في الواجهةمجتمع

الباحث رشيد العلوي يكتب: التعليم زمن كورونا..انشغلت به الأسر المغربية أكثر من الجائحة2/1

بقلم الكاتب والباحث رشيد العلوي

انشغل الرأي العام المغربي بمشكلة التعليم أكثر من انشغالهم بكورونا، فبماذا يفسر هذا الأمر؟ هل التعليم أهم من أزمة الكورونا التي امتدت إلى جميع المجالات، وعلى الأخص، الاقتصاد الذي لم يكن مبنيا على أسس مثينة؟

حيرة المغاربة اليوم تكمن في التيه الذي سببته الوزارة في منح الأسر حرية الاختيار بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد. ففي الأمر مشكلة تتعلق بأمن أبناء المغاربة عموما في المدارس.

كان التعليم دوما ولا يزال، كما هو الحال في العديد من بلدان المعمورة، طريقا للترقي الاجتماعي وللظفر بمكانة محترمة في التراتبية الاجتماعية، على الرغم من مجموع التحولات التي طالت المنظومة التربوية.

حيرة الأسر لا تقل عن حيرة حكومة التدبير الإخواني لأزمة الخدمة العمومية، ولا سيما، في زمن كورونا، فمهما كانت الوضعية الوبائية التي تتفاقم يوما عن يوم منذ ما يقارب أربعة أسابيع بعد احتفال المغاربة بعيد الأضحى، والذي كان سببا ملموسا في انتقال العدوى إلى مختلف القرى والمدن. لم تكن الحكومة صارمة في قرار الاحتفال بالعيد بل استسلمت للعادة والتقليد كعادتها لربما لحسابات انتخابية.

التعليم الحضوري مهم للغاية لعدة أسباب، ليس وفقط، لأنه يمكن المتعلم من التمرن والاختبار العلمي، وإنما، لأنه، يبني علاقات اجتماعية ونفسية مركبة بين الاقران والمحيط، بحيث يصعب على المتعلم ان يحترف التعلم الذاتي، وحتى الأسر، ليست مؤهلة بما يكفي، لغرس روح التعلم الذاتي لدى ابنائها، لأنها، هي ذاتها لم تكتسب يوما التعليم الذاتي باستثناء فئة قليلة جدا وكأنها حبة خردل.

أما التعليم عن بعد فيفرض نفسه بحكم التقدم والتطور التكنولوجي إن عاجلا أو أجلا. وستبقى حرية الاختيار رهينة الوقت لا غير. وما على وزارة التعليم إلا أن تفكر في آليات دعم الوسائل وتوفير الأجهزة وزيادة صبيب الإنترنيت لتتمكن الأجيال القادمة من تعليم نفسها بنفسها.

يمثل القرار السياسي التربوي أهم القرارات التي يمكن أن تمس أجيالا من الشباب المتعلم وغير المتعلم، كما يمس الإدارة التربوية ومضامين السياسة التعليمية، لذلك فإن تناولنا هنا لمعضلة القرار التربوي يأتي لبحث دور هذا القرار في تنفيذ أو تعطيل أو توقيف السياسة العمومية في مجال التعليم. وتُصنف القرارات التعليمية وفقا لسياسات التعليم الرئيسية، وفي ضوء التوجهات المستقبلية للتعليم، ووفقا للحاجيات والمشكلات التعليمية، وكذا التغيرات الرئيسية في هيكل التعليم ومستوياته، أو قد تصنف وفقا لتنفيذ المهام المرتبطة بالقدرات الاستراتيجية والتكتيكية، فهناك:

–  قرارات تعليمية استراتيجية: تحديد السياسة التعليمية، والخطط التعليمية العامة، وتمويل النظام التعليمي، وتنظيم عمل القيادات التربوية، وتنظيم أدوار ومسؤوليات قطاعات التعليم، وتطوير التعليم ونظم التقييم والتقويم.

-قرارات تعليمية تكتيكية: أي قرارات قصيرة المدى: كتشكيل (أعضاء وقيادة) المجلس الأعلى للتعليم…

-قرارات تعليمية تنفيذية: تنفيذ القرارات المحددة استراتيجيا، وضمان إجراءات التنفيذ بكفاءة وفعالية، وهذه القرارات روتينية تعتمد على الخبرات الإدارية والفنية للمدير وحدسه…

ارتبط دوما القرار التربوي في المغرب بالقرار السياسي الذي تصنعه السلطة السياسية، حيث نجد إلى جانب مسلسل الإصلاحات مناظرات ومبادرات موازية. ومع الميثاق الوطني للتربية والتكوين تم توسيع لجنة الإصلاح لتشمل بعض فئات المثقفين والباحثين والجمعويين والنقابيين، ولكنها على العموم فئة لها مصالح خاصة ومعينة لا تعكس بالضرورة الاختيارات الشعبية.

انظر مثلا لقرار منع الأسواق الأسبوعية هل ندرك حقا حجم المأساة التي سيتكبدها سكان القرى الذين لا صلة تربطهم بالعالم الخارجي غير السوق، أنا لا أتحدث وفقط عن اقتناء الحاجيات وتوفير المواد الغذائية والخضر والفواكه والأعلاف وإنما عن فك العزلة لمدة شهرين وأكثر، في الوقت الذي يعانون فيه أيضا من ضعف شبكة الأنترنيت ان لم نقل أنها تنعدم في العديد من القرى، هل تدرك الحكومة أن مواطني الأرياف الذين يشكلون نسبة هامة جدا من الساكنة الاجمالية لا يتوفرون على وسائل وأدوات لمتابعة أبنائهم للتعليم عن بعد؟ بالكاد يجدون تغطية النقال للحصول على رقم الدعم المخصص من صندوق كوفيد 19 وما بالك بتغطية انترنيت لمتابعة التعليم في منصة تيس-تلميذ، لقد كشفت أزمة كورونا عن عمق الفوارق الطبقية ليس بين سكان المدن وانما بين المدن والقرى أيضا علما أن العالم القروي هو الذي يوفر الزراعة والحرف واللحوم والألبان لسكان الحواضر الذين يعيشون في أحياء الاسمنت كصحاري قاحلة.

يؤشر الوضع الحالي عن عمق أزمة الديمقراطية التمثيلية /الديمقراطية المنقوصة في عصر العولمة. فإقصاء المنظمات المدنية والهيئات السياسية من تدبير الأزمة ستكون له انعكاساته، لأن السلطة التي تعتقد أنها ستبني وحدها العقد الاجتماعي ستؤدي الثمن غاليا، فالأحزاب والمنظمات المدنية تلعب دوما دور الوساطة وتجس نبض المجتمع كما أن من حقها المكفول دستوريا تأطير المواطنين، وكل تبخيس من دورها هو مغامرة غير واعيى، صحيح أن وضع هذه الهيئات يستدعي النقاش وإعادة ترتيب أدواره الفعلية وتنظيم آليات اشتغاله وفق مبدأ خدمة الشأن العام قبل أية مصلحة أخرى. والغريب أن السلطة في المغرب تشتغل دوما بمنطق مزدوج، حيث هناك جمعيات تحت أوامر السلطة وتأتمر بأوامرها وجمعيات خارج اللعبة الرسمية لأنها يمكن أن ترصد الخروقات الممكنة إبان  فترة الحجر وقد تتبعنا عن بعد بعض حيثياتها وكما العادة تسارع السلطة المخزنية إلى آلية الإبعاد والتأديب دون أن تضع المسؤولين عن الخروقات موضع المسألة القانونية.

وهذا المنطق هو منطق البصري قد افل عهده ويجب القطع معه بشكل نهائي. وفي نفس الوقت هو منطق سلطوي – تسلطي كلاسيكي لا يستجيب لتحولات العصر حيث الحاجة إلى مقاربات تشاركية وتدبيرية مشتركة قائمة على ثقافة حقوق الإنسان والاحتكام للعهود الدولية مع ايجاد حلول ملموسة لأوضاع الناس المزرية فنفس الشيء سيتكرر أيضا في القطاع الصحي وقطاع التعليم ولا سيما علاقة المدارس الخصوصية والآباء حول أداء مستحقات شهور الحجر الصحي وستدفع المدرسة العمومية ثمن ذلك بحيث ستزداد نسب الالتحاق بالمدارس العمومية وهي ظاهرة تعمقت أكثر في السنين الأخيرة والسبب هو نفسه تدهور أوضاع الفئات الاجتماعية الأكثر حفاظا على الاستقرار. هذا المنطق السلطوي يحتاج الى تفكير عميق ففي الوقت الذي نجد تطورا كبيرا في تقنيات واليات الضبط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على السلطة ان تتحول عقلنة التدبير الاجتماعي والتفكير بجدية في إشراك المواطنين في تدبير شؤونهم بحيث لا يمكن بناء مجتمع حداثي وعصري بسلطة متخلفة وبدائية جدا.

يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى