنتي تاتكلي من إيدي

وبشكل ساذج يتم اختيار لعبة التواجد برضا زهور التي اختارت بقاءه مع إخبارنا

انها ( ستعمل كل ما في جهدها باش تهرب  علال من الدار).

ويبقى السؤال الساذج والبعيد عن قانون (القطع )السينمائي الغير المبررهو: أين وجد علال أفندي كسوة الماجور دوم التي ارتداها وقد كانت على مقاسه؟ مثلها مثل تبريرجلوس السائق مع الجماعة في أول مائدة عشاء تجمع العائلة والذي لا ينبه إلى تواجده غير طريقة الشربة المتخلفة التي يشرب بها حريرته.فيتولى السائق بنفسه شرح هذا التبرير  ( للمتلقي ) عندما يبين  بأن تواجده في جلسة العشاء الأولى مع الحاجة كان تلبية لدعوتها له، واستغلال المناسبة لتحقيق توقعات المتفرج له. حيث تؤكد الحاجة زهورعلى انه سيصبح سائق العائلة الرسمي بسيارة العائلة التي ترفض إعطاءها لابنها الذي لا يحسن السياقة،  مشبهة له بأبيه الذي كان كثير الحوادث.

وتتدخل موسيقى محمول السائق ليعلن كل واحد من أفراد العائلة عن انصرافه والانتهاء من العشاء الذي لا زال في بدايته. ويبقى الماجور دوم وجها لوجه مع ابنه الدكتور فيشكره على العناية وحسن الاستقبال الذي تلقاه منه في مقر عيادته. وعندما يسـأل الماجور دوم الدكتور فريد عن إحساسه عندما التقى معه لأول مرة. لا يجيبه بشيء وينصرف الدكتور فريد بدوره وكأن العائلة فرقها حدث معين. أو ناب هذا الحدث عن المنتج في إخبار المتلقي بأن الطاجين الذي دخل به الماجور دوم علال \افندي فارغ بالأساس. فيركن الماجوردوم بدوره للنوم بعد جولة اطمئن فيها على حفيدته، كما قام بمنع الحفيد الشاب من الخروج ليلا.

لكن ما أن يستلقي الماجور دوم للنوم حتى يسمع جرس المنزل يرن، وعندما يفتح تظهر مفاجأة الحلقة الأولى الكبرى معلنة عن نهايتها.  وهي وصول المختار الماجور دوم الحقيقي الذي يصل وأهل الدار نيام.وبعد دردشة عائلية غير مقتعة يجد المخرج نفسه مجبرا على إيقاف أحداث الحلقة الأولى  التي تريد طرح الخلاف القائم بين أفراد الأسرة في من هو الأجدر بحمل صفة الماجور دوم الحقيقي هل علال أو المختار كما تريد تقديم بعض الملامح المرضية التي تحملها شخصية المختار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى