رأي/ كرونيك

عَنِ اللاَّشَيْءِ…للأحبة الاصدقاء والرفاق..الحائِرينَ والحالِمينَ بِوَطَنِيّاتٍ جَديدَةٍ.. “وَطَنِيَّاتٌ أُحادِيَّةٌ بِدائِيَّةٌ”لحلقة2

تقْتَرِحٌ “عَنِ اللاَّشَيْءِ…” بعضَ التَّأَمُّلاّتِ في فكرِ الوَطَنِيّاتِ المُتَخَيَّلِ، وفي عناصِرِهِ الثَّقافِيَّةِ والفَنِّيَّةِ والإِنْسانِيَّةِ في الْحَجْرِ وَبَعْدهُ؛ ونورِدُها في:
– لاشَيْءَ..
– وَطَنِيّاتٌ أُحادِيَةٌ بِدائِيَّةٌ..
– وَطَنِيّاتٌ تَعَدُّدِيَّةٌ حَديثَةٌ..
– وَطَنِيّاتٌ مُتَشَظِّيَّةٌ يائِسَةٌ..

مِنْ أَجْلِ وَطَنِيّاتِ الْحَقِّ والواجِبِ والاسْتِحْقاقِ والتَّضامُنِ وَالحُرِّيَّةِ وَالكَرامَةِ وَالْمُساواةِ دونَ تمييزٍ أوْ تَفْييءٍ أوْ إقصاءٍ…
وَلَيْسَ منْ أَجْلِ وَطَنِيّات الرّيعِ والإِحْسانِ والْهبَِةِ والْقَمْعِ والدَّجلِ والعِشابَةِ والعِرافَةِ…

وَطَنِيَّاتٌ أُحادِيَّةٌ بِدائِيَّةٌ..
ــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا في زمنِ الوباءِ اللَّعينِ يَسْعى بعضُ الدُّعاةِ في السيّاسةِ، وفي الاقتصادِ، وفي المجتمعِ، وفي الأخلاقِ، وفي الصِّحةِ، وفي التَّعليمِ، وفي الإعلامِ، وفي غالبيّةِ مظاهرِ الحياةِ الموبوءةِ تمثيلَ وطنيّاتٍ كامِلةٍ ومثاليةٍ ونموذجيَّةٍ، أكبرَ من الأوطانِ ذاتِها / وطنيّونَ أكبرَ من الأوطانِ نفسِها…؟ يَسْعَوْنَ جميعاً بكل الوسائلِ الفِعْلِيَّةِ والافتراضِيَّةِ إِلى أنْ يُحَوِّلوا هذا الزمنَ الاستثنائيَّ الرّهيبَ إلى حَجْزٍ أوَّلِيٍّ، وربما يُوَسِّعون هذا المَسْعى لاحقاً وفي مُضْمَرِ تمثُّلِهم، إلى إقامةِ أزمنَةِ قَهْرٍ سياسيَّةٍ واجتماعيَّةٍ وسلوكيَّةٍ وثقافيَّةٍ أبدِيَّةٍ يُؤَجِّلونَ بها كلَّ محاولةٍ لرسمِ أوطانِ الحرِّيَّةِ والجمالِ والخِفَّةِ والتَّعَدُّدِ في الألوانِ والأشكالِ والتَّمثُّلاتِ والتَّعبيراتِ..
أوطانٍ فسيحَةٍ وعميقَةٍ وحُلوَةٍ، بلا استعاراتِ تفييئاتٍ وطنيَّةٍ.. أوطانٍ كما تخيَّلَها أحرارُ العالمِ وحلُموا بها دائماً رغمَ غضَبِهِمْ وضَجَرِهِمْ ونَقْدِهِمْ، وكما رَسَموها صغاراً وكباراً في قصائدِ وسرودِ وصورِ وروائحِ الدفاتِرِ القديمةِ، وفي الصفحاتِ الجديدةِ فِعليَّةً وافتراضيَّةً الرّاهِنَةِ…؟

أقرأُ، في هذا الزمنِ الخاصِّ تحْتَ الْحَجْرِ، ما يصدُرُ من تحليلاتٍ لجهاتٍ متنوِّعةِ المرجعيّاتِ يقودُها سياسيّونَ أُصيبوا بعمى النَّباهةِ، وباحثونَ تقنيّونَ ارتفعوا إلى العِلِّيِّينَ، وإعلاميّونَ انْبَهَروا بدورِهِمْ التَّوجيهيِّ الجديدِ ولمْ يَنْزِلوا إلى الأرضِ..

وكلُّهُمْ صاروا أصحابَ الحِكْمَةِ والحَلِّ والعقدِ.. يُقدِّمونَ مواقفَ أشْبَهَ بتصريحاتِ أُبُوّاتٍ يقينيَّةٍ وصيَّةٍ على المواطنينَ، قدْ تُحَرِّكُها منظوراتٌ متباينةُ الخلفيّاتِ السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ، ولكنّها مُتَّحِّدةٌ ومُجتهدِةٌ في إعلانِ ضرورةِ الإلحاقِ القَسْرِيِّ بوطنيّاتٍ بِدائيَّةٍ شعاريَّةٍ كُبرى أساسُها إعلاءُ صوتِ الواجِبِ الوطنيِّ المُطْلَقِ، والانتماءِ المقدَّسِ الثّابتِ، والتعبئةِ الشّاملةِ الرّاسخةِ، والاصطفافِ الكُلِّيِّ الأعْمى…
دونَ نسبيَّةٍ أوْ مرونةٍ أوْ مراعاةٍ للغامِضِ والخفِيِّ والفَرْدِيِّ في العلاقة بجائحَةٍ فريدةٍ وعابرةٍ للحدودِ ولِلْكَياناتِ… فكيفَ يَكونُ المواطنُ صلباً في مواجهةِ الموتِ الطّارئِ؟ وكيف يُمكنُ إبعادُ الخوفِ وروائحُ الموتِ والفجيعةِ تنبعثُ من كلِّ ركنٍ في العالمِ؟ وكيفَ يَرحلُ المواطن سعيداً بلا وداعٍ أو عِناقٍ؟
أقراُ، بصمتٍ في هذا التدافُعِ الرَّهيبِ نحوَ تعبئةِ القوَّةِ والصُّمودِ والصَّبْرِ أوْ نحوَ التوجيهِ إلى الدَّجَلِ والتّعْشِبةِ والعِرافَةِ، محاولةً واسعةً لإنتاجِ معنى أو معاني ثقيلَةٍ ومتشنِّجَةٍ ومُنتقِمَةٍ، هدفها تشكيلُ تاريخٍ دائريٍّ قدرِيٍّ خلفيتُهُ نُشْدانُ حياةٍ متضامِنَةٍ تحت طائلةِ الجائحةِ، ولكنَّ جوهَرَهُ تعطيلُ أوطانِ الحرِّيَّة والكرامةِ والعلمِ والعملِ والنزاهةِ… والاستمرارُ في إنتاجِ وطنيّاتٍ تقليديَّةٍ بدائيَّةٍ أُحاديَّةَ القِيمِ والآفاقِ..
أقراُ، في العمقِ، كثيراً من الادِّعاءاتٍ السياسيَّةٍ والفنيَّةٍ والثقافيَّةٍ والاجتماعيَّةٍ الواعدةِ بوطنيّاتٍ مثاليَّةٍ صالِحَةٍ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، رغمَ أنَّ كلَّ شيءٍ، اليومَ، نسبيٌّ وعَرضيٌّ ومُباغتٌ وعابرٌ ولا مرئِيٌّ..
أقراُ، بغرابةٍ، خِطاباتٍ عنيفةً واستعاراتٍ متنوِّعةً من صيغِ الحربِ، والوجدانِ العامِّ المريضِ، والشعبويَّةِ البئيسةِ حولَ أحقيَّةِ السياسيِّين وحدَهُم دونَ غيْرِهِمْ من الفاعلينَ الاجتماعيِّينَ والثقافيِّينَ والفكريِّينَ والفَنِّيِّينَ… في أنْ يُقَرِّروا نيابةً عنِ الجميعِ وبشكلٍ أحاديٍّ، وأنْ يُعْلوا من شأنِ قيمةٍ ما، ويُدْنونَ بالمقابلِ من قيمةٍ أُخرى، أو يُقْصونَها بذرائعَ دقِّ طبولِ الحَرْبِ مع عدُوٍّ لا مرئِيٍّ ولا مادِّيٍّ… وَأَنْ يُدعِّموا منْ يَشاؤونَ منْ مؤسساتٍ وجِهاتٍ وَوِعاءاتٍ انِتِخابيَّةٍ، وأنْ يَحْرِموا صغارَ الأوطانِ وحُفاتَها وفقراءَها وتُعساءَها ومحروميها… مِنْ حقِّهِمْ الطبيعيِّ في أوطانهِمْ المتضامنَةِ والمتكافِلَةِ في لحظةِ الاستثناءِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى