رأي/ كرونيك

هل نحتاج الى قانون لتنظيم منصات التواصل المفتوح؟

عزالدين بونيت

ما الذي نرفضه بالضبط: هل المادتان 13 و14 من مسودة مشروع القانون 20/22 المتداولة؟ أم هذا المشروع برمته؟ أم أننا نرفض مبدأ التقنين من أصله؟
من خلال النقاش الذي جمعني بعدد من الاصدقاء والمعلقين، وجدت ان نطاق الرفض ليس واضحا بما يكفي. وإن كان الاتجاه الغالب هو رفض فكرة وضع قانون من الأصل. وهناك من عبر عن ذلك بعبارة الرفض المبدئي. اي ان مجرد مناقشة فكرة التقنين بالنسبة إليه غير واردة، ولا مجال لفتح اي نقاش لا الآن ولا مستقبلا. هذا الموقف بالذات هو الذي أناقشه هنا.

هل نحتاج الى قانون لتنظيم منصات التواصل المفتوح؟ أم أن لدينا من القوانين ما يجعلنا في غنى عن اي قانون جديد؟هل يعفينا وجود نصوص قانونية من التفكير في مزيد من القوانين؟ أم أن الإفراط في التقنين يؤدي الى تضخم قد يعطل القوانين كلها في نهاية المطاف؟

في الوقت الراهن، لا يلمس عموم المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم معنيين بالمجال الذي يروم مشروع القانون 20/22 تأطيره، اي حاجة إلى هذا النوع من التأطير. وهم يعتبرون أن كل تأطير في غفلة منهم لن يؤدي سوى الى سلبهم ما يتمتعون به الآن من حرية، خاصة وأن الصيغة التي تعرفوا من خلالها على وجود هذا المشروع، غامضة ومثيرة للشك.

هل كان من الصائب سياسيا ان تستحوذ الحكومة بمفردها على المبادرة التشريعية في هذا الموضوع البالغ الأهمية والذي يخص أعدادا كبيرة من المستعملين الذين يعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة بهذا النص، وسيتم إلزامهم به؟ هل كان ضروريا ان يتم وضع هذا المشروع دون ان يسبقه نقاش عمومي واسع يمهد الطريق لتقاسم وجهات النظر وإنضاج المقاربات والتحاليل والاقتراحات؟ ألم يكن هذا الموضوع مناسبة لإغناء النقاش السياسي الوطني حول كيفية الحفاظ على السيادة الوطنية في علاقتها بهذه المنصات العابرة للحدود؟ ألم يكن فرصة لإغناء محتويات نقاشنا السياسي المصاب بالكساح المزمن.

أما إذا عدنا إلى سؤال: اي موقف من مبدأ تقنين مجال استعمال شبكات التواصل الاجتماعية؟ فجوابي الشخصي يمر عبر توضيح بعض الأسس التي أطلق منها.

1- الاعتراف بالحرية، حقا مؤسسا لبقية حقوق الانسان، ليس هو غاية ما تقف عنده مسؤولية الدولة، بل هو المنطلق. ذلك ان من مسؤوليات المجتمع التي تضمنها الدولة وتجسدها، تمكين كل شخص من القدرة على ممارسة الحرية، اي وضع الأسس التي تكفل التمتع الفعلي بهذه الحرية. وبدهي أن الحرية لن تكون متاحة لجميع الأفراد على السواء الا إذا ربطت بمبدأ المسؤولية (أي مسؤولية كل فرد عن ضمان حرية الآخرين). وهذا احد منابع القانون (تحديد المسؤولية).

2- المعنى الاول لعبارة “دولة القانون” التي يبدو اننا نرددها دون ان نضفي عليها محتوى محددا، هو الدولة التي تخضع فيها كل العلاقات (المعاملات) الى إطار معياري مجرد (القانون)، وليس الى اعتبارات ظرفية تستند الى مزاج الحاكم او المتسلط، او الى الزبونية أو الى اعتبارات غير معيارية. هذا هو المعنى المؤسس لكلمة قانون (loi) المنحدرة من اصل لغوي مشترك مع كلمة (lien) التي تعني الرابط او العلاقة. وبهذا المعنى فقط يمكن لمبدأ المساواة أمام القانون ان يكون قابلا للتطبيق. لا يمكن الحديث عن مساواة الا إذا كان هناك معيار للقياس على منواله.

3- انطلاقا من هذا، فكل من يطالب بدولة القانون ينبغي أن يعتبر كل تقنين جديد، لبنة أخرى في هذا المعمار. الرفض المبدئي للتقنين لا يمكن ان يكون له محتوى تقدمي بثاثا، بل ربما كان في عمقه رجعيا، ذلك ان اي دولة، كلما تقلص فيها مجال التشريع، كلما كانت أقرب الى حالة البدائية في العلاقات بينها وبين مواطنيها، وفي علاقات أولئك المواطنين ببعضهم.. والقول ان هناك ما يكفي من القوانين لا يعفينا من مزيد من التقنين.

4- من يدافع عن اللاقانون، يوشك أن يكون مدافعا عن قانون الغاب، ربما دون ان يقصد.

لكل هذه الأسس، أرى أنه لا ينبغي ان نخلط بين رفض محتوى قانوني بعينه، وبين رفض مبدأ التقنين ككل. أحيانا قد يؤدي غياب قانون واضح الى تطبيق مقتضيات متعسفة لا يمكن توقعها. وغياب القانون المختص، معناه ترك سلطة التكييف واسعة جدا بأيدي النيابة العامة والقاضي. بينما الاصل هو تقييد هذه السلطة إلى أقصى حد. ليس القانون دائما أداة قمع كما وقع ايهامنا به عبر تسريب مادتين من نص مجهول، خارج سياق النص الكامل، بل هو أساسا أداة معيرة وتوازن في العلاقات بين المصالح المتضاربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى