رأي/ كرونيكسياسة

المباركي يكتب: في الاختلاف بين قضية فلسطين والصحراء..البوليساريو و الحكم الذاتي2/2

- جبهة البوليساريو

لم تكن الجبهة عند تأسيسها  فيشهر ماي 1973 تهدف الى استقلال الصحراء عن المغرب ، وطنها الأم ، بل كانت حركة مسلحة ضد المستعمر الاسباني . الخطأ الفادح هو خطأ الحركة الوطنية ، التي كانت لا زالت بكثير من الشعبية بداية سبعينيات القرن الفائت و كذا القصر الذي لم يكن همه سوى اثبات سلطته المطلقة . عند هذا الرفض في الدعم المادي و المعنوي لتحرير الصحراء من قبل الحركة الوطنية و القصر ، لجأ المناضلون الصحراويون الأوائل ، و هم طلبة في صفوف المنظمة الطلابية العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، الى ليبيا الناصرية التوجه القومي القاضي بمناهضة تجزئة الأقطار العربية و الداعي الى الوحدة العربية . لكن لما أقصي النظام العسكري في الجزائر للمشاركة في المحادثات الثلاثية بين اسبانها و المغرب و موريتانيا و التي تم بموجبها تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب و موريتانيا ، احتضن   النظام الجزائري جبهة البوليساريو و أغدق عليها المال و السلاح  لحد هدد وجود النظام الموريتاني. مما اضطر هذا الأخير التنازل للمغرب عن نصيبه .

يتضح من كلامنا هذا ، أن الجبهة لم تكن في الأصل تتجه نحو الانفصال و انما كان هدفها متابعة كفاح جيش التحرير المغربي الذي قضي عليه عبر التوجه المتخاذل للحركة الوطنية و القصر الذي لم يكن يرغب في تواجد جيش شعبي خارج ارادته. أما التعليل كون جيش التحرير قضي عليه خلال معرة “أكوفيون” فذلك تفسير واه ، لآن أي جيش تحرري ينهزم في عدة معارك ، إلا أنه ينتصر في نهاية الحرب . لسبب وحيد ، جربته الشعوب عند خوض حرب تحررية ، احتضان الشعب لفدائي جيش تحريره كالحوت في الماء. أما جيش التحرير المغربي فقد وجد مجاهديه أنفسهم كالحوت خارج الماء .  لما تأسست جبهة البوليساريو كانت الوضعية الجيوسياسية ، سواء على المستوى المغاربي ، بظهور النزعة الهيمنة للنظام العسكري بالجزائر حيث كانت لا تزال تحظى الثورة الجزائرية ، سواء على المستوى العربي أو الافريقي و العالمي بعطف كبير. كما كان المعسكر الاشتراكي الذي غيّر موازن القوى العسكرية و السياسية على المستوى العالمي يدعم النظام العسكري بالجزائر. كل هذه العوامل الظرفية منها و الموضوعية دفعت مناضلي جبهة البوليساريو دخول مغامرة حق تقرير المصير لساكنة الصحراء الغربية . الشعار الذي كان مواتيا قبل سقوط المعسكر الاشتراكي و الذي أصبحت بسببه جبهة البوليساريو في نفق مسدود و معها النظام العسكري الجزائري ، المحرك و المستفيد من وضعية التوتر في الصحراء. و لقد زاد في تقهقر الوضع في الجزائر و عبره الجبهة، سقوط صور برلين في 9 ننبر 1989. حيث تغيرت موازين القوى و تغيرت معها الأوضاع السياسية في المنطقة  و الشرق الأوسط و افريقيا و العالم و أصبح معها  الوضع مواتيا للمغرب لاسترداد أراضيه.

- الحكم الذاتي في الصحراء

جاء مشروع الحكم الذاتي كحل وسط بين وضعية لا حرب و لا سلم في منطقة الصحراء الغربية. لكن الغلط الفظيع هو رفعه كمناورة تكتيكية و ليس كمبدأ استراتيجي . ان الحكم الذاتي يجب أن يكون قرار ناتج من الارادة الشعبية . و ليكون كذلك وجب الدخول في تطبيقه عاجلا و ليس استعماله فقط كورقة ضغط في المحافل الدولية التي لكل دولة فيها ، مصالحها الخاصة . ما حك جلدك مثل ظفرك يقول المثل و خير البر عاجله لقطع الطريق على المتربصين و قبل أن تحدث متغيرات سياسة في المنطقة و في العالم. و السياسة كما هو معلوم ، جوهرها التغيرات . تطبيق مبدأ الحكم الذاتي يعني التفتح على كل الصحراويين داخل المغرب و خارجه و التعهد بأن الحكم الذاتي هو استقلال الصحراء داخل   المغرب و الصحراويين داخل الأمة الغربية .  بمعنى كون التّسيير الداخلي للصحراء الغربية من اختصاص ساكنة الصحراء وحدهم و العملة النقدية و الحدود و العلاقة الخارجية من اختصاص الدولة المغربية.

و حتى يكون للحكم الذاتي في الصحراء مدلول تحرري فعلي داخل بناء الدولة الديمقراطية بالمغرب ، وجب تعميمه على باقي المناطق الأساسية للبلاد ذات مميزات خاصة. و كما كنا سطرناه في تحليل سابق ، أن طبيعة الكيان القومي المغربي متعدد ثقافيا و جغرافيا ، و منه وجب الدخول في للامركزية بمفهوم الحكم الذاتي ، كما هي مطبقة في العديد من البلدان. الى جانب هذا المبادرة للدولة المغربية وجب تحرك شعبي موازي لإعادة ربط الأواصر العميقة التي تجمع كل أبناء المغرب بإخوانهم و أخواتهم  في جبهة البوليساريو و أن مكانهم بين أحضان دويهم في أرض الصحراء المحررة من الاستعمار الاسباني و التي تحظى بحكمها الذاتي داخل الوطن الجامع.

 

3 – دور اليسار بالمغرب راهنا

ان اليسار المغربي التقليدي لما طرحت قضية الصحراء ، ظلت مواقفه رغم جذرية مطالبه تتراوح ضمن سياج الحركة الوطنية ، التي لم تقطع حبل الوريد مع النظام المخزني بل ظلت تطالب بتحديثه الى أن دجّنها . لإي الوقت الذي طرحت فيه قضية الصحراء كقضية وطنية ، جاءت مواقف اليسار الجديد مبشرة بنقلة نوعيه عبر تبنيها القطيعة الجذرية مع النظام المخزي و تبنيها لإعادة الوحدة داخل الدولة الديمقراطية كما أشار لذلك الموقف المشترك لمنظمتي ” 23 مارس ” و “الى الأمام” عام 1974 . و رغم الصراعات الحادة بين فصائل اليسار الجديد و باقي مكونات اليسار المغربي تعمم الوعي لذى الجميع بضرورة التغيير الديمقراطي لنظام الحكم الفردي القائم . فالوحدة الوطنية سواء في مستواها الترابي أو الاجتماعي الثقافي لن تكتمل و تشيد في غياب الدولة الديمقراطية.

ان ما يحدث راهنا على أرض الواقع ، من تطبيع مع الكيان الصهيوني ، دلالة قاطعة على ضعف اليسار المغربي بكل مكوناته الذي لم تعد له قدرة تحريك الشارع المغربي. و علامة في نفس الوقت ، لما وصلت اليه الهيمنة الكاملة للنظام الفردي ، ليس فقط على دواليب الحكم السلطوي ، بل أيضا و هذا هو الخطير على الوعي الشعبي عبر أخطبوطيه الاعلامي الثقافي الاقتصادي الأمني. لدا وجب وقفة استدراكية في مستوى الطموحات الشعبية ممثلة في اعادة الارتباط الروحي و العقائدي و التحرري مع الجماهير الشعبية ، عبر بناء الجبهة الديمقراطية الواسعة المفتوحة لكل القوى الديمقراطية و اليسارية كتجاوز للتقوقع النمطي التنظيمي المتجاوز.

 

القضية الفلسطينية

عكس القضية الوطنية المحصورة في استكمال أرض كانت تحت سيطرة الاستعمار الخارجي الذي له كيانه و دولته ، فان القضية الفلسطينية ذات أبعاد متشابكة تختلف تماما عن قضية الصحراء حتى يمكن الربط بينهما . فهي استعمار استيطاني من  لعصابة عنصرية فاشية لا كيان لنا من قبل استحواذها على أرض فلسطين . و التي عمدت الى اجلاء الفلسطينين من أرضهم و اضطهاد من تبقي منهم . فنحن لسنا أمام استعمار اكلاسيكي بل عبر مؤامرة تاريخية على شعب و على وطن.

1 – الاستعمار الاستيطاني العنصري لأرض فلسطين

ليس المجال هنا للدخول في تفاصيل لا تحصى و لنخلص القول ، أن البحث العلمي على مستوى مختلف الواجهات أفضى الى وهمية أرض الميعاد و أن عملية احتلال أرض فلسطين هي لعبة جهنمية لعصابة عنصرية ارهابية وظفت اللاهوت و المال و التآمر و التواطؤ مع الرأسمالية  و الاستعمار العالمي لاحتلال أرض فلسطين و جلاء و اضطهاد عنصري لما بقي من شعبها متشبثا بأرضه . 

2 – فلسطين قضية قومية

أننا في عهد التجمعات القومية القوية حيث أصبح العالم تحكمه المصالح المادية بمختلف الأنماط و الأنواع  ، و أن الغلبة للأقوى و منه أصبحت وحدة الشعوب المتقاربة المصالح لا مناص عنها حتى لا تصبح هذه الشعوب مسلوبة الهوية و القرار و تابعة . أمام الوضع العالمي القائم وحدة الشعوب العربية ضرورة وجودية . و طبعا هذه الوحدة لن تكون ذات منظور قومجي عرقي مصلحي ، بل وحدة داخل كيانات قطرية متعددة الثقافات محترمة لحقوق الانسان ، بمعني أن الوحدة لن تكون في غياب الديمقراطية . ان الوحدة ليست حلم بل ارادة يلزمها عزم و ووعي . هذه الارادة للشعوب العربية الوثاقة للوحدة و هذا الوعي الضروري الذي يحتضنها تبقى دعامته هي القضية الفلسطينية لأن المؤامرة و العراقيل الرئيسية للوحدة مدخلها كبوابة فلسطين .  بمعني ، أن مركز الوحدة العربية الديمقراطية هي القضية الفلسطينية. فهي كالقلب بالنسبة للجسد العربي . المشروع الصهيوني هو أداة الاستعمارية عالمية لمناهضة قيام أي كيان عربي موحد قادر على التحرر و النمو و استقلالية القرار . لقد أراد الاستعمار العالمي للشعوب العربية التفرقة و التمزق و الصراعات في ما بينها ، لتظل المنطقة العربية بشرقها و غربها سوق يستهلك و لا ينتج ، يعرف انعدام العدالة الاجتماعية لتسود الحروب و يعم الاستبداد. الى جانب المشروع الصهيوني هناك الرجعية العربية ، الخائفة على مصالحها الآنية ، تلعب دورا مدمرا لأي مشروع عربي وحدوي.

و للتذكير فان الامكانيات المادية و القدرات البشرية للشعوب العربية خلال خمسينيات و ستينيات القرن الفائت كانت تفوق بكثير طاقات الصين الشعبية التي أصبحت اليوم مصنع العالم و القوة العظمى التي تضاهي أمريكا . ان للشعوب العربية ان تركت صراعاتها و بنت دولها الديمقراطية و توحدت بشكل جدي و لو اقتصاديا في المرحلة الأولى ، تمكنت  فرض ميزان قوى لصالح الشعوب العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني و صانعيه . عند الطفرة الوحدوية سيضمحل دور الكيان  الصهيوني و يتلاشى ليصبح ما تمثله هونكونغ بالنسبة للصين . على كل حال عند وحدة الشعوب العربية عبر دمقرطة نظمها يذوب المشروع الصهيوني الاستيطاني . و طبعا لتقويض الشروع العربي الوحدوي يتم محاصرة القضية الفلسطينية التي تمثل مركز الوحدة العربية. فشعار القضية الفلسطينية هي قضية وطنية و قومية يتم استيعابه لما نطر اليه في بعده الاستراتيجي المصيري لكافة الشعوب العربية .

 

3 – فلسطين كقضية أممية

خلافا لقضية الصحراء التي هي أساسا استرجاع جزء من الوطن المغربي ، فان فلسطين تتجاوز حوزة الوطن الفلسطيني و الأمة العربية لتشمل حقوق الانسان و الشعوب في العالم ، حيث ما يعيشه الشعب الفلسطيني من استهان و استعمار و عنصرية و اضطهاد هو أبشع ما يمكن أن يعرفه أي شعب في العالم . انها وضعية تتجاوز ما عرفه النظام العنصري بجنوب افريقيا في عهد الأبرتايد . و هي بذا ، أي القضية الفلسطينية ، قضية انسانية كبرى لا يمكن السكوت عنها ، بل يلوم مساندتها و دعمها من كل أحرار العالم.

 
خلاصة

لتكون مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني مواجهة فعلية وجب أولا و قبل كل شيء وحدة الصف اليساري بكل مكوناته و فصائلة و كل من يحمل مبادئ ديمقراطية تقدمية . وحدة الصف الديمقراطي التقدمي واجب و ضرورة لفرض ديمقراطية ثابتة بالمغرب حيث السلطة تكون من الشعب و الى الشعب و منه تتم الوحدة الوطنية المغربية الطوعية في شماله و صحرائه. مما يفتح المجال لبناء وحدة عضوية بين شعوب المغرب العربي و الشعوب العربية. قيام ديمقراطية فعلية بالمغرب ، نظرا لحجم ساكنته و أمكانية تطوره على كافة المجالات الاقتصادية و الثقافية ن يكون حافزا قويا في اتجاه وحدة الشعوب المغاربية و العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى