رأي/ كرونيككورونا

في زمن كورونا…علال الأزهر يكتب: تداعيات ذاتية في شأن موضوعي

قد يتفق الجميع على ان هذا الوباء سيدشن مرحلة جديدة في تاريخ البشرية تتجاوز بكثير كل المحن التي اختبرها الإنسان من حروب عالمية أو أوبئة فتاكة.

ولربما سيغير ايضا شكل الصراع بين الانسان واخيه الانسان، وسيشكل من جديد ملامح العلاقات الاقتصادية بين الدول وبين هذه الأخيرة ومواطنيهأ، فكلما ألمت بالاقتصاد الرأسمالي كارثة مثل الكساد العظيم في بداية الثلاثينيات بعد ازمة 1928 إلا وتمت الدعوة الى تدخل الدولة كما فعل كينز الاقتصادي الإنجليزي الذي دعا الى تدخل الحكومات لتشجيع الطلب وتخفيض نسبة البطالة.

أما الآن فيتدخل وباء كرونا في قتل البشر أولا وفي الاقتصاد والسياسة فيفرض على الدولة الوطنية أن تتدخل لتوقيف هجومه الكاسح لاصطياد أرواح البشر، باغلاق الحدود واغلاق أبواب المنازل على أصحابها . وتقليص النشاط الاقتصاي الى حدوده الدنيا .

علال الأزهر

قبل ظهور هذا الوباء عشت أزمة خانقة شبه معرفية، فاقتناعي بفكر ماركس لا حدود له، . حتى أكاد أقول إن موقفي عاطفي أكثر منه علمي فالشيء الأكيد بالنسبة لي هو الموقف العام من الطبيعة والمجتمع أي المفهوم الكلاسيكي لمعنى الإيديولوجية .

في حين تبقى النظرية غير واضحة المعالم وهي وسيلة التغيير الاجتماعي والسياسي، ولاسيما أن الماركسية تشدد على أن التغير هو الفعل المطلق في هذا الوجود، وأن النضال ضد الاستغلال من طرف المضطهدين مهمة مطلقة أيضا، غير أن الوسائل التي حددتها الماركسية لمحو الاستغلال لم تعد جاهزة للقيام بهذا الدور في هذه المرحلة، فالبروليتاريا والفئات المسحوقة قد تغضب وتضرب عن العمل، ولكنها تعجز عن توفير شروط الاستيلاء على السلطة والقضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان .

فاذا عدنا للصيرورة التاريخية لاندماج الطبقة العاملة في النضال بواسطة النظرية الماركسية  لكانت مرحلة ماركس وانجلز والاشتراكية الديمقراطية الأولى هي أبرز المراحل التي ناضلت فيها الطبقة العاملة كطبقة وكأنها تناضل تحت راية الماركسية أساسا 

والبروليتاريا كطبقة هي التي رفعت في 18 مارس 1878 ” الراية الحمراء . رمز جمهورية العمل على بلدية باريس في قلب أوروبا . ولدي رؤية هذه الراية . اخذ العالم القديم كله . كما قال ماركس ” يتلوى بتشنجات مؤلمة ” . ولأول مرة كانت السلطة تنتقل الى ايدي العمال ” [ كمونة باريس تراثها الثوري وأهميتها التاريخية . دار دمشق ] .

صحيح أن اول ثورة في روسيا تحققت تحت راية حزب ماركسي والذي أصبح له تأثير على الصعيد العالمي . كما أنشئت أحزاب شيوعية تابعة تحاول تنظيم الطبقة العاملة، ونجح حزب ماركسي شيوعي في الاستلاء عل السلطة في الصين، ورغم تنظيمه لطلائع من الطبقة العاملة، إلا أنه اعتمد على الفلاحين، كما حدث في فيتنام وكوريا . وتحولت حرب العصابات الى الماركسية في كوبا بعد الاستيلاء على السلطة . اما أوروبا الشرقية فقد تحولت الى الشيوعية بعد انتصار السوفييت على النازية . ولذلك لا يمكن ربط الماركسية بالبروليتاريا فيها.

ثم بدأ نقد الماركسية، أو محاولة تطويرها، من طرف بعض الماركسيين من مفكري جماعة فرانكفورت، فانزوت الماركسية ضمن المجال الاكاديمي والفكري المنفصل عن النضال العمالي وبرز الكثير من المفكرين في هذا المجال أمثال بتلهايم وباران وسويزي وكندر فرانك ..الخ .

حتي ان هربت ماركيوز حاول قراءة الصراع الطبقي في عصره . واستنتج في كتابه المعروف ” الإنسان ذو البعد الواحد ” [ 1664 ” اندماج الطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي ولم تعد ثورية . وان الفئات المرشحة لمناهضة الرأسمالية هي فئات الطلاب والعاطلين . حتى اعتبر ماركيوز منظرا للحركات التي عمت معظم العالم المتقدم والمتأخر وكانت بدايتها حركة الطلاب الشهيرة في فرنسا سنة 1968 . اذن منذ مدة تراجع نضال الطبقة العاملة الثوري كما عرفته نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . وقد تفاقم الوضع اكثر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والضعف المأساوي للأحزاب الشيوعية . وانتقلت الماركسية اليسارية في أمريكا اللاتينية الى المناطق الفلاحية واعتناق ممارسة الكفاح المسلح . والطريف في الامر ان بعض هذه الحركات في كولومبيا جنحت الى السلم مع النظام مؤخرا وتقدمت للاستفتاء امام الشعب الذي صوت برفض الصلح معها.

ومن جهة أخرى حتى المحاولات الأولى التي تبنت الماركسية كنظرية للتغيير لم تفلح في الغاء الاستغلال تماما . فالرأسمالية الجديدة في الصين خير دليل على ان ملكية وسائل الإنتاج المنقسمة بين الدولة والخواص لا تسير في اتجاه الاشتراكية مستقبلا . رغم وجود صورة ماوتسي تونغ على العملة الصينية الين . هل هو مجرد صراع من اجل البقاء في ظروف وشروط التنافس الاقتصادي العالمي ، الذي يفرض مسارا وحيدا لتطوير قوى الإنتاج وهو الخضوع لقوانين السوق شبه العمياء والتسابق في تثوير قوي الإنتاج العلمية والتكنولوجية . بعيدا عن الصراع الطبقي . والحديث دائما عن الدول الرأسمالية المتقدمة . اما الدول المتأخرة فانها تعيش على هامش التقدم .

وهل يكفي أن يؤمن المناضل بما ترسب من عبارات عبر قرن أو يزيد من الزمان ترضي الذات الثورية ليتحول كل ذلك إلى فعل للطبقة العاملة والجماهير ضدا على التاريخ والتطور الواقعي الراهن  فما زال الكثير من الأفراد والتنظيمات الذين يؤمنون بالإيديولوجية الماركسية 

يرددون في حماس ألفاظا تضفي على الطبقة العاملة والجماهير الشعبية عموما صفة النضال الثوري . في حين ان الانتخابات في بعض الدول في الغرب هي التي اعادت الروح لليسار من جديد [ اليونان اسبانيا ] . اما وفي أمريكا اللاتينية فقد أصبحت الانتخابات تفرض نوعا من التناوب على السلطة بين اليسار واليمين.

قد يبدو هناك تناقض مزمن بين اعتناق الماركسية كإيديولوجية وبين الارتباط بها عاطفيا . لأن الأولى تدعي انها تستند الى العلم والى الحركة في المجتمع والتاريخ والطبيعة أيضا، في حين أن العاطفة مجرد مشاعر وجدانية متحركة كأحاسيس داخلية تنتاب الفرد وليس الطبقة او المجتمع الا في حالة الحروب اوالاوبئة أساسا كما هو الحال اليوم في حالة كرونا . الذي او التي تحصد من تجد أمامها، لا تفرق بين بروليتاري او برجوازي، فكل كائن إنساني على الأرض هو فريسة تستحق الموت وخصوصا اولائك الذين يعشقون الحرية الفردية وهم كثر في النظام الرأسمالي او الفوضويون في سائر الأنظمة المتأخرة .

فهل سيؤدي وباء كورونا هذا إلى تغيير في طبيعة النظام الرأسمالي الراهن؟ بالتأكيد إنه لن يقضي عليه، لأن مهمة كرونا هي قتل الحياة التي قد يعثر عليها، ولا يعنيه في شيء طبيعة أي نظام قائم . الا انه وهو يقوم بمهمة قتل الحياة . يؤدي الى اضرار جانبية كبيرة تشل حركة الاقتصاد . وتعيد عجلة التطور الى الوراء .

ولكن النتيجة الحاسمة التي قد يتفق عليها الجميع ان العالم قبل كرونا لن يكون هو العالم بعد كرونا . ومن النتائج الثانوية جدا انه قد يطيح برؤساء الدول المعتمدة على الانتخابات [ أمريكا وفرنسا ] واشعال حرب تجارية بين بعض الدول التي تريد إعادة الهيمنة على العلاقات التجارية والاقتصادية عموما في العالم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى