ذاكرةكورونا

ذاكرة: ماذا يخبرنا التاريخ عن الأوبئة؟…

الدكتور لحسن مصباح

طلبت مجلة History Today من أربعة مؤرخين، جون هندرسون، وصمويل كوهن، وباتريشيا فارا، وساندرا هيمبل، خبراء التاريخ الصحي، تحليل ما يمكن أن تعلمنا إياه الأوبئة الماضية عن أوبئة اليوم.

إرث استراتيجيات مكافحة الطاعون

لم نبتكر شيئًا تقريبًا: فلا العزل ولا الحجر الصحي طرق جديدة. الصدفة محزنة للغاية، ففي شمال إيطاليا تم وضع معظم الاستراتيجيات خلال عصر النهضة لمحاربة الطاعون.

تم وضع الحجر الصحي على الحدود لمنع انتشار الفيروس. كانت العواقب الاقتصادية ثقيلة، مثل اليوم. كانت مدن ذلك الوقت، المحاطة بالأسوار، أسهل للحراسة، حيث تمركز الجنود عند كل مدخل. كما تم تطهير الشوارع عن طريق حرق فروع العرعار وتنقية المنازل “المصابة” بالكبريت.

وتم حماية الأطباء بأقنعة على شكل منقار مثل الكمامات الطبية الحالية. مثلما تم حظر الأسواق والمدارس والمناسبات العامة. كما تم جمع المرضى في مراكز العزل الوقائي تسمى “Lazaretti”، وعزلهم لمدة أربعين يومًا من كل اتصال بشري (الحجر الصحي).

لقد تم اتخاذ استراتيجيات للحد من مخاطر العدوى على أعلى مستويات السلطة. فقد كان لدى الحكومات نفس القلق: بث الذعر. وعلى الرغم من عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك، فقد انتشرت الشائعات بنفس السرعة تقريبًا.

من الخارج الى الداخل

منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، كانت الأوبئة تثير نفس رد الفعل دائمًا: الخوف من الآخر، الذي غالبًا ما يكون من أفقر الناس، والذي كان يعتقد أنه مسؤول عن انتقال الفيروس. لقد كانت الأوبئة ولا تزال ينظر إليها على أنها قادمة من الخارج. كان يجب بسرعة السيطرة على “الآخر” والمرض الذي كان ينقله.

وكان الأشد فقرا، الذين اعتبرتهم النخب سببًا للمرض، يحجر عليهم ويخضعون للتفتيش كما وضعوا في معسكرات في القرن التاسع عشر. وهكذا تولد عن ذلك ثورات معينة ضد السلطة الاستعمارية خلال أوبئة الكوليرا في القرن التاسع عشر.

على العكس من ذلك، في روما القديمة، كانت بعض الأوبئة تمتلك قوة غريبة، لكونها تجمع بين النخب والعامة. ولكن منذ قرنين، تشترك الأوبئة في شيء واحد، ألا وهو قوة فتكها العالية. فعدد قليل جدًا من المرضى من يغادرون المستشفيات وقد تعافوا.

الخوف والبارانويا

يميل البشر إلى الرد على الوباء بالذعر. ولكن سرعان ما يسعون لمعرفة الجاني. اعتبر الأمريكيون في الثمانينيات مع بداية وباء الإيدز، الأفارقة هم المسؤولون عن الوباء لأنهم اتهموا بالتزاوج مع القرود. ومن ناحية أخرى، فقد ألقى الاتحاد السوفياتي باللوم على مختبرات البحث الأمريكية. ثم كان فيروس رهاب المثلية الأكثر عدوى عندما اتهم مضيف طيران مثلي (steward gay) بأنه المريض صفر.

وفي إنجلترا في القرن السابع عشر، اعتقد الناس أن الوباء عقاب إلاهي. وفي مواجهة سوء الفهم الواسع (حسب تقدير كاتب المقال)، هرعت الحشود إلى الكنائس، تصلي من أجل أن يغفر الله خطاياهم.

وصف “دانيال ديفو” (Daniel Defoe)، الذي كان يدون في ذلك الوقت “مذكرات الطاعون”، حالة من الفوضى التي يتردد صداها اليوم بشكل خاص: “في كثير من الأحيان، يسود الشر الفردي على الخير الجماعي”، وخوفا من العدوى، فر السجناء رغم كونهم أصحاء، ونهبت الممتلكات، وفر الكثيرون إلى الريف وبالتالي نشروا الفيروس أكثر.

المصدر: مركز معارف للدراسات والأبحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى