ثقافة وفنون

حتى لا تتحول ظاهرة ما يسمى ب”الندوات واللقاءات العلمية” الغزيرة اليوم نحو الابتذال والسطحية

من بين الظواهر الجديدة الملفتة للانتباه تلك التي أفرزها الحجر الصحي في زمن جائحة كورونا، ظاهرة ما يسمى ب”الندوات” و”اللقاءات العلمية” الغزيرة التي نبتت هكذا فجأة بالفضاء السبرنيطيقي كما ينبت الفطر على الأرض!
الملاحظ أيضا، أنه في مقابل الانتشار والتنامي المتزايد لهذه الظاهرة، هناك تراجع وتقلص كبير لظاهرة أخرى، وهي ظاهرة ما يمكن تسميته ب”تفاهة العامة” المعممة للغباوة والسقامة وللمحتوى السوقي الرديء الذي طالما تغلغل وتجذر في “الطوندونس المغربي” وفي الفضاء الافتراضي لسنوات. وهذا مما لا شك فيه الوجه المشرق لهذه الدينامية الثقافية الافتراضية التي يستحق جزء مهم منها التثمين والإعتراف والتشجيع!
صلاح الدين لعريني أستاد باحث في علم الاجتماع مختبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا
لكن ما أخشاه وما بدأت أعاينه منذ مدة هو نزوع هذه الدينامية نحو الابتذال والسطحية والتهافت والعشوائية، دونما مراعاة لمقتضيات مبدأ التخصص والمشاركة المبنية على التراكم الفكري والعلمي، والمستندة على نتائج البحث الميداني خاصة لما يتعلق الأمر بالعلوم الاجتماعية!!
واقع كهذا دفعني إلى التساؤل بغاية الفهم لا أقل ولا أكثر!
إذا كانت مشروعية هذه الدينامية الثقافية تستمد من محاربة “تفاهة العامة” بالفضاء السبراني ألا يمكنها أن تؤدي، بالأشكال التي تتم بها اليوم، إلى إنتاج تفاهة جديدة يمكن المجازفة بتسميتها ب”تفاهة الخاصة” التي لا تشد عن مفهوم الرداءة الثقافية، وربما تكون أخطر من نظيرتها (تفاهة العامة)، لأنها تسيء، بالإضافة إلى أصحابها، إلى صورة الثقافة والعلم وتتسبب في تعميم الجهل وإذاعة الوهم وإحداث تشوهات وعاهات ثقافية تكبل انعتاق المجتمع وتحرره؟!
كيف نفسر هذه الدينامية الثقافية الافتراضية؟ هل تعبر حقا عن صحوة ثقافية حقيقة تتوفر فيها كل ملامح الثورة الثقافية مثلما شهدته بعض البلدان كالصين مع الثورة الثقافية الطويلة الأمد، وأوروبا مع النهضة الفكرية زمن الصالونات الأدبية والجرائد والجمعيات الثقافية؟ أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد ظاهرة عرضية، ولدها الفراغ الذي أحدثه الحجر الصحي، وبالتالي ستزول بزواله، حالها كحال الفقعات الصابونية التي تتبخر بمجرد ما تغادر ماء الصابون؟!
إذا كان النقد والنقد وحده هو جوهر الفضاء العمومي كما أرساه ونظر إليه رواده، ألا تفرغ هذه الوسائط التواصلية الفضاء العمومي الافتراضي اليوم من محتواه النقدي، وتحوله بالمقابل إلى كرنفال من اللأقنعة وألاعيب التواطؤ على الحقيقة؟
– ألا يمكن لهذه الوسائط أن تقتل المثقف النقدي “النبي” وتشيد مقامه المثقف السيمولاكر الشيخ والنجم، كما قتلت مند مدة المؤسسات السياسية والسياسة والزعيم السياسي بكل معانيهم التقليدية، وكما قتلت أيضا من قبل الكتاب الفيزيقي، والمؤسسات الإعلامية الكلاسيكية المغلقة، والصحفي الكلاسيكي المحتكر للمعلومة وللخبر بعدما جعلت اليوم الكل يلعب دور الصحفي، فالجل بإمكانه أن يتحول في عصر الرقمنة إلى مؤسسة ثقافية وقناة إعلامية للنشر والتعبير والتاقسم والتنديد الإدانة…؟
وأنا أتقاسم معكم أحبتي الكرام بكل صدق هذه الأسئلة! أخشى أن يتحول الفضاء السيبراني إلى مقبرة افتراضية جماعية للنقد ونعش للعلم والثقافة والفكر الخلاق!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى