ذاكرةسياسة

“دابا بريس” تواصل نشر افتتاحيات لحفيظ واكب عبر صحيفة “الحياة الجديدة” كصحافي “الربيع المغربي” بكل تفاصيله

تواصل “دابا بريس” نشر سلسلة افتتاحيات للصحافي والإعلامي، محمد حفيظ، وهي بالمناسبة افتتاحيات واكبت حركة 20 فبراير بالمغرب، وقبلها واكبت ما سمي بالريع العربي، الذي بدأ في تونس وامتد لمصر واليمن..، قبل أن يمتد لأكثر من بلد عربي، طبعا اتخذ شكلا في الأردن مثلا مخالفا للشكل الذي اتخذه في سوريا، أو في اليمن أو في مصر أو غيرها من مناطق العالم العربي، والافتتاحيات التي ننشرها، كانت صدرت في صحيفة الحياة الجديدة الأسبوعية، وتفاعلت لحظة لحظة مع مختلف التطورات التي سجلها حراك شبابي، فرض إيقاعا مختلفا عن رتابة المشهد السياسي في هذه المناطق، سأل الدولة مثلما سآل الأحزاب والمثقفين ومختف الأدوات التي كانت تطرح نفسها أدوات للتغيير أو الإصلاح، ومنها أدوات وآليات التغيير في المغرب…

وقدم محمد حفيظ، لهذه الزاوية، تقديما قال فيه:

محمد حفيظ

قبل 10 سنوات، عشنا ذلك الحدث التاريخي الذي سمي إعلاميا بـ”الربيع العربي”، حين بوغتت عدد من الدول العربية باحتجاجات سرعان ما تحولت إلى انتفاضات عَمَّت ساحاتِها وشوارعَها ووصل سقف مطالبها إلى “إسقاط النظام”.
انطلقت شرارة تلك الانتفاضات، التي تحولت إلى ثورات، من تونس باحتجاجات أشعلتها حادثة البوعزيزي، ثم ما لبثت أن انتشرت بعدد من بلدان المنطقة العربية، ولم تسلم منها بلادنا التي عاشت “النسخة المغربية” التي أطلقتها حركة 20 فبراير.
شاركتُ في أول مسيرة من مسيرات حركة 20 فبراير بالعاصمة الرباط يوم 20 فبراير 2011، وبعدها شاركتُ في عدد من تظاهراتها بالدار البيضاء، مسيراتٍ ووقفاتٍ…

الافتتاحية 9…الخطاب والواقع أو الدرجة الصفر في القراءة

قبل أسابيع، وعند اندلاع شرارة الثورة في تونس، وانتقالها بعد ذلك إلى مصر، وقبل أن تمتد إلى بلدان عربية أخرى، بذل الكثيرون من سياسيينا وبعض مثقفينا جهدا كبيرا للدفاع عن أطروحة لم يعد عالم اليوم يقبل بها. قالوا إن المغرب «استثناء» في هذه الصحراء العربية. وأقسموا بأغلظ الأيمان إن ما يحدث في منطقة ننتمي إليها لن ينتقل إلينا، ولن يكون له أي امتداد عندنا. فالمغرب محصن بتاريخه ودينه ونظامه واختياراته.

وبينما كان كثير من السياسيين (ولحسن الحظ ليس جميعهم) يلوكون هذه الأسطوانة المشروخة، كان شباب المغرب، على طول خريطة البلاد وعرضها، يتحاورون ويتناقشون، يتفقون ويختلفون، يتداولون فيقررون، ثم ينزلون إلى الشارع، فيتظاهرون ويطالبون.

سيكتشف الجميع، حينها، أن المغرب، بلد التعددية الحزبية، والانتخابات، والتناوب، والإنصاف والمصالحة، ومدونة المرأة…، لا يمكن أن يسلم من هذا الزمن الجديد. فإما أن يدخله بهدوء وبوعي، وإما سيجد نفسه أمام عاصفة لن نعلم كيف تبدأ وكيف تنتهي. وكان لشباب حركة 20 فبراير شرف هذه المهمة التاريخية. لقد أدخلوا المغرب زمن الثورة المعاصرة. ثورة القرن الواحد والعشرين التي دخلت التاريخ البشري، وسيخلدها العالم باسم الشباب العربي (شباب المنطقة العربية بمختلف مكوناتها الدينية وهوياتها الثقافية).

وينبغي، هنا، أن نسجل للتاريخ أيضا أن أغلبية النخبة السياسية وجزءا من المحسوبين على المثقفين، الذين يفترض أنهم المدافعون عن العقل، تخلفوا عن هذه المهمة التاريخية.
كثيرون منهم كشفوا أنهم ينتظرون الإشارة. وكثيرون منهم انتظروا إلى أن تكلم الملك، فأطلقوا العنان للسانهم، بدون حشمة ولا حياء، بعدما كانوا إلى الأمس القريب يدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن أن المغرب ليس في حاجة إلى أي تعديل للدستور، فإذا بهم اليوم يتحدثون عن «الثورة» التي جاء بها خطاب الملك يوم 09 مارس، الذي دعا فيه إلى إجراء «تعديل دستوري شامل».

إلى الأمس القريب، كانوا يردون على كل من يطالب بتعديل الدستور أو تغييره بالقول إن الدستور الحالي لم يستنفذ بعد زمنه، وكانوا يزيدون على ذلك بالقول إنه يضمن للحكومة والوزير الأول والبرلمان ما يكفي من الاختصاصات، ويتهمون من يوجد على رأس هذه المؤسسات بأنه هو من لا يمارس الاختصاصات التي يخولها له الدستور. وكانوا هكذا يردون بالعربي الدارج: «وغير يمارسو بعدا هاذ الاختصاصات كلها اللي كاينة فهاذ الدستور، وديك الساعة يقلبو على اختصاصات جديدة».

لكن، حين تكلم الملك عن «اختصاصات جديدة للبرلمان»، وعن «تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي»، وعن «دسترة مؤسسة مجلس الحكومة وتوضيح اختصاصاته»، انقلبوا 180 درجة. وها هم اليوم يطبلون للخطاب الملكي ويهللون ويباركون، ولا تكاد كلمة «الثورة» تغادر شفاههم، بعدما كانت فرائصهم ترتعد عند مجرد ذكرها… التسجيلات موجودة، والكتابات الصحافية مازالت تحفظ تصريحات ما قبل 09 مارس. إنهم «المنافقون» الذين يشكلون، اليوم، الخطر الحقيقي الذي يعرقل أي مبادرة للتحول الديمقراطي. ويكفي أن نخمن ما الذي كان سيصدر عنهم لو أن الملك أعلن في خطاب 09 مارس أن المغرب ليس في حاجة إلى أي تعديل دستوري؟!

إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له بلاد في هذه الدنيا هو أن تبتلى بهذه الفصيلة من «السياسيين» و«الباحثين». إن أقل ما يمكن أن يقوم به هؤلاء الآن للتكفير عما ارتكبوه في حق بلدهم هو أن يصمتوا ويكفوا عن الكلام.

ليس هؤلاء وحدهم من يشكل الخطر على هذه المرحلة التي يسعى شباب المغرب إلى المساهمة والمشاركة الفعلية في بنائها. فعلى الأقل هؤلاء يكشفون عن وجوههم. فهناك آخرون لا يكشفون عن صفاتهم، ولكنهم يشتغلون في الظلام ويستعملون كل الوسائل لتعطيل آلة الانتقال إلى الديمقراطية التي ظلت متوقفة لسنوات طويلة. ولعل ما جرى يوم الأحد 13 مارس الجاري بالدار البيضاء أمام مقر الحزب الاشتراكي الموحد، بالاعتداء الشنيع والعنيف والوحشي على شباب مسالمين وعلى صحافيين جاءوا لنقل ما يجري وعلى سياسيين وعلى مقر حزب له حرمة، لعل ما جرى في ذلك اليوم الدامي جاء ليقدم قراءة أخرى لخطاب الملك الذي احتفى به الكثيرون. إنها قراءة ممكنة، مادامت قد وجدت لنفسها الطريق سالكا للتطبيق والتنفيذ.


لقد شكل خطاب الملك ليوم 09 مارس إعلان نوايا. ولذلك، فإن قراءته لا تنتهي بمجرد الانتهاء من قراءة نصه. فهذه القراءة ليست إلا «الدرجة الصفر في القراءة» (مع الإذن من صاحب كتاب «الدرجة الصفر في الكتابة» الناقد الفرنسي الكبير رولان بارت). أما باقي الدرجات، فإنها هي التي سَتُمَارَس بعد نهاية قراءته من طرف الملك إلى التصويت على نص الدستور. وها نحن قد استمعنا إلى القراءة رقم 1 التي تكلفت بها أجهزة الأمن بالدار البيضاء.

سَيُقرأ الخطاب الملكي، إذن، على ضوء الوقائع التي ستجري خلال هذه المرحلة. وبذلك، يكون أولئك المهللون والمباركون والمطبلون قد تسرعوا. لقد جاءت قراءة يوم 13 مارس لتمحو المرتكز الثاني من المرتكزات السبعة التي اقترحها الملك لكي يستند عليها تعديل الدستور.

حدد الملك هذا المرتكز في «ترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها». لكن قوات الأمن كان لها رأي آخر. فمن نصدق إذن؟! الخطاب أم الواقع؟! هل الدرجة الصفر في القراءة أم الدرجات اللاحقة؟!
18 مارس 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى