رأي/ كرونيك

المباركي يكتب: حتى لا تختلط الأوراق بين القضية الوطنية و القضية الفلسطينية 2/1

تمهيد

لا يمكن أن نكون أحرارا بالمفهوم الأممي ، ما لم ندافع عن حريتنا كجزء لا يتجزأ من حرية باقي البشر أينما تواجدوا ، و ما لم نؤمن بقوميتنا كمرجعة للقالب المشترك لمن تجمعنا معهم روابط التاريخ و اللغة و الثقافية و المصير ، هذا في عالم تسوده الغلبة للأقوى اقتصاديا و عسكريا و حضاريا. و بالطبع لن نكون أمميّين و قوميّين اذا لم نتوفر على الحس الوطني. و ذلك عبر االتشبث بالموروث التاريخي و المصيري المبني عن روابط القرابة العضوية بين أبناء و بنات الشعب الذي يعمر الوطن المشترك.

منظورنا هذا لا ينطلق من فهم أيديولوجي محض أو مواقف سياسية ضيقة أو خطاب حقوقي ظرفي. بل ينطلق من فهم تطور الصراع الوطني و القومي و الكوني مع الربط بينهم بشكل جدلي. لكل مرحلة من التطور الوطني و القومي و الدولي و خصوصياتها ، لذا وجب التعامل معها حسب الثوابت الأساسية في الدفاع عن الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية وطنيا و قوميا و كونيا. انطلاقا من فهمنا أعلاه فإن الانسان لن ينعم بالحرية في مجتمع غير متحرر و في اطار قومي شعوبه غير متحررة و موحدة و هذا كما تمت الاشارة اليه ، في عالم تسوده الغلبة و السيطرة والاستعمار و الاستغلال و العنصرية.

القضية الوطنية المتمثلة في استرجاع الصحراء

لما قام النضال التحرري ضد الاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية أيدناه كخطوة نضالية عن طريق الثورة الوطنية الديمقراطية في الغرب العربي الممثل في موريتانيا و الصحراء – الشرقية و الغربية – و المغرب الأقصى. و أنه عبر الثورة الوطنية سيتم اعادة بناء الوحدة في اطار الدولة الديمقراطية التي تضم ، مناطق المغرب التاريخي .

كان هذا هو الموقف الذي تبناه اليسار الجديد و الذي عبرت عنه المنظمتين الثوريتين ” 23 مارس ” و ” الى الأمام ” في بيان مشترك عام 1974.

كان هذا الموقف ينطلق من كون عملية التحرير و الوحدة لكل أطراف المغرب التاريخي لم تكتمل و أن الحلقة الضعيفة في استكمال الصيرورة التحررية هي الصحراء الغربية التي كانت لا زالت تحت نير الاستعمار الاسباني الغاشم. و انطلاقا من الصحراء الغربية ستعمّ الثورة كل من موريتانيا و المغرب الأقصى ، الدولتين التابعتين للاستعمار الجديد كونهما لم يحصلا على استقلال فعلي و منه انعدام حكم ديمقراطي، لا شعبي لا وطني.
لقد تطور موقفنا هذا مع تطور المعطيات السياسية و الاجتماعية على أرض الواقع لما تبين انعدام المؤهلات الضرورية لانطلاق العملية الثورية التي تبنيناها ، و ذلك بعد تدخل نظام العسكر في الجزائر. هذا النظام الذي تخلى عن مكتسبات الثورة الجزائرية العظيمة و نهج سياسة نرجسية و عدوانية عقيمة ضد الشعب المغربي ، حيث دجّن مناضلي جبهة البوليساريو و استعملهم لمناوئة المغرب لخدمة أغراضه التوسعية. كما لم يتهاون في اجلاء 350000 مواطن ومواطنة من أصل مغربي من الجزائر. لما تبين لنا تخاذل جبهة البوليساريو و تنازلها عن المنظور الثوري المشترك في تحرير الغرب العربي بهدف اعادة وحدة أجزاء المغرب التاريخي حيث أصبحت دمية بين يد جنرالات الجزائر ، ثم نظرا لانعدام أية امكانية فعلية للقيا بثورة مسلحة تحريرية لمجوع أجزاء المغرب التاريخي – موريتانيا و الصحراء (الشرقية و الغربية ) و مغرب ايكس ليبان – ، الى جانب تطور الوضع السياسي في هذا الأخير ، تبنينا المنظور السلمي للتحرير عبر موقف اعادة الوحدة الترابية انطلاقا من بناء الدولة الديمقراطية . بمفهوم أنه لن تتم الوحدة الترابية الفعلية إلا بإرساء دولة ديمقراطية يرجع الحكم فيها للشعب .

1 - الأخطاء القاتلة للوحدة و الديمقراطية

عكس القضية الفلسطينية التي هي قضية شعب سلبت أرضه عبر استعمار استيطاني توسعي عنصري لا مثيل له في تاريخ الانسانية ، فان الوحدة الترابية للمغرب التاريخي هي أخطاء النخبة السياسية المتمثلة في الحركة الوطنية التي قدمت تنازلات تتناقض و طموحات الشعب المغربي في تحرير كل أجزائه من طنجة الى نهر السنغال مرورا بالصحراء بشرقها و غربها أي بلاد شنغيط . و ذلك لما فوضت القصر سواء في ما خص التحرير و معاهدة الاستقلال عبر محادثات ايكس ليبان و بناء المؤسسات الدستورية. خلاصة هذا التفويض ، استقلال نسبي في اطار التبعية للاستعمار الجديد ، لجزء فقط للمغرب التاريخي تبعه حل المقاومة المسلحة في المدن و جيش التحرير في الشمال ثم في الجنوب .

لا وجود هناك مجال للمقارنة بين استعمار استيطاني غاشم لفلسطين و تحرير أجزاء من المغرب بقيت خارج الوحدة نظرا للتفريط الذي قامت به الحركة الوطنية و الذي أدت ثمنه غاليا ، لما استحوذ القصر على زمام الحكم المطلق خلال سنوات الجمر و الرصاص . لكن رغم كل هذه الهفوات للحركة الوطنية و رغم كل العمليات التي استهدفت تفسخه العلاقات بين سكان مغرب ايكس ليبان و ساكنة الصحراء الغربية ، فان الطموح في الوحدة العضوية بين أبناء الشعب المغربي في شماله و جنوبه ظلت متينة .

خير دليل على ذلك ، كون الصحراويين أنفسهم هم اكبر متشبث بالوحدة الترابية لوطنهم المغرب. و للتذكير ، لما تمت عملية الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الجزائري عام 1962 ، فان سكان الصحراء الشرقية ، التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية بعد صمها عام 1952 الى ادارتها بالجزائر التي كانت تعد جزء من ترابها آنذاك ، رفضوا المشاركة في الاستفتاء بدعوى أنهم مغاربة. و للتذكير أيضا فان الحدود الصحراوية بين الجزائر و المغرب لم تضبطها معاهدة الحماية لعام 1912 حيث تركت الحدود لما بعد مدينة فجيج غير مضبوطة ومفتوحة ، علما أن منطقة تندف و كلوم بشار و توات أي الصحراء الشرقية المغربية ، كانت تابعة اداريا للمغرب. وعلما كذلك أن منطقة جنوب الجزائر لم تطرح السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي إلا بعد تدخل شيخ الزاوية الوزانية عام 1895 ، نظرا للتأثير الكبير لهذه الأخيرة على ساكنة الصحراء الشرقية للمغرب.

و زيادة على هذا فان المغرب رفض مقترح فرنسا عام 1958 في ضبط الحدود الجزائرية المغربية. ذلك للوقوف اللاّ مشروط للشعب المغربي الى جانب الثورة الجزائرية و أن هناك اتفاق بين المغرب و الحكومة الجزائرية المؤقتة التي كان يقودها بن خدة . هذا الاتفاق المبدئي يقضي أن مسألة الحدود بين الجزائر و المغرب ستحل بين الاخوة الأشقاء بعد استقلال الجزائر. استقلت الجزائر في يوليوزعام 1962 و جاءت حرب الرمال في أكتوبر 1963 و تقوضت العلاقة بين النظام الجمهوري التقدمي ذا التطلوع الاشتراكي في الجزائر أنداك و النظام الملكي ذا التطلع الليبرالي في المغرب. تلخبطت الأمور منذ الفترة بين الأشقاء اللذين كل شيء يجمعهما . و من أزمة لأخرى حلت قضية الصحراء الغربية المغربية على طبق من ذهب للنظام العسكري في الجزائر ليجعل منها أم الأزمات مع المغرب .

هكذا أصبح المغرب الذي آزر الثورة الجزائرية كما لم يؤازر أي شعب شعبا آخر ، بين عشية و ضحاها ، عدو خارجي مستعمر لشعب ظهر للوجود بقدرة قادر ، كما يخرج الساحر من قبعته حمامة . كل هذا تحت شعار حق تقرير المصير. شعار مبدئي يستهوي الشعور و يرك الضمائر. لكن النظام العسكري بالجزائر استعمله كحق يراد به باطل ، متناقض مع موقف محكمة العدل الدولية بلاهاي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى