ذاكرةسياسة

تفنوت و النزيف الخفي في تجربة اليسار: أحلام مجهضة لضحايا الديمقراطية الداخلية

في الحلقة السابقة توقفنا عند لحظة قوية بالدلالة في تاريخ المؤتمر الثالث للإشتراكي الموحد، وهي لحظة مايسميه المناضلون القدامى والجدد بالإعداد الأدبي، وبالضبط لحظة الكتابة السياسية…أي صياغة الوثيقة الرئيسية السياسية للحزب ومناضليه…
وعلى الرغم مماقلناه عن قضية الحسم في الإختيار بين أن يتفق المؤتمر على صياغة وثيقة واحدة وهو الأمر المعمول به كتقليد سياسي تنظيمي عند أغلب الأحزاب ذات الطبيعة المركزية سواء في ساحة اليسار أو حتى في جغرافية أحزاب اليمين، ،، أو العمل بصيغة الوثائق المتعددة لا الواحدة…

وهنا لابد أن يعترف المرء بأن الحزب الإشتراكي الموحد كانت له الأسبقية في ارتياد هذا المضمار السلوكي الصعب والمملوءة طريقة بالعوائق الثقافية السياسية…إذ أن تكسيرالقاعدة على هذا الصعيد، و كما يعلم المناضلون بمختلف حساسياتهم، لم يكن مرحبا به وكأننا في مجتمع قطع الأشواط الطويلة في دروب التجربة الديمقراطية الذاتية…

من الأكيد أن أغلب مناضلي ومناضلات اليسار المغربي منذ “الآباء” المؤسسين حتى وقتنا الراهن يستعلمون كل وقتهم في الدفاع عن المجتمع الديمقراطي وفضائله، وفي فتحه أبواب التاريخ لتحقيق العدل والمساواة ولسيادة مناخات الحرية التي من المفروض- لا نظريا فقط – أن يستفيد من هوائها الجميع…لكن التجربة هنا وهناك، وطنيا وعالميا، تحكي لنا( بتفاوت الأوضاع ) عن الأخطاء والأخطاء القاتلة لجل العائلات اليسارية الإشتراكية والشيوعية والفوضوية التي ارتكبتها بنياتها التنظيمية ضد أبناءها في أزمنة السلم والحرب أيضا، وفي أوقات التراجع أو التمدد…

و حين نعود بذاكرة الرفاق إلى هاته الأزمنة البعيدة فهذا لايعني أن اليساريون بكل بيوتهم لم ” يقطعوا أودية المركزية الديمقراطية ونشفت أرجلهم ” …إن اختبار الذات ديمقراطيا لازال أمرا سياسيا جوهريا موضوعا على جدول أعمال العقل اليساري بنفس الدرجة التي توضع عليه قضية بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي…إذ علمتنا الجدلية الواقعية( لا الخطابية اللغوية ) أنه لا يمكن أن نطالب الإستبداد بالخروج من حياتنا ونحن نضع اللبنات الشعورية واللاشعورية في قلب ديناميات هيئاتنا للعودة إلى نفس ماكان أو ربما أبشع…

وهنا سأستعيد وصفا سبق أن استعملته في إحدى الأستجوابات الذي طلب مني صاحبها التعليق(en off) على التحاق رفاق تيار الوفاء للديمقراطية بحزب اليسار الديمقراطي الذي كانت قائمة أعمدته على شبه اتحاد لأربعة تيارات يسارية آتية من صلب اليسار الماركسي الجديد…

كان ينتظر مني تعليقا يشبه التعاليق الرسمية للإشادة بالوحدة هاته في الوقت الذي كان الحقل الحزبي المغربي يتمزق ويشهد انشقاقات ” مخدومة ” نلمح وراءها اليد الخفية تعمل عملها…لكنني أجبته بالتالي: يازميلي تأمل مسارات كل مكونات هذا الجسد السياسي ذو الطبيعة الخاصة في الحقل الحزبي الوطني، فستجد فيه ميزة لن تجدها عند الآخرين، فهم اشتراكيون وشيوعيون وحتى فوضويون كما الآخرين، وفيهم الشعراء والأساتذة والمهندسون والأطباء والأطر الإدارية والعمال والنقابيون، وهذا أيضا قد تجده عنذ الآخرين من رفاق لم يلتحقوا بهم…لكن الذي سيبقى يميزهم كعنوان أدبي أخلاقي هو أنهم كانوا في أغلبهم ضحايا غياب الديمقراطية الداخلية..

فوجدوا أنفسهم أمام أسئلة الرحيل أم البقاء، ففضلوا ركوب قطارات أخرى ليلتقوا في هذه المحطة الجماعية التي أتمنى أن لاتكون تجربة تراجيديا في تاريخنا اليساري…

إن هذا الوضع السوسيوسياسي، وضع ضحايا الديمقراطية، في تجربة مناضلي الإشتراكي الموحد هو ماجعله في لحظات التأسيس الثانية شديد الحرص والحذر على أن لا ترتكب الأخطاء التنظيمية القديمة، وأن ينتعش الفضاء الداخلي بحوارات جريئة أكثر من المعتاد في المجال العمومي…

وباسترجاع شريط المؤتمر الثالث، يمكن القول أن مجموعة من الرفاق الوازنين ( ولو قليلة العدد ) كانوا يحسون بأهمية أن لاتتوقف دورات التجديد وبجرعات شجاعة، حتى وهم يبادرون إلى لتقريب مسافات الخلاف وتدقيق أهمها بغية الوصول في ألأخير إلى الوثيقة المشتركة( لا الواحدة ) ، الأمر الذي سيسهل مأمورية إعادة تشكيل قيادة أوسع أفقا وأنضج تجربة وخصوصا من الرفاق الذين لعبوا دورا في هذا المسار الجديد….

وللحقيقة وبعد تداولات وعمق استماع متبادل خصوصا مع الرفيق محمد مجاهد، ومحمد الساسي ومصطفى الشافعي
سرنا نميل إلى هذا المقترح رفقة بعض الرفاق المرتبطين بما عبرنا عنه من آراء ووجهة نظر كان لها عنوانين: الديمقراطية مشروع سياسي ثقافي، ركناه الكبيرين الدولة والمجتمع …بما يعني فصل السلط، الدولة العلمانية، والتموقع ضد أي تحالف عكس هذا…

لكن الرياح هذه المرة لم تجعلنا نوجه السفينة في اتجاه المرسى الكبير بجعل المؤتمر الثالث نقطة جذب قوية سياسية تفرض على الدولة إعادة الرؤيا فيما كانت ترتب له تكتيكيا بعد انفراط عقد الربيع العشريني المغربي..
هذا ماسيكون موضوع الحلقات القادمة من فصل المقال فيما يحدث عند أهل اليسار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى