رأي/ كرونيككورونا

الدكتور إبراهيم اغلان يكتب: تأملات في مشاهد أربعة من الزمن الكوروني بالمغرب 2/1

مر شهر تقريبا عن وجود وباء كورونا 19 بالمغرب، ولا يزال انتشاره مستمرا حتى اليوم. خلال هذه الفترة الزمنية، القصيرة بالمقارنة مع خطورة الوباء، يمكن تسجيل أربعة تأملات إزاء مشهد عام، نتابعه عن بعد، ونعيش بعض تفاصيله عن قرب…
إنها تأملات، بقدر ما ترصد وقائع ومواقف وحالات، بقدر ما تطرح اسئلة حول زمن مابعد كورونا 19.

الدكتور ابراهيم اغلان

(1)
السلطة والمراة: أي أفق للتغيير؟

يلاحظ أغلب المتابعين لما ينشر عن الزمن الوبائي بالمغرب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، او من خلال مختلف المنابر الإعلامية، هذا الحضور الفعلي، القوي والمتواصل، لنساء السلطات المحلية، بزيهن المخزني، وهن يتجولن في دروب وازقة الأحياء الشعبية تحديدا، يأمرن المواطنات والمواطنين بالتزام الحجر الصحي، بكثير من المسؤولية والشدة والجدية، وهي سلوكات لم يستأنس بها المواطن بعد.

هكذا إذن، هو المشهد اليومي، وهكذا نقرأ هذا الحضور الفعلي للمرأة /السلطة. إنه اختبار حقيقي لما بعد الزمن الكوروني، حيث ستتغير،او يفترض ذلك، المواقف والسلوكيات التقليدية والمحافظة، والتي تتواطا على القتل الرمزي للمرأة /السلطة، بالرغم من أن المجتمع المغربي، في عمقه، يعترف بسلطوية المرأة، لكن لا يمكنه التظاهر بذلك، حيث أن الدور التقليدي للمراة معروف، تكرسه الأعراف والفتاوى والأفكار المتخلفة والجاهلة.

إن أول درس متأمل فيه خلال هذا الزمن الوبائي، هو اقتناع المجتمع، بفئاته المختلفة،وبخاصة المحافظة منه، سواء على مستوى الفكر او الممارسة، بهذا الحضور الرمزي والواقعي للمرأة، في بعدها السلطوي، أي أنها تعطي الأوامر وتطبق القانون وترغم المواطنين على الإلتزام به.

إنه درس جدير بالتامل، وعلى المجتمع ان يستوعب هذا المشهد جيدا. هل يعني ذلك بان البلاد مقبلة، ما بعد هذه الجائحة، على تغيير في الذهنيات والممارسات، حيال المرأة وقضاياها، والتي عادة ما تثير وعي ولا وعي المجتمع، كما انها تقلق البنية المحافظة وتستفزها…

إن انموذج ” القايدة حورية” مع ما يرمز اليه هذا التوصيف والاسم من مفارقة عجيبة: “القايدة” دلالة على السلطة والتحكم و “حورية” رمز للعدالة والسلم على الأقل في التصور الميثولوجي

إنه  مثال صارخ، في كيفية تدبير المشهد اليومي ضمن مجال ترابي محدد، وجب ضبطه ومراقبته. تلعب فيه المرأة المسؤولة، برفقة مساعدين ورجال أمن، دور السلطة الحازمة، وفي الآن نفسه، الحريصة على امن وصحة المواطن.

إنه الخطاب الذي تريد الدولة ايصاله، بمعنى : تقول لك الدولة: انا هنا لحمايتك اولا، وللتواصل معك ثانيا، ولتطبيق القانون ثالثا، وبالتالي على الجميع ادراك عمق هذا الخطاب. انها الدولة المتحكمة في المجتمع، بشكل “ديموقراطي”، اي ان السلطة، بصيغة المؤنث، آلية من آليات التدبير المرحلي، والتي ستتواصل ما بعد الجائحة بجرعات إضافية، محاولة منها (اي الدولة) تجاوز العقليات المحافظة، وبناء مغرب جديد، للمرأة دور أساسي في تنميته، بالرغم من ايجابيات ما تحقق، على مستوى الالتزام بالمرجعيات الدولية والوطنية، المدافعة عن المرأة.

إن المتابع أيضا للنسبة العالية والمتزايدة لمشاهدة فيديوهات “القايدة حورية”، وتفاعل المواطنين، بشكل ايحابي، واعتبار هذه المرأة رمزا للسلطة التي يريدها المجتمع، كما أن العديد من التعليقات على المشهد اليومي للقايدة حورية، تؤكد على ضرورة وجود مثل هذه الشخصيات في السلطة، وهي القادرة، بتعبيرهم، على التواصل الفعال، بخطاب بسيط وعميق في الآن نفسه، وبحس وطني مسؤول.

بعبارة أخرى ، إنها المرأة المغربية التي استطاعت تدبير الأزمة، بالحكمة والمسؤولية.

“العالم تيموت، وانت كتكرر،، دخل لدارك..” ، ” انا اختك لتنهضر معاك..” العيالات شدو ولادكم.. لي عندها شي دري مجتهد تشدو.. ولي عندها شي مصخوط الوالدين تعطيه ليا نتولاه.. ” ، هذه أمثلة من خطاب السلطة التي تفاعل معها ساكنة مدينة أسفي، وساكنة العالم الافتراضي ايضا…
أليس هذا اختبارا أو تمرينا لما بعد الزمن الكوروني؟

(2)
السلطة والديموقراطية: اية علاقة؟

منذ إعلان الحجر الصحي بالمغرب، وحتى قبل ذلك، اتخذت الدولة، بتوجيهات ملكية، مجموعة من التدابير الاحترازية والاستباقية، كان لها الصدى الطيب داخل المغرب وخارجه.

كان تطويق البلاد، برا وبحرا وجوا، خيارا أوليا، ينم عن استيعاب مبكر وحذر لتبعات الوباء وتداعياته على المستوى الصحي (اي الإنساني ). ثم تلى هذا الخيار عمليات اجتماعية، مؤطرة من قبل الدولة ذاتها، لاستفادة الفئات الاكثر تضررا، اقتصاديا واجتماعيا، من هذه الأزمة المفاجأة، وموازاة مع ذلك.

اتخذت تدابير وقائية صارمة، مؤطرة هي الأخرى بقوانين منظمة ( تصريح بالخروج من السكن، وضع الكمامة، احترام الاسعار والجودة… الخ). وأخيراً تفعيل المتابعة القضائية لكل من خرج عن الاطار الذي وضعته الدولة، ومحاكمة مروجي الأفكار والاشاعات، وكل ما يمس الالتزامات التي فرضتها على المجتمع.

اذن، المتامل لهذا المشهد، سيلاحظ بأن الدولة/السلطة تتحرك وفق منطق التحكم والضبط المقننين، وأيضا بناء على تنسيق وتناغم محكمين بين مختلف مؤسساتها واجهزتها، وبالتالي، لا مجال للخطأ في التنفيذ، باستثناء بعض الانزلاقات والممارسات القليلة، والتي زاغت عن التوجه العام لعمل السلطة في الزمن الكوروني.

اذا كان هذا هو المسلسل الذي اتبعته الدولة، لحماية العباد والبلاد، وهو مسلسل، في عمومه، يكتسي طابعا ديموقراطيا، بالرغم من حالة الاستثناء التي يفترض فيها أن الدولة بإمكانها الحفاظ على هيبتها ومكانتها وحضورها، باتخاذ كل الوسائل والطرق، بما فيها اللاديموقراطية. فإن ، مع ذلك، نجحت الدولة في الدفاع عن حياة الناس، بالتواصل معهم، ومن ثم تطبيق ما يقتضيه القانون في هذا السياق..

السؤال الذي سيطرح بعد الزمن الكروني، هو الى أي حد ستستطيع الدولة، من خلال هذه التجربة الاستثنائية، تطوير الياتها الديمقراطية، و الانفتاح على الاحزاب السياسية المواطنة، وفعاليات المجتمع المدني. وفي انعدام هذا التوجه، ستجد الدولة نفسها مرة اخرى وحيدة، تصارع التحديات القادمة، وعلى مختلف الاصعدة.

إنه درس، يتطلب من الدولة استثماره، لأن التاريخ يعلمنا عكس ذلك، أرجو أن تكون الدولة بعد هذه الجائحة، وهي واعية بذلك، في مستوى هذا الانسجام الذي عبر عنه المواطن المغربي مع ما تمليه عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى