ذاكرة

“دابا بريس” تواصل نشر حلقات الصحافي حفيظ وتفاعله مع حركة 20 فبراير..وحلقة اليوم “دستور في خطر!”

هذه الزاوية، التي وصلت اليوم حلقتها 25، توثق لكتابات صحافي عاش تجربة الصحافة الحزبية، وإن بطريقة نقدية وبكثير من المسافة عن الحزب، من خلال جريدة “النشرة” التي كانت الشبيبة الاتحادية قد أصدرتها، ورسمت لنفسها خطا مشاكسا للخط الرسمي للاتحاد الاشتراكي، ثم انتمى إلى تجربة أخرى، من خلال جريدة “الصحيفة”، التي انخرط عبرها في معركة بناء صحافة مستقلة وحرة، بعيدة عن جبه الأحزاب وألسنته المتعددة، الكابحة أحيانا لصياغة الخبر وصناعة الرأي العام المستقل، وبعيدة بنفس القدر عن سطوة إعلام السلطة.
في هذه الحلقات، تواصل “دابا بريس” نشر الافتتاحيات التي كان محمد حفيظ كتبها قبل عشر سنوات، بجريدة “الحياة الجديدة”، التي أصدرها بعد توقف “الصحيفة”، في إطار مواكبته لانتفاضات ما سمي إعلاميا ب”الربيع العربي” ونسخته المغربية التي أطلقتها “حركة 20 فبراير”، وتفاعله بالرأي والتعليق مع ما تلا ذلك من أحداث وتطورات…
وهي الحلقات التي نتعرف من خلالها على آراء ومواقف إعلامي حرص في تجربته الصحافية على اتخاذ المسافة عن الدولة، بنفس المستوى الذي اتخذها إزاء انتمائه السياسي والحزبي.

محمد حفيظ

الحلقة 25: دستور في خطر!

«بتاريخ 06/07/2011، في الساعة 9 صباحا، اقتحم رجال درك حين حرودة (17) بيت السيدة أمينة زعزاع، بحي مشروع السلام زنقة 42 رقم 69 الطابق الثاني سلام 2، دون توقيعها على الإذن بالتفتيش، وتم تفتيش منزلها، وبعدما لم يجد الدرك أي شيء، طلبوا منها تسليم بطاقتها الوطنية والالتحاق بمركز الدرك عين حرودة 17، حيث تم احتجازها واعتقالها تعسفيا وعوملت معاملة مهينة وحاطة بالكرامة طيلة يوم بكامله، حيث قيل لها إنها ستبقى بمركز الدرك إلى حين إحضار ابنها. وهو نفس التصريح الذي صرح به رجال الدرك لإحدى أخواتها التي حضرت المركز لتستفسر عن سبب اعتقالها خارج القانون، حيث طلبوا من أختها الذهاب لإحضار ابن أختها المدعو عزيز آيت موليد، المبحوث عنه من طرف الدرك. وهكذا، لم يتم إطلاق سراحها إلا بعد تدخل محاميها والاحتجاج لدى الدرك بأنها معتقلة خارج القانون، لأن العقوبات شخصية ولا يمكن اعتقال شخص إلا في إطار القانون. وهكذا، لم يتم الاستماع إليها إلا في حدود حوالي الساعة 7 مساء، حيث استمع إليها الدرك لإثبات هوية ابنها وتوقيع محضر فارغ المحتوى والمضمون لم ينسب إليها أي شيء، بعدما قضت رهن الاعتقال التحكمي مدة تقارب العشر ساعات».

هذا ما جاء في بلاغ صدر، بتاريخ 7 يوليوز الجاري، عن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وبتوقيع رئيسه المصطفى الرميد، المحامي والبرلماني والقيادي بحزب العدالة والتنمية.

وكما جاء في بلاغ المنتدى الحقوقي، فإن هذه السيدة، التي اعْتُقِلت واحْتُجِزت خارج أحكام المسطرة الجنائية وتم تفتيش منزلها خارج أحكام التفتيش، اعْتُقِلت واحْتُجِزت، أيضا، خارج الأحكام الجديدة للدستور الجديد، الذي مازالت «المسيرات» المؤيدة له تملأ الشوارع ومساحات الإعلام العمومي، بعدما مُلِئت صناديق الاستفتاء بتلك النسبة المعلومة، التي فاقت 98٪.
سأنقل حرفيا، مرة أخرى، أحكام الدستور الجديد التي انْتُهِكت من طرف درك عين حرودة، في الوقت الذي تنشغل فيه التلفزات الرسمية بتغطية «المسيرات» التي تحتفي بالدستور خارج أيام الحملة الاستفتائية وبعد يوم الاستفتاء، دون أن تأبه بما يتعرض إليه هذا الدستور المحتفى به من انتهاك.

يقول الفصل 21 من الدستور الجديد:

«لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.
تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع».

وجاء في الفصل 22 من الدستور الجديد:

«لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة.
لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون».


ونقرأ في الفصل 23 من الدستور الجديد:

«لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون».
الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات.
يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون (…)».

ونجد في الفصل 24:

«لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة.
لا تنتهك حرمة المنزل، ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون(…)».
إن ما تعرضت إليه السيدة أمينة زعزاع، بحسب بلاغ منتدى الكرامة، يكشف أن درك عين حرودة انتهك الدستور الجديد بالجملة. ومع ذلك، لم نسمع، بعد مرور أسبوعين كاملين على الواقعة، بفتح أي تحقيق في ما جرى، وكأن أمر هذا الدستور ينتهي بالتصويت عليه، وبعدها تنطلق المسيرات المؤيدة!!

لاحظوا كم من انتهاك ارتكبه هذا الجهاز الأمني المحسوب على الدولة، دون أن يتحرك المهللون للدستور الجديد لنجدته:

– انتهاك الحق في سلامة شخص السيدة أمينة زعزاع.
– المس بسلامتها الجسدية والمعنوية.
– معاملتها معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية.
– اعتقالها بشكل تعسفي.
– انتهاك حرمة منزلها وتفتيشه بدون احترام الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون.


كيف خَفَتَ، إذن، حماس المؤيدين للدستور الجديد أمام هذا الاعتداء الصارخ الذي يتعرض له في واضحة النهار وأمام الملأ ومن طرف جهات محسوبة على الدولة!؟ كيف يُوَجِّه مؤيدو الدستور الجديد «مسيراتهم» ضد حركة 20 فبراير، بينما الخصوم الحقيقيون للدستور الذي يؤيدونه يوجدون في مكان آخر؟! لماذا ركن الشيخ حمزة، زعيم الزاوية البودشيشية، إلى الصمت أمام هذا الاعتداء الذي تعرض له الدستور، بينما انخرط في الاحتفالية، حين استنهض هِمَمَ مريديه للخروج إلى الشارع من أجل الاحتفاء بالدستور؟! ولماذا لم يتابع الإعلام الرسمي هذا الانتهاك الذي جاء ليفسد أجواء الفرح على الفرحين بالدستور الجديد؟!

تأييد الدستور لا يتم التعبير عنه بالمسيرات الاحتفالية والاستعراضية، وإنما بتوفير أسباب الحياة لنصوصه وفصوله. لكن أمام سكوت هؤلاء المؤيدين عما تعرض له الدستور الجديد بعين حرودة يوم 6 يوليوز الجاري يؤكدون بأنفسهم، وهو شيء لم يكن في حاجة إلى تأكيد، أن آخر ما يفكرون فيه هو الدستور. إنهم لا يخرجون من أجل الدستور، وإنما يخرجون، بل يتم إخراجهم، من أجل مناهضة حركة 20 فبراير.

الدولة، من خلال أحد أجهزتها الأمنية، تحقق السبق في انتهاك الدستور الجديد. وتسجل رقما قياسيا بانتهاك فصول منه بالجملة. وإعلامها يمارس التعتيم، حين يتقاعس عن تتبع حالات انتهاكه، ويجعل من مسيرات مناهضة لجزء من المغاربة مسيرات مؤيدة للدستور.

لقد تبين أن هذا الدستور «المسكين» في خطر. جزء من المغاربة يرفضه. والدولة تنتهكه. والذين يَدَّعُون تأييده لا يخرجون من أجله، ويُغمضون العين على منتهكيه.
21 يوليوز 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى