رأي/ كرونيك

الشارع أصبح عاملا فاعلا في السياسة الأردنية

لم يكن الشارع الأردني في السابق عاملا أساسيا في تحديد السياسات في العقود الأخيرة الماضية إلا في محطات قليلة كان أشهرها إسقاط حكومة السيد زيد الرفاعي في العام 1989 ومجيء حكومة الأمير زيد بن شاكر التي أشرفت على إجراء انتخابات عامة ونزيهة، ومهدت لعودة الحياة النيابية والأحزاب السياسية في البلاد.

المحطة الفارقة الثانية كانت المظاهرات الشعبية التي عمت البلاد إبان الربيع العربي، وما نتج عنها من تعديلات دستورية. وما إن توقفت هذه الاحتجاجات حتى توقف معها الزخم الإصلاحي وعادت الدولة لإدارة الأمور بالطرق التقليدية السابقة ذاتها.

في كل هذه المحطات، كانت القوى المحافظة تنعت الشارع بتهم لم تصمد على شاكلة أنه يوجه من قوى خارجية أو أنه لا يعبر عن المزاج العام، لأن هذه القوى لا تريد الاعتراف أنها غير مقبولة شعبيا وأن الناس ليسوا غافلين ولا راضين عن سيطرة هذه القوى على مقاليد الأمور.

هبة الشارع تبشر بأن تكون مختلفة هذه المرة، وقد أتت لترد على أبواق القوى المحافظة التي “بشرتنا” أن الربيع العربي لم يكن إلا مؤامرة خارجية وأن الأردن تجاوز الأزمة. أتى الشارع، الذي هو أكبر طبعا من الدوار الرابع، فقد شمل الكثير من محافظات المملكة، ليقول إن الأزمة لم تنته، بل انضمت الطبقة الوسطى للاحتجاجات، وإن التحديات لم تعالج لمجرد أن الناس توقفوا عن النزول للشارع بعد ما حدث في مصر وسورية وليبيا واليمن. رسالة الشارع واضحة في أن فشل الاحتجاجات في المنطقة في تحويل المظاهرات الشعبية لمشروع نهضة حتى الآن لا يعني غض نظر الأردنيين والأردنيات عن التحديات التي تواجههم الى ما لا نهاية، وقد عبر عن ذلك رجل دولة من الطراز الأول بوزن طاهر المصري ناصحا ومحذرا علّ هناك من يعتبر مما حدث.

التحدي الأكبر الذي يواجهنا في الأردن اليوم هو في قدرتنا على تحويل الاحتجاج الى مشروع نهضة، فيصبح بذلك وسيلة للتقدم الى الأمام لا غاية بحد ذاته. نعم، وللمرة الألف نحن بحاجة لعقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن ويحدد العلاقة أيضا بين مكونات المجتمع الأردني كافة.

لقد قاد مثل هذا الجهد في الماضي الملك الحسين، من خلال لجنة الميثاق الوطني والتفّت الدولة حوله، ولم يقل أحد في حينه أن العقد الاجتماعي لا ضرورة له، ولم يتهم أحد الفكرة بأنها غريبة عن المجتمع الأردني وطارئة عليه، وها قد أثبتت تونس كيف يصبح مثل هذا العقد بمشاركة القوى الإسلامية والمدنية، المحافظة والليبرالية كافة، ضمانة للسلم الأهلي والتأسيس للمستقبل.

لكن القوى المحافظة لا تريد ذلك، وها هي أقلام هذه القوى لا تقدم وجهة نظرها بطريقة موضوعية بقدر ما تحاول شيطنة من يدعو للإصلاح.

الحكومة الجديدة تملك اليوم أداة اسمها الشارع الذي أرسل رسالة واضحة أنه ليس مع النهج الحالي وأنه مستعد للتحرك بسرعة إذا شعر بأن القوى المحافظة تحاول مجددا الوقوف في وجه الإصلاح. على الحكومة أن تستخدم هذا لصالحها، لأن الشارع نفسه سينقلب عليها وبسرعة إن شعر أن هناك تلكؤا أو ترددا أو مهادنة في موضوع الإصلاح. أغلب أركان الدولة اليوم خارج الحكومة ليسوا من أصحاب النهج الإصلاحي، ولكن من مهمة الحكومة الحالية إقناع الجميع أن الدنيا تغيرت، ولا رجعة للقديم، فإما أن يضع الجميع أيديهم ببعض لتحويل احتجاجات الشارع لمشروع نهضة يتفيأ الجميع من محافظين وليبراليين بظلاله، أو أن يحدد الشارع وتيرة التغيير بدلا من أن تحدده الأطر المؤسسية.

تم نشر هذا المقال في جريدة الغد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى